Thursday 2nd May,200210808العددالخميس 19 ,صفر 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

مصالح روسيا الجيوسياسية والهيمنة الأمريكية مصالح روسيا الجيوسياسية والهيمنة الأمريكية
الجنرال/ ليونيد إيفاشوف

ما يجري في العالم المعاصر من أحداث يؤثر ليس فقط في اختيار روسيا طريق تطورها، بل في ضمانها لأمنها أيضا، وإذا أخذنا التغيرات الجيوسياسية في العالم سوف نرى أنها تمس مصالح روسيا القومية مساسا مباشرا، فمن المهم جدا بالنسبة إلى روسيا أن تكون البيئة السياسية الخارجية غير عدوانية، بل ودية تجاهها، ففي هذا يكمن هدفها الجيوسياسي وفكرتها الجيوسياسية، لكن لا بد من ملاحظة أنما يجري في العالم الآن يعزز فقط الخطر على أمن روسيا القومي، والسبب الأساسي في ذلك يكمن في تغير العالم المعاصر تغيرا سريعا ومفاجئا، وفي تشوه بنى العلاقات الدولية التي نشأت وتطورت على مدى مئات السنين، فالمبادئ والأعراف التي أقرتها الأسرة الدولية تتحطم وتتقوض ليصبح الرهان أكثر فأكثر على القوة العسكرية، وبفعل هذا تتكاثف في العالم أجواء العدوانية التي لا شك أنها ستتحول إلى شتى أنواع المقاومة والأعمال الإرهابية والانعزالية إلخ، وكل هذا ينطوي على خطر واقعي ليس فقط بالنسبة لروسيا.
إن ما تقوم به اليوم الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو في مجال رابطة الدول المستقلة ما هو إلا انعكاس لأحد أشد الأخطار على روسيا، فأية قوة عسكرية لا يمكن أن تكون محايدة نظرا لأنها دوما موجهة في اتجاه ما، وما يجري حاليا في آسيا الوسطى وفي القوقاز، بل في بلدان البلطيق أيضا من أحداث، ليس إلا تأكيدا لكون قوة عسكرية عاتية بدأت تحل على أراضي روسيا وعلى مجالها الجيوسياسي.
أما في ما يخص القوة القادرة في روسيا على مواجهة التحديات الحاضرة والمستقبلية فهذه القوة يجب أن تكون الدولة بالذات، ذلك أن الوظيفة الأهم لأية دولة، وللدولة الروسية بالذات، هي ضمان الأمن القومي للبلد والذود عن مصالحه القومية، فالدولة لا يجب أن تعي وحسب الخطر الداهم المحيق بها، بل عليها أن ترسم استراتيجية ردع الأخطار والتحديات، وهي ملزمة بأن تؤمن بكل ما أوتيت من قدرات وموارد الذود عن أراضيها ومصالحها، من المؤسف ألا يلاحظ هذا في روسيا، فالاستنتاجات التي تساق اليوم نظرا إلى الوضع الناشئ في البلاد والعالم كثيرا ما تكون خاطئة، وبنتيجة ذلك تتنامى في أوساط المجتمع قلة الثقة بقدرة الدولة على الدفاع عن مصالح البلد الجيوسياسيةوعن أراضيه.
ولا بد هنا من تذكر أن محاولة السير في ركاب سياسة غريبة لم تؤد يوما في تاريخ البشرية ولن تؤدي أبدا إلى نجاح على المدى البعيد، والقمة الروسية الأمريكية المقبلة على مستوى رئيسي البلدين في هذا المجال ليست استثناء، بل ومن الصعب انتظار اختراق ما جد في هذا الاتجاه، أولا لأن كلا الطرفين يطرح نصب عينيه أهدافا استراتيجية مختلفة تمام الاختلاف، فعدا مكافحة الإرهاب الدولي «الموهومة» كظاهرة وكعملية لسنا نري مصالح استراتيجية أخرى متطابقة بين روسيا والولايات المتحدة، بينما نرى أن الأهداف التي تطرحها الولايات المتحدة هي أهداف شمولية تشمل في ما تشمل روسيا، وهي تهدف بادئ ذي بدء إلى تثبيت وضع الولايات المتحدة المهيمن في العالم، و إلى تشديد السيطرة على الأراضي الروسية وعلى البنى الروسية، ومن بين أهم ما ترنو إليه الولايات المتحدة خلق تفوق حاسم في الميدان العسكري الاستراتيجي، وهو ما لا يستجيب لمصالح روسيا، فروسيا تريد في العديد من الشؤون أن تكون لها علاقات تكافؤ مع الولايات المتحدة، وهي حريصة أولا على وجود محيط ودي تجاهها سواء على حدودها المترامية، أو في مجالها الجيوسياسي، أما بالنسبة إلى علاقات التكافؤ المحتملة مع الولايات المتحدة بإمكان روسيا أن تلعب اليوم دورا أهم في بناء العالم الجديد وفي الحفاظ على المبادئ الخيرة التي تكونت بعد الحرب العالمية الثانية، ومهم كثيرا هنا أن تثبت الولايات المتحدة وجودها دائما كزعيمة للمجتمع الدولي على قاعدة تلك المبادئ والقواعد نفسها التي أقرها المجتمع الدولي، وفي هذا السياق يمكن أن نتحدث أيضا عن دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وغيرهما من الهيئات الدولية، وهنا يمكن أن نعثر على مصالح استراتيجية متبادلة تكون بينها مكافحة الإرهاب الدولي، غير أن الارتكاز يجب أن لا يكون على تلك الأساليب التي تراها اليوم الولايات المتحدة لحل المشاكل، فتحت ستار مكافحة الإرهاب مثلا تسعى الولايات المتحدة على الأخص إلى تعزيز هيمنتها على العالم،.

* نائب رئيس أكاديمية العلوم الجيوسياسية الروسية عن «نيزافيسيمايا جازيتا خدمة الجزيرة الصحفية

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved