ليس له وجه لنعرفه او نعرّفه، يسري في الجسد كالسم وفي الروح كرائحة المقابر، يحيلنا من بشر الى أشباه بشر، ويزرع الموت في حياتنا، كي نحصد الحزن والأسى والهم علقماً نتجرعه في كل يوم.. يتبدى وجهه القبيح حين ينام الضمير وتضيع المثل، وتظهر بشاعته حين نصمت على مهانة، ونرضى بالذل، ويعلو صوته حين ينخفض صوت الحق. ليس له وجه لأنه مسخ وله ألف وجه ووجه ما تعددت أوجه القبح فينا، قد يكون في زوج متسلط او زوجة ظالمة او ولد عاق او موظف لا مبال او مدير متعالٍ او صاحب نعمة متغطرس، او سلطة اعماها التسلط ان ترى دمامتها في مرآة الناس. وللاستبداد طبائع وعادات وتقاليد ما لم تكبحه في نفسك وفي الآخرين يستشري كالسرطان ويتضخم كالورم حتى يخرج عن السيطرة ويصبح اكبر منك يلتهمك في الوقت الذي يلتهم الآخرين من حولك، وبالتدريج ينفضّ الناس عنك لفظاظة قلبك. ولم يبق من وظيفة لحياتك سوى ان تبرر هذا المستبد فيك. حتى المباهج في حياتك تتحول الى قطرات عسل في بحر من العلقم. والاستبداد تبدأ بذرته بخطأ لا تعترف به وتبرره بغباء عجيب وتعالٍ على الحقائق، فتكبر بذرة الاخطاء وتتجذر فيك حتى تصبح عادة وتنمو شجرة الزقوم في نفسك يرعاها التغافل ويسقيها التعالي حتى تخرج اغصانها المشوّكة من ثناياك فتؤذي من حولك بعد ان استبدت بك. وحدهم الذين يرتبطون بك برابطة الدم يتحملون اذاك حتى تنتصر على هذا المارد فيك او يقضي الله امرا كان مفعولا. والى ان تأتي تلك اللحظة يستبد الاستبداد بمن حولك في كلمة جارحة او تصرف أرعن ويستبد بك في احساس بغيض. وبين نار القهر وغلبة النفس عليه يستبد سيف الاستبداد بضحاياه حتى يضع الكُره اوزاره، ويبدو بصيصاً من الأمل في نهاية النفق المعتم. ذاك لأن الانسان خلقه الله ليعيش إنسانا حراً لا مستبداً او مشروعاً لمستبد.
|