Thursday 2nd May,200210808العددالخميس 19 ,صفر 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

سقوط مبادئ حقوق الإنسان عند أمريكا سقوط مبادئ حقوق الإنسان عند أمريكا
د. عبدالله الزهراني

من المفترض أن الإنسان ينظر إلى نفسه بأن الله كرمه على بقية الخلق بأمور عديدة وأنه أفضل هذه الكائنات الحية على الإطلاق. وهذا أمر مدرك لنا كمسلمين ليس بحكم المنطق والقدرة الذهنية والعقلية لدى الإنسان التي نلحظها فحسب ولكن أيضا لأن الله سبحانه وتعالى أثبت ذلك في كتابه الكريم في مواقع عديدة.ولكن تصرفات بعض سكان هذا الكوكب تجعلهم في مرتبة متدنية عن مراتب كثير من الحيوانات والحشرات. إن النظرة والتفحص في حياة بعض الأنواع الحياتية يجعلنا نعجب بها في التعاون والعمل البناء والجاد والنافع ولعل النحل والنمل من الأمثلة التي تجعل بني الإنسان يود أن يقتدي بهذا النوع الحياتي في التعاون والمثابرة والجدية. إلا أن مجتمع الحياة الحيوانية لا يخلو من التسلط والعنف والقسوة والوحشية في أحايين كثيرة ولبعض من أنواع الحيوانات ممارسات وتصرفات قاسية ووحشية ومرعبة سواء من الكائنات الحية البحرية أم البرية حيث السمك الكبير يأكل الصغير والحيوانات المفترسة تقتنص الحيوانات العاشبة بل وغير العاشبة أحيانا ويسيطر بعضا منها على بعض بالقوة والعنف. ولعل هذا التسلط والقسوة هوما يضرب به المثل عندما تسود القسوة والعنف والوحشية بين بني البشر فيقال إن هذا المجتمع أو هذه الدولة تطبق شريعة الغاب، حيث لا نصير ولا عون لمن يعتدى عليه في هذه البرية والفلاة والغابة.
لا شك أن الإنسان مر في مراحل تاريخ حياته بتعاملات عنيفة ودامية وربما شبيهة بتصرفات بعض الحيوانات المتوحشة والمفترسة ولكنه بالتأكيد أشد عنفا وقساوة ودموية.
ولا شك أيضا أن تاريخ الشعوب على هذا الكون مر بمراحل دموية وقاسية وفي منتهى العنف والوحشية. كتب التاريخ مليئة بالأمثلة على تلك التصرفات والدموية. وما موجات التتار وهجومهم الوحشي وتدميرهم لكل ما يعترض طريقهم إلا واحد من هذه الأمثلة الدموية. ستالين لينيين وغيرهم من زعماء الشيوعية تاريخهم دموي حيث اعتمدوا التعذيب والنفي إلى صحاري سيبيريا الباردة تدل على دموية ووحشية بعض من البشر. كما أن هتلر كان دمويا أو أنه دفع من قبل اليهود لأن يكون دمويا وبالذات تجاههم. إنه لم يفعل ذلك بهم ويحرقهم كما يدعون إلا لوجود سبب جوهري حيث يدعون أنه لم تتم المحارق إلا ضدهم دون بني البشر الآخرين. إنني أكره ما فعل هتلر باليهود لأنهم يظلون من البشر ولكن في نفس الوقت أكره الصهاينة الذين يمارسون الدموية والعنف ضد الشعب الفلسطيني ويقتلون ويجوعون ويحاصرون وينتقمون. ما الفرق بين الحرق أو القتل بصاروخ أو بندقية أو إسقاط البيوت على رؤوس ساكنيها وبشكل جماعي. أليس ما قام به الجنود الإسرائيليون من تفجير للبيوت على أصحابها واللاجئين إليها شبيها بجرائم هتلر وأعوانه، إن ما عمله هتلر وأعوانه ضد اليهود عمل إجرامي استحقوا عليه المطاردة والمحاكمة كما أن ما يعمله اليهود بالفلسطينيين في جنين ونابلس وكل المدن والقرى الفلسطينية جرائم ضد البشرية يستحقون عليها المحاكمة والمطاردة حتى تتم إدانتهم. إن كثيرا من تلك التصرفات التاريخية الدموية ربما حصل بعض منها في ظل غياب الفكر الإنساني والحضاري لدى كثيرين ممن ارتكبوها كالتتار وهم أقرب إلى التصرفات الحيوانية منها إلى الإنسانية لأنها كانت شعوبا معتدية وغير معتدى عليها. وكذا الحال مع الشيوعيين عندما قامت الثورة البلشفية عام 1917م وقضت بوحشية على قياصرة الروس واعتدوا على الجمهوريات الإسلامية وغيرها وشتتوا شمل الشعوب ونقلوهم إلى مناطق غير مناطقهم وديارهم.
إن ما اقترفه الروس ضد الشيشان منذ عام 1992م وحتى الآن يعد من الأعمال الوحشية التي لم يكن فيها مجال لأي اعتبارات إنسانية. إن مساكن قروزني عاصمة الشيشان والخراب الذي لحق بها وبسكانها شاهد على هذه الدموية وهذه الوحشية. كما أن ما اقترفه الصرب والكروات ضد البوسنيين أيضا منذ عام 1992م هي الوحشية وهي شريعة الغاب نفسها حيث قتل عشرات الآلاف وجرح وشرد مئات الآلاف، لم يتدخل الغرب إلا بعد فوات الأوان. كما أن تدخلهم لم يكن خالصا من أجل الإنسان والإنسانية وإنما لأن مصلحة الغرب تقتضي ذلك.
إن حرب الإبادة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني كشفت زيف مفهوم حقوق الإنسان عند أمريكا وأن حقوق الإنسان هي مجرد شعارات تطلقها أمريكا بالذات في أوقات الضرورة وعندما تقتضي مصلحتها ذلك وترغب في الضغط على حكومات معينة لكي تقبل بسياساتها وتلبي مطالبها واحتياجاتها. إن تلك السياسات والاحتياجات تعني الهيمنة بشكل عام وإملاء الشروط. إذا رفضت هذه الدولة أو تلك مطالب الولايات المتحدة والخضوع لتوجهاتها فإن الحملة الإعلامية ونشرات حقوق الإنسان تنشط. وقد كان ذلك واضحا في الحملة الإعلامية المسعورة والمبرمجة والموجهة والتي شنت ضد المملكة العربية السعودية مؤخرا في صحف الولايات المتحدة الأمريكية وفي تصريحات بعض أعضاء الكونجرس وذلك عندما رفضت المملكة التجاوب مع أمريكا في الانطلاق لضرب أفغانستان من قواعد المملكة العربية السعودية، إن شريعة الغاب وتغييب حقوق الإنسان مع سبق الإصرار والترصد هو توجه تبنته الولايات المتحدة الأمريكية في سياساتها تجاه القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني. كما أن هذا هو ما يحصل اليوم في فلسطين المحتلة تماما حيث لا نصير ولا معاون في الميدان لهؤلاء الفلسطينيين.
منذ أن تولى بوش الابن الرئاسة وهو منحاز تماما للسياسة الصهيونية ومواقفها تجاه الشعب الفلسطيني حتى أن هناك من يقول إن شروطا وضعت على بوش من قبل اللوبي الصهيوني عندما أعيد عد الأصوات لكي ينفذ المطالب الصهيونية وإلا فإنه قد لا يفوز. إن حقوق الإنسان جمدت أثناء الهجوم الصهيوني على المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية ولم تدخل إلى الميدان مع الجنود والدبابات والمدرعات والطائرات الأمريكية الصهيونية. لم يستطع أحد أن يدخل ا لميدان لمواجهة الصهاينة سوى الفلسطينيون العزل وأشباه العزل.
هؤلاء الفلسطينيون وقعوا ضحية هذا الوحش الصهيوني الذي لا يرحم ولم يتردد في قتل كل من يواجهه في طريقه من رجال ونساء وأطفال وشيوخ. الصهاينة ضربوا بكل القيم الإنسانية والأعراف عرض الحائط حيث اكتسحوا هذه المدن وأصبح بعضها أثرا بعد عين.
إن مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين الذين شتتتهم حرب 1948م والذين قرروا أن لا يخرجوا من فلسطين المحتلة حتى وإن طردوا من ديارهم كان قدرهم أن يتعرضوا لهذه الهجمة الشرسة في هذا المخيم. كما أن هذا المخيم لم يقتصر على هؤلاء بل انضم إليه أعداد من الفلسطينيين الذين شردتهم حرب عام 1967م. إن هذا المخيم الذي اسمه جنين دخل التاريخ من أوسع الأبواب وسيبقى في ذاكرة تاريخ الكفاح الفلسطيني ضد الاحتلال والظلم الصهيوني وفي ذاكرة الأجيال المتعاقبة فلسطينية وعربية. لقد أثبت بل أكد رجال ونساء وشيوخ وأطفال هذا المخيم أن الوطن غال وأنه يستحق التضحية بالغالي والنفيس من أجله. وهل هناك أغلى من روح يمكن للإنسان أن يقدمها من أجل الوطن؟ لقد ضربوا أروع الأمثلة في التضحيات والصمود. لم يثبت أن أحدا من المقاتلين الفلسطينيين المحدودي العدد فر من المخيم، أو تهاون أو تخاذل، لم يحاول أحد منهم أن يستسلم قبل أن تنفد ذخيرته. لقد سئم سكان هذا المخيم الذي لا تتجاوز مساحته واحد كم 2 وسكانه ثلاثة عشر ألف نسمة الانتقال والهجرة بعد حربي 1948 و 1967م ولذا لم تفزعهم الدبابات الإسرائيلية وقذائفها ولا صواريخ الأباتشي وطائرات إف 16 المقاتلة اختاروا البقاء والمواجهة والتمسك بالأرض. كانوا يحلمون ويطمحون في السلام على أمل العودة إلى مدنهم وقراهم داخل فلسطين المحتلة ولذلك لم يهاجروا بعيدا لقد كان الصهاينة يتربصون بهم وأصبح لديهم عقدة من المخيمات وسكان المخيمات حيث يبدو أن كثيرا من الهجمات الاستشهادية كانت من سكان المخيمات أو هكذا بدا للصهاينة بيد أن الانتفاضة شاملة والكفاح الاستشهادي شامل.
إن من بقي من سكان مخيم جنين على قيد الحياة سيبقى في هذا المخيم رغم الأيام المرعبة التي قضوها أثناء الحصار الصهيوني في هذا المخيم ورغم مناظر الخراب والدمار. ورغم أنه ربما تبقى جثث مدفونة ومقبورة تحت الأنقاض والتي ربما يقيم عليها الأحياء من سكان المخيم منازل جديدة. سكان مخيم جنين سيزدادون تمسكا بمخيمهم لأنه مخيم الصمود مخيم البطولة مخيم البسالة مخيم الاستشهاد من أجل الوطن.
سيثبت الفلسطينيون أنه لا أمن للصهاينة مهما كان الدمار والخراب وعدد الشهداء الفلسطينيين طالما لم يغير الصهاينة من سياساتهم التوسعية والعنصرية ومهما كانت وحشيتهم. إن ضعف الفلسطينيين وقلة أسلحتهم المادية هذه الأيام لن تلغي أسلحتهم المعنوية والمتمثلة في الصبر والإرادة والتصميم على أن يكون لهم وطن مستقل له حدوده وله سيادته وله عاصمته القدس وأن الله قادر على تغيير الأحوال وأن يجعل بعد ضعف قوة وبعد قوة ضعفاً. إن هذه الجوانب المعنوية لن يستطيع الصهاينة ولا الأمريكان تدميرها أو إزالتها من فكر أي فلسطيني بشكل خاص ولا من فكر أي عربي ومسلم بشكل عام. وعلى هذا الأساس فالحلم الصهيوني بالأمن أو بإسرائيل كبرى هو وهم لن يتحقق طالما بقيت الإرادة والتصميم وطالما بقي الاستمرار بالمطالبة بالحقوق المغتصبة.
إن غياب حقوق الإنسان وتغييبها بشكل متعمد من قبل الولايات المتحدة وغض الطرف عن التصرفات الصهيونية والإمعان في العنصرية لن يدوم، كما أن الهيمنة الأمريكية لن تدوم لأن المصالح تتغير واختلاف المصالح يقود إلى تنازع على المصالح وهذا التنازع سيقود إلى احتمال مواجهات مع قوى أكبر. وربما تعود الولايات المتحدة لتخطب ود دول كثيرة منها الدول العربية والإسلامية. وأعتقد أن هذا لن يكون بعيداً. وحينها سيرفض طلبها لأنها بعد هزيمة الروس في أفغانستان وبدعم من العرب والمسلمين قلبت أمريكا لكل هؤلاء ظهر المجن.
إن الكراهية ضد الولايات المتحدة وسياساتها وغطرستها وتوجهاتها العدوانية ضد عدد من الدول العربية والإسلامية أصبحت عارمة. وأصبح يعبر عنها بالمظاهرات وحرق الأعلام والدمى ليس فقط في العديد من الدول العربية والإسلامية ولكن في العديد من دول العالم.
إن هذا يعني نوعاً من التعبير وإذا أمعنت الولايات المتحدة في غطرستها ومساندتها للبطش الصهيوني وقلب الحقائق فإنها قد تجر المتطرفين إلى تعبيرات عن الكراهية بطرق أعنف.
إن المتطرفين قد يصعب السيطرة عليهم وقد تعجز المخابرات في أي دولة عن كشف هوية المتطرفين أو ما ينوون القيام به، وهذا من شأنه أن يقود إلى مخاطر وإلى نتائج لا تحمد عقباها.
إن الولايات المتحدة بتجاهلها لحقوق الإنسان الفلسطيني والسماح للصهاينة بالبطش بالفلسطينيين مع العلم بقدرة أمريكا في السيطرة على السياسات الصهيونية يزيد من رفض الشارع العربي والمسلم بل وكل الشعوب الحرة لسياسة الولايات المتحدة مما يهدد المصالح الأمريكية بشكل كبير.
إن على الفلسطينيين بشكل خاص والعرب بشكل عام وبالذات الحكومات التمسك بحقوق الإنسان ومبادئ حقوق الإنسان التي هي من صلب الشريعة الإسلامية ومن ثم الانطلاق والتوجه إلى الأمم المتحدة للمطالبة بتسهيل مهمة الفريق الذي سيشكل للتحقيق في المذابح والمجازر التي ارتكبها جيش شارون على ضوء قرار مجلس الأمن الأخير.
كما يجب إطلاق عنان الدبلوماسية العربية إلى الشرق والغرب لشرح وتوضيح جرائم هذا الكيان الصهيوني لأن الصهاينة يتحركون دبلوماسيا ويصرفون مبالغ طائلة لوسائل الإعلام لكي يظهروا أنفسهم بمظهر البريء ومن هو في موقع الدفاع عن النفس ويعملون على قلب الحقائق.
إنه وفي ظل محاصرة الرئيس عرفات الذي كان يقوم بدور كبير في جلب التأييد لهذه القضية والتفاوض من أجلها والتنسيق مع قادة الدول العربية، ولذا فإنه أصبح هناك فراغ ولابد من التحرك لمواجهة هذا الإعلام الصهيوني والإعلام المناصر له.
نسأل الله أن يرد كيد الأعداء في نحورهم.

comzahi2000@hotmail

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved