Tuesday 30th April,200210806العددالثلاثاء 17 ,صفر 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

..وانجرفنا مع الوادي!! ..وانجرفنا مع الوادي!!
د. عبدالرحمن بن حبيب

وفيما كان الراوي الوقور متهيئاً للكلام، استوثق بجلسة قرفصائية على حافة القناة كي لا يقع كدأبه في قعر الوادي. وقبيل أن يدلهم في الحكاية، احمرَّ وجهه، ونوى أن يُطلق صوتاً مؤثراً، لكنه عطس عطسةً كأن عملاقاً قد صفعه كف، حتى كادت روحه منها تتلف، وبدا رأسه من العقل قد استخف، لكنه لم يتزحزح من مكانه ولم يلتف.
وحين رأى تهكماً يرتسمُ على وجوهنا دون كلمات، ونحن في الحافة الاخرى من القناة، وكنا ظننا انه فارق الحياة، بدأ الراوية من منعطف فيه خراب وممات، فصاح: يا سادة يالئام بدأت الحرب. فصاح احدنا: مهلك!! لم تبدأ الحكاية لتبدأ الحرب، قال لئن لم تعتذر لاجعلنّها حرباً على معشرك، فهدَّ أنا من روعه وطاب له المزاج، إلا أنه عطس خفيفاً ورأسه ماج، ففقد توازن قرفصائيته الخبيرة الامواج، واستند الى حجرٍ رجراج، ثم انقلب على قفاه فسقط في وادٍ داج، فأرسلنا وراءه «لصتك» موديل 2002.
وقناتُنا هذه اسميناها القناة الرضائية، تيمناً بالرضاء والتسامح والندية، فقد اعتدنا ان نتخالف فيها والمطر حولنا، حتى يبلغ السيل الزبى فوق قولنا، وحتى تجرفنا مياه الوادي ويموت بعضنا، دون قطرة دم واحدة تبين فعلنا، ونحن نشتم المياه الجارفة التي لا تميز بين المخطئ والمصيب.
قال احدنا لنبحث عن راوية يقص لنا هذه الحرب، فزمجر راو وعلا صوته وارعد وازبد، وقال: كعادة الحروب يبدؤها اكثر الاطراف خسارة، ويكون له قلب شجاع وجسارة، ليس مثلكم ارانب مهذارة. فكان أن بادر ابن الرومي بتصريح تجاوز الحدود الدبلوماسية معلناً الحقوق الجمالية للنرجس، وداعيا من بغداد بالخطم واللطم للورد رغم الاجماع الدولي بتنصيب الورد ملكاً للزهور:


للنرجس الفضل برغم من زعم
على صنوف الورد والفضل قسم
العين قبل السنِّ وهي المبتسم
فمالها والخد وهو الملتطم

ثم تمادى ابن الرومي ليرتقى مرتقاً صعبا، فاضحا الورد مستدلاً بان جريمته في حمرته!!
وياله من دليل دامغ!!
خجلت خدود الورد من تفضيله
خجلا تورُّدها عليه شاهدُ
لم يخجل الورد المورد لونه
إلا وناحله الفضيلة عاند
فصل القضية ان هذا قائد
زهر الرياض وان هذا طاردُ
بعد ذلك ينبري المتحدث باسم ملك الزهور للدفاع عن الورد، دون الهجوم على حقول النرجس او المساس بالحقوق الدبلوماسية، فيعلن ابن المعتز في قصيدة طويلة، منها:


يا هاجي الورد لا حييت من رجل
غلطت المرء قد يؤتى على غلطه

إلا أن حليفا «ملقوفاً» يدخل حلبة الصراع ويهاجم الاصفر «لون النرجس» دفاعا عن الوردي، فيعلن سعيد بن محمد بن فرج:


عني اليك فما القياس الفاسد
الا الذي رد العيان الشاهد
والنرجس المصفر اعظم ريبةً
من ان يحول عليه لون واحد

فابن المعتز يفتتح دعاية مضادة ويرفع الموت للنرجس:


فالورد يضحك من نواظر نرجس
قذيت وآذن حبها بممات

وابن جهور من الاندلس يكمل الناقص ويعيد تتويج الورد زعيما:


الورد احسن ما رأت عين وازكى
ما سقى ماء السحاب الجائد
خضعت نواوير الرياض لحسنه
فتدللت تنقاد وهي شوارد

والرمادي من الاندلس «مع الخيل يا شقراء» يستقوي على الضعيف، ويعلن الولاء المطلق للورد بين كل الازاهير:


للآس والسوسان والياسمين
الغض والخيريَّ فصل شديد
سادت به الارض ومن بينها
وبين فضل الورد بون بعيد

ولا يعدم النرجس من ينافح عنه، ولو برقة، كما صنع الصنوبري:


زعم الورد انه هو ازهى
من جميع الازهار والريحان
فاجابته اعين النرجس الغض
بذل من قولها وهوان
أيما احسن: التورد ام
مقلة ريم مريضة الاجفان

وفي ليلة ظلماء، حيث الحمار يرفس، والراعي ينعس، والذئب يفرس، يبعث لنا الصنوبري المراسل المحايد بين الازهار بهذه الرسالة الاخبارية، نقتطف منها:


خجل الورد حين لاحظه النر
جس من حسنه وغار البهار
ثم ناد الخيري في سائر الز
هر فوافاه جحفل جرار
فاستجاشوا على محاربة النر
جس بالجحفل الذي لا يبار

ثم حمي الوطيس، وقد ذهب النرجس «فطيس»، ورفض أن يقتنيه العريس، وفضل عليه اكل الهريس، فمن يتوج الورد ملكا لكل «المغاريس»، و من يرى النرجس نفيس.. وتحمس الراوي وانفعلنا نحن السامعين، وتزاحمنا، وتلاطمنا، ثم ارتجت القناة فانهارت بهدوء على الوادي، ولكن قبل انهيارها كنا اتقينا السقوط مع القناة، وتشقلبنا كالبهلوانات في الهواء وانجرفنا مع الوادي.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved