لا فرق بين المسرح كتعبير فني إنساني ومسرح السياسة.. فكلاهما يحتاج إلى مؤدين ويحتاج إلى مؤلفين ومخرجين وطواقم فنية تساعد على الأداء، وكلاهما أيضاً يمكن ان يجعلك تندهش وتضحك وتبكي!.
ولا فرق أيضاً بين المسرح والسياسة لأن كليهما الحياة بوجهها الطبيعي والآخر الفني الذي يحاكي الواقع ويستمد منه التجربة وفي هذه الأيام يعيش مئات الملايين على هذه الأرض فصول ومشاهد مسرحية المأساة الدامية مسرحية «شارون الأخير» التي بدا فيها ينهش أجساد البشر وكأنه ينتقم في لحظة مسعورة أشبه ما تكون بتلك اللحظات التي يودع فيها المجرمون الحاقدون الحياة قبل ان تقفل عليهم ستارة النهاية!.
وهذا الشارون شرير تسنى له ان يقوم بدور الشرير، فها هو الآن يجسد ما تبقى من مشاهد مسرحيته الدامية ولم يستطع أحد ان يوقفه فمن يستطيع ان يوقف ذلك العرض وان كان دامياً ومؤذياً للمشاعر ويصيب المشاهدين بالغضب والقهر فهو عرض دموي خرج حتى عن قوانين البشر الذين يدعون الحضارة والمدنية وينادون بحقوق الإنسان! ومن يستطيع إيقاف ذلك العرض ما دام بحماية من الدبابات والطائرات والقائم بالدور يتلذذ بتقديم دوره البطولي كما يراه بل إنه أعطي الحرية للخروج عن النص متى ما اراد فهو يمكن أن يفعل كل شيء وعادة ما يتعرض القائم بالدور الرئيسي لبعض لحظات الندم أو أن يكون بجانبه بعض الشخصيات التي لا توافقه كثيراً على تصرفاته فينتج عن ذلك الصراع الذي يقوم عليه البناء المسرحي لكن في مسرحية شارون الدامية لا شيء من ذلك يحدث فهو يقوم بدوره هذا في حرية تامة ولأنه ليس له ضمير فهو لا يشعر إطلاقاً بأي ألم تجاه ضحاياه لهذا فهو سيستمر في أدائه لمسرحيته الدامية ولديه العديد من الأضواء المسرحية الخضراء على جنبات المسرح التي أعطت له حرية الحركة مما يعني السماح له بتمديد العرض المسرحي متناسين أن مثل هذا النوع من المسرحيات لابد أن تكون نهايته «مفتوحة» وإن حاول من يكتبون السيناريو أن تكون النهاية «مقفلة» كما يودون!.
إنها أحداث حقيقية مؤلمة شديدة السوداوية بطلها يصنع أحداثه يوماً بيوم على الهواء مباشرة وهذه الأحداث يبثها حية لكل انحاء العالم عبر أجهزة التلفاز لمن لا يستطيع ان يشاهدها مباشرة.
إن مسرحية شارون ليست بدون مخرج أو كاتب سيناريو كما قد يفهم البعض بل إن له طاقماً من المخرجين والكتاب الذين اعطوا لهذا الممثل «المجرم السابق» معالم دوره على الأرض الفلسطينية، ولأنهم يعرفون أن ذلك الدور الدموي لشارون سوف يشعر الملايين من العالم في أنحاء الأرض بالمرارة والغضب والقهر فهم قد جهزوا له آلة إعلامية عظيمة تمكن ممثلاً آخر في المركز الإعلامي الذي يبعد آلاف الأميال بأن يتوعد الضحية ليل نهار إذا ما حاولت ان تقاوم الجزار أو تقوم بخدش يده عندما تحاول الدفاع عن نفسها.. ويقوم ذلك الآخر بالبكاء على الجزار الذي أوقعه حظه بين أولئك الضحايا الذين يقاومون سكين المجرم التي تمتد إلى رقابهم وفي المقابل يمنح ذلك الجزار صفة رجل «الخير» والسلام»!.
إنها أدوار تبادلية كثيرة معقدة تحسب أحيانا انك أمسكت بخيوطها الغامضة ولكن تتفاجأ بأنها تتفلت منك.. لتشعر أنك أنت أحد الضحايا الذين يقعون تحت بنادق المراكز الإعلامية التي تصيبك في نفسيتك وعقلك وتشوش على مراكز التحكم لديك.
انها مسرحية عالمية لا تجري أحداثها على مسرح واحد فالتلفزيون ينقلك إلى عدة مواقع في نواحي الأرض لتشاهد كل ليلة عدة لوحات من مشاهد أو فصول تلك المسرحية التي يتناوب فيها الكثيرون أدوارهم حتى الذين يصمتون فهم في الحقيقة مشاركون لأنهم يقومون بدور الأخرس وهذا دور صعب جداً القيام به خاصة وان جماهير المسرحية اصبحت ترفض افعال الممثل وتشجب ما يصدره المركز الإعلامي من بيانات لأن المسرحية أصابت إنسانيتهم وكرامتهم فلم يعودوا يتحملون ما يجري ولن يستطيعوا أيضاً الفرار من مسرح الجريمة التي مازالت احداثها تجري ويشاهدها العالم كله.. وإذا كان هناك ممثل رئيسي وممثلون آخرون يشاركونه البطولة فهناك أيضاً من يقومون بدور الأخرس، فنحن كمشاهدين هل نمثل جزءاً من تلك المسرحية وهل لو تحولنا من مشاهدين إلى ممثلين لنؤدي نصاً موازياً ونواجه أفعال الممثل الرئيسي وغيره من الممثلين ونتصارع معه بندية فنحن على الأقل أكثر حرية من ضحاياه «المحاصرين» لأن لدينا مساحة كبيرة للحركة والمناورة ولكننا مع الأسف لم نستعملها معتقدين خطأ ان المسرح لا يتسع لنا! أو ان المخرج لن يسمح بزيادة عدد الممثلين!!.
|