* القاهرة حسام سيد أحمد:
رغم انتشار مصطلح العولمة وتداوله على مختلف المستويات وفي كافة أرجاء العالم إلا أن الغموض والشك مازالا يحيطان بهذا المصطلح الذي اعتبره البعض بديلاً للأمركة وما تعنيه من هيمنة الولايات المتحدة على العالم والتي لم تعد تقتصر على السيطرة الاقتصادية والتجارية لتكريس الفقر في بعض البلدان النامية ومنها الدول العربية بل تعدتها إلى سيطرة سياسية وعسكرية وثقافية ودينية أيضاً وهو ما خلق روحا معادية لهذه السياسات الخطرة ظهرت بوضوح في المظاهرات المصاحبة لاجتماعات المنظمات الدولية والتي اسفر عنها سقوط ضحايا من أعضاء جمعيات المجتمع المدني المدافع عن الحقوق المهدرة للغالبية الساحقة من شعوب العالم.
وفي حوار الجزيرة مع د. محمود منصور أمين عام الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية و استاذ الاقتصاد بجامعة الازهر تحدث حول قضية العولمة والفقر والعديد من القضايا الأخرى المرتبطة بالعولمة.
** البعض يتهم العولمة بأنها من أخطر السياسات التي ظهرت لفرض هيمنة الدول الكبرى على العالم؟
* هذا الاتهام يمكن اعتباره صحيحاً إلى حد كبير حيث ان خطورة العولمة لم تعد قاصرة على المحور الاقتصادي كما في أطوارها الأولى بل امتدت اصابعها الخفية إلى محاور أخرى سياسية وعسكرية وثقافية وحتى الدينية نتيجة الهيمنة الأمريكية ومخططها الشامل لفرض سياساتها على مختلف أقطار العالم وحصد المزيد من عوامل القوة والتفوق.
** يرى البعض أن ما يحدث حالياً هو أمركة وليس عولمة فما مدى صحة هذه الرؤية؟
* اتفق مع هذه الرؤية لكون العولمة افتقدت إلى الهدف الطبيعي والمنشود منها وهو تقارب العالم ليصبح قرية صغيرة وتم استبداله عمليا بالأمركة والتي يمكن اعتبار 11 سبتمبر بداية الإعلان الرسمي لها لتنفيذ كافة أبعاد الأمركة وتداعياتها من مكاسب هائلة تضاف إلى الرصيد الأمريكي في حين يفرض على العالم النامي لاسيما الدول العربية تحمل العبء الأكبر من مساوئ هذه السياسات.
** من الذي أعطى الولايات المتحدة الحق في فرض سطوتها على المجتمع الدولي؟
* فكرة تقسيم العمل الدولي المطروحة في الاقتصاد السياسي الدولي والتي تهدف إلى تحديد دور معين لكل دولة ويفرض بشكل أو بآخر من قبل القوى المهيمنة على هذه الدول والتي تغيرت مع مرور الزمن من قوى استعمارية في القرون السابقة إلى ان وصلت للنظام العالمي الجديد وسيطرة القطب الواحد ليفرض التقسيم الذي يحقق مصالحه من خلال سيطرته على الموارد بحيث يمكن جلبها بيسر من أماكن تواجدها وفي الوقت الذي يحدده فضلاً عن أسواق مفتوحة بلا قيود أو شروط في ظل تبعية سياسية وهو ما يحقق في النهاية قوة إضافية لامريكا وصلت إلى حد إسقاط الذهب بعد تربعه على عرش الاقتصاد العالمي لقرون طويلة مضت واتخاذ الدولار قوة غير محدوده جعلت الاقتصاد الامريكي يحقق حوالي 51 مليار دولار سنوياً من هذا التفوق على حساب مصالح الدول الأخرى.
** في ظل هذه الأوضاع المجحفة ماهو تفسيرك للمساعدات والمنح التي تقدم للدول النامية؟
* إن المساعدات والمعونات والمنح ماهي إلا سياسة ذكية تنتهجها الولايات المتحدة و بعض الدول الكبرى للتخفيف من حدة الآثار السلبية للعولمة على الشعوب النامية ومنها بعض الدول العربية ولإدراك الدول الكبرى أن «الرخاء لا يتجزأ» ومن ثم ضرورة التحسين من حال الشعوب النامية حيث ان الفقر والظروف المعيشية الصعبة في النهاية ستنعكس سلباً على الدول الغنية ومن هذا المنطلق أقرت الدول المانحة 5.0% من دخلها لمساعدة الدول النامية.
** وما هو دور صندوق النقد والبنك الدوليين في تنفيذ مخطط العولمة؟
* ان برامج التكيف الهيكلي «الاصلاح الاقتصادي» تعد أحد الأساليب المتبعة من قبل المنظمات الدولية وعلى رأسها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لتكريس سياسات العولمة بهدف دمج اقتصاد الدول داخل الاقتصاد العالمي من خلال إزالة كل الحواجز والمعوقات مع التركيز على إطلاق حرية رأس المال دخولاً وخروجاً في هذه المجتمعات عن طريق البورصات والبنوك والقروض والاستثمار المباشر وغير المباشر. كما ان تطور هذه الآليات بشكل سريع دفع إلى قفز دوران عجلة رأس المال لمصلحة الدول الكبرى واقتصاد السوق.
تجارب فاشلة
** ماهو تقييمك لنتائج سياسات الصندوق والبنك الدوليين خصوصا في الدول النامية؟
* إن برامج الإصلاح الاقتصادي التي فرضها البنك الدولي على كثير من البلاد أدت إلى أزمات مالية حادة وتدهور في الأوضاع الاقتصادية بتحويل النمو البطيء إلى انكماش ومنه إلى كساد مثل ازمة المكسيك 1994 و دول جنوب شرق آسيا سنة 1997 والبرازيل وروسيا عام 1999 وعلى الجانب الآخر انتعاش الأسواق الأمريكية.
** وما هي أفضل الوسائل التي تتخذها الدول لتجنب هذه الأزمات؟
* يمكن تجنب هذه المخاطر بقدر من قواعد التنظيم وتعزيز سلامة المؤسسات المالية وهو المطبق في الدول الصناعية في الوقت الذي يصعب تحقيقه في الدول النامية لعدة أسباب منها ضعف نموها الاقتصادي وخلل علاقاتها الاقتصادية الدولية وسهولة تعرضها للصدمات الخارجية.
«أدوات مستحدثة للهيمنة»
** ماهو الدور الحقيق لمنظمة التجارة العالمية في الفلسفة الاستعمارية الامريكية على النطاق الدولي؟
* إن الولايات المتحدة استحدثت أداة جديدة لتحقيق أهدافها بإنشاء منظمة التجارة العالمية التي استسلمت هي الأخرى للسيطرة الأمريكية ومن هذا المنطلق سعت إلى توقيع معظم دول العالم على اتفاقية الجات والتي بمقتضاها تم انشاء منظمة التجارة العالمية عام 1995م حيث تم لأول مرة في التاريخ نقل سلطنة تطبيق ومراقبة الاتفاقيات التجارية بين الدول من الحكومات إلى جهاز دولي جماعي متمثل في هياكل وهيئات منظمة التجارة العالمية فضلاً عن أرساء نمط جديد لفض النزاعات «نظام تسوية النزاعات المتكامل» وتوسيع نطاق تحرير المبادلات فأصبحت تشمل قطاعات جديدة كالزراعة والخدمات والملكية الفكرية بالإضافة إلى تخفيض الحواجز غير الجمركية.
وبذلك اكتمل الإطار الحديدي المفروض على المجتمع الدولي بقيادة القطب الواحد لاتخاذ سياسة هادفة إلى تحرير حركة المال والتي تسارعت بشكل متزايد مما أدى إلى تعويض العجز في التغلب على الصعوبات التي تواجه تحرير حركة السلع لارتباطها بمقدرات ومصالح مباشرة للشعوب وهو ما يجعل من الصعب تغييرها بمجرد قرار وفي هذا الصدد أشارت تقديرات منظمة التجارة العالمية إلى أن تحرير المبادلات سيؤدي إلى زيادة 1% سنوياً في الدخل العالمي خلال العشرية القادمة أي بمقدار يتراوح بين 200و 300 مليار دولار سنوياً.
** لماذا تنطوي معظم قرارات منظمة التجارة العالمية على إضرار الدول النامية وإعطاء مزايا لغيرها؟
* لأن السياسة المتبعة في اتخاذ القرارات الخاصة بمنظمة التجارة العالمية هو تهميش دور الدول النامية الأعضاء بالمنظمة باعتبارهم يمثلون المستوى الثالث باستثناء بعض الدول مثل مصر والهند لوعيهما بالمخاطر القادمة بينما ينفرد الوفد الأمريكي الممثل للمستوى الأول باتخاذ القرار بما يخدم مصالحه في حين تأتي الوفود الأوروبية واليابان في المستوى الثاني لمحاولة مشاركة الوفد الأمريكي في المناقشة واتخاذ القرار واصبح هذا السيناريو متكررا في ما يطرح داخل المنظمة الدولية من اقتراحات.
«محاور العولمة»
** كيف تسنى لأمريكا تفعيل البعد السياسي للعولمة؟
* إن الولايات المتحدة سعت إلى تفعيل المحور السياسي للعولمة بشكل واضح من خلال استراتيجية معده مسبقاً لانهيار الاتحاد السوفيتي بحيث يمكن اعتبار لحظة انهياره إعلاناً لسيادة السياسة الأمريكية على مختلف أرجاء العالم اثر جور باتشوف بداية فرض نظام عالمي جديد يقوم على القطب الأوحد لتصبح أمريكا صاحبة القرار.
** ما مدى نجاح السياسة الأمريكية في فرض ثقافتها في ظل العولمة؟
* من الصعب إغفال العولمة الثقافية بما تعنيه من غزو الثقافة الأمريكية بشكل واسع لمختلف الثقافات الأخرى حيث نتج عنها إفرازات تختلف إلى حد ما عن البيئة التي تنتمي إليها والعادات والتقاليد المحيطة بها مثل ثقافة «التيك أواي»، والزواج والمراسلات والصداقات عبر الانترنت بين مختلف الاجناس والأقطار والأعمار على المستوى الدولي.
** هل هناك علاقة بين العولمة والفقر؟
* يمكن اتهام العولمة باعتبارها المسؤول الأول عن الفقر في العالم من خلال تحرير الاقتصاد وسياسة السوق والقضاء على دور الدولة في ظل عدم وجود مؤسسات تتولى هذا الدور في حين أن الدول الكبرى الواعية لهذا الخطر شجعت إقامة مؤسسات ونقابات بالإضافة إلى القطاع الخاص القوي والفعال والذي يحل محل الدولة أما في الدول النامية فالمجتمع رخو لا يستطيع أن يقف بمفرده بالإضافة إلى عدم توفر خبرات عملية لتطوير الأداء الاقتصادي وهو ما يعكس خطورة التخلي المبكر عن هذه المسؤولية التي تأتي بنتائج سلبية على العديد من المجالات الحيوية اللازمة لتطوير الشعوب مثل الانفاق الاجتماعي على الصحة والتعليم والمرافق والخدمات والطرق وغيرها الكثير وعدم وجود الدولة يعني تقليص هذا الانفاق والذي يمكن وصفه بأول خطوة في طريق تعميق الفقر بكل ما يحمله من آلام تعانيها هذه الشعوب بمفردها دون أن يكون لها الحق في التعبير عن مشاكلها ومصاعبها.
** ما هي مضاعفات إنهاء دور الدولة خاصة في الدول النامية؟
* المزيد من المعاناة في ظل عدم توفر مؤسسات تضمن حق الإنسان في مستوى معيشة كريم والحصول على الغذاء والرعاية الصحية والتعليم وعمل لائق ومسكن صالح للسكن الآدمي وأيضاً الحق في تقاسم ثمار التقدم العلمي والتكنولوجي الهائل وحق الشعوب البسيطة في الحماية من النكبات وذلك بعد انكماش وانحصار دور الدولة.
|