ما زالت الصورة المرسومة للانسان العربي والمسلم في وسائل الاعلام الغربية تتخذ طابعا وضيعا ينحدر به الى مراتب متدنية في التفكير والسلوك. وتلصق به أدنى صفات الانسانية وأحقرها فهو «الارهابي» و«المتخلف» وغيرها من النعوت السيئة للفرد العربي.
وقد لا يكون هذا الامر مثار استغراب حينما نعلم ان المسيطرين على وسائل الاعلام العالمية وبخاصة إعلام أكبر مصدِّر ومنتج للأعمال السينمائية والتلفزيونية هم من اليهود الذين يرتبطون معنا بعدوان وصراعات ازلية كانت هدفا رئيسا لهذا التشويه المتعمَّد لصورة المواطن العربي، لكن هذه النعوت والصفات تواجدت في اماكن وبيئات أخرى، خاصة بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر، فتصدت كبريات دور الاعلام في العالم مرئية ومسموعة ومقروءة للتركيز على ما تفرزه الصحافة الصهيونية، مما ولَّد مساحة اكبر لانتشار التهم المتعلقة بتخلفنا وركوننا لمفاهيم وعادات قديمة يرونها من منظورهم انها وصمة عار في تاريخ أمتنا.
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي أصابت أمريكا كان «الاسلام» ومفاهيمه محورا لكتابات شتى من جميع ارجاء المعمورة، وكانت السلوكيات العربية تمنح في أحيان كثيرة صفة «اسلامية» بهدف تشويه الاسلام، ونحن في خضم تلك الكتابات كنا نبحث عن «صوت» صادق ينقل للعالم الواقع الصائب الذي عليه أمتنا، ويذكر ان احداث امريكا لم تأتِ وتكون إلا لأن هناك من سلب من العالم الاسلامي أشياءه، لعل اهمها كرامته وكبرياءه، ولم يكن لصوتنا العربي الاسلامي من سلطة فاعلة في مجال الاعلام ليسمع الآخرين رأينا وقولنا، ولعل حادثة الامير الوليد بن طلال مع عمدة نيويورك السابق جولياني حينما قال الأمير شيئا مما يفكر ويدور في أذهان المسلمين ثارت ثائرة الاعلام هناك ورفض التبرع المالي الذي قدمه سموه لضحايا التفجيرات!!
من بين تلك الأصوات النشاز التي كانت «ذكية» وهي تستغل الاحداث لتشويه أكثر لصورة المسلمين كانت تظهر بين الفينة والأخرى اصوات عاقلة تنظر للأمر بواقعية غير متشنجة، وتدافع عن حقوقنا وتقول للعالم اجمع خاصة القوة العظمى في العالم: إن ما حدث لم يكن الا لما يعيشه الانسان المسلم من قهر وظلم بسبب سياسات امريكا الموالية لاسرائيل، وقالت تلك الأصوات «الغربية» ما لم تجرؤ على قوله بعض الاصوات العربية، فذكرت وبالأرقام والوثائق ان امريكا كانت تبحث عن موطن قدم في شبه القارة الآسيوية قبل احداث الحادي عشر من سبتمبر، بل وذهبت لابعد من ذلك حينما شككت بأن من يقف خلف التفجيرات في أمريكا هم امريكيون او يهود يهدفون لاشعال وقود مواجهة تكون سببا للدخول في حروب وتغيير انظمة والغاء دول!! يبرز من اولئك الكاتب البريطاني روبرت فيسك الذي عودنا دائما في كتاباته انه يقف من الرأي العربي مدافعا ومبينا، ومقالاته التي تشهدها اسبوعيا جريدة الاندبندنت البريطانية تشهد بذلك، ومنها كتاباته الاخيرة عن الاجتياح الاسرائيلي لأراضي الضفة الغربية والصمت الأمريكي إزاء المجازر الاسرائيلية، روبرت فيسك.. اسم ردده الكثيرون وتناقلوا مقالاته في المنتديات وتسابقت الصحف العربية على ترجمتها أولا بأول، هذا الكاتب «المنصف» لم ينل من الاعلام العربي اهتماما واحتراما وتقديرا لما ناله «توماس فريدمان» الكاتب الأمريكي الشهير من خلال جريدة نيويورك تايمز والذي دأب على النقد المتحيز وغير المنصف لكل ماهو عربي، وخاصة كتاباته عن المجتمع السعودي والمناهج التعليمية وغير ذلك من الغثاء الذي جعله «العدو» الاول إعلاميا لكل ماهو عربي ومسلم! ذلك الكاتب كان محل عناية واهتمام من العديد من الفعاليات الاعلامية العربية هنا وهناك، فكان احد ضيوف مهرجان الجنادرية الاخير، وتمت استضافته في لقاءات مع مثقفين سعوديين ابانت وجهه المتعصب القبيح، واستضافته القاهرة في مؤتمر عن الاعلام العربي قبل فترة، وهاهو يحل ضيفا على دبي من خلال منتدى الاعلام العربي الذي ينظمه نادي دبي للصحافة، والذي كان في اطروحاته وآراؤه المتعصبة ضد المسلمين مثار خلاف ونقاش داخل أروقة المنتدى، بل انه ولعدم احتفائه بالرأي الآخر انسحب من احدى المناقشات غاضبا كما فعل في لقاء مع المثقفين هنا في جدة وهنا تبرز المقارنة المتناقضة في تعاملنا نحن كمؤسسات عربية رسمية او غير رسمية مع امثال اولئك الذين يشكلون في كتاباتهم «رأي عام» ومن هو الجدير بالاستضافة وان يمنح مساحة اكبر من الضوء والاعلام؟ وروبرت فيسك.. كمثال لم يكن محل اهتمام من المؤسسات العربية والاسلامية لشيء واحد وهو انه «لا يختلف معنا» وكأننا ننتظر ان يأتي روبرت فيسك ويفعل مثل توماس فريدمان او وليام سفاير وغيرهم ويكيل لنا الاتهامات والاوصاف فنبحث عنه لنستضيفه ونناقشه ونحاوره لاجل ان يغير افكاره عن العرب والمسلمين!! وبالمناسبة فوليام سفاير كان صحفيا قبل ان يحوز على الرضاء والثناء الكبير من القيادات الصهيونية والتي جعلت منه احد اكبر الكتَّاب في العالم لأنه يدافع عن «الحقوق» الاسرائيلية و«الارهاب» الفلسطيني!! وسفاير هذا ما زال يتلقى مكالمات هاتفية بين فترة واخرى من رئيس الوزراء الاسرائيلي أرييل شارون تثني على مقالاته وتبين له وللرأي العام الأمريكي «الظلم» الكبير الذي يحياه الاسرائيليون في ارض الميعاد!!وهنا.. وبين شارون وسفاير، يظهر سؤال آخر، كم من زعيم عربي او مسؤول بارز بحث عن روبرت فيسك؟ او كم من مثقف ومفكر عربي حاول ان يتواصل مع روبرت فيسك ويوصل له الرضاء الكبير عما يكتبه في بيان الاستبداد والتحيز الأمريكي؟؟ أشك أنَّ هناك من فعل ذلك، والسبب ببساطة اننا لا نهتم بمن يدافع عنا قدر اهتمامنا بمن ينتقدنا، وهذا سيجعلنا في المستقبل القريب امام جيش كبير من «الإعداء» لأنها الوسيلة الأسرع للوصول إلى حيث اصحاب النفوذ، والفكر والثقافة.
|