حين ينشأ المبدع في بيت وأجواء مفعمة بروائح الأدب ودفء الملامح الإبداعية، والخيالات الجامحة نحو المواقف فإنه يمتلك قدرة على جودة ونوعية العطاء والإنتاج الفكري الرائع، وحينما يكون مسؤولا ساهم في خدمة وطنه وله خبرته العملية وتجاربه المتنوعة فإنه يطرح في منهجية منطقية وشمولية كاملة ما مر به من هموم وأفراح وكأنه يصف منعطفات مؤلمة وممتعة في آن واحد يقرع بها على القلب الإنساني برؤى وعواطف وأحاسيس تعبر عن الخيال وعالم الواقع، والصلة الوثيقة، وبعض المعارف والنقد الاجتماعي. وسعد بن محمد أبو حيمد كان مسؤولا مر بتجارب وخبرات وممارسات ومهن وأعمال، وله كتابات حول الإشكالات الاجتماعية تدور حول المفاضلة في الشكل واللون والعرق والمهنة .. يقول: إنها لا تميّز المفاضلة بين من يحمل علماً وفكراً وعقلاً وبين من ينتسب إلى عرق قبلي، ومن الملاحظ أن تلك العادات والتقاليد لا توجد إلا في شبه الجزيرة العربية أما في البلاد العربية الأخرى فإن المفاضلة تعتمد على من لديه تحصيل علمي مميز، ولا ينظر إلى شكله أو عرقه أو لونه وقد تشمل الأفضلية من لديه ثراء طائل كتعويض عن الدرجات العلمية.
وأقول: إن حب القوم أمر مشروع لإعطاء الحق والتذكير بالتاريخ والمآثر وما حث عليه الإسلام وما حذّر منه خصوصاً في زمن العولمة التي تركز على الشخصية وتدور في مجمل العادات والقيم.
وعلم النسب علم له فوائد تشمل الأحكام الشرعية كالوصايا والمواريث ومعرفة عاقلة المسلم ومن لا يعقل عنه وما أمر اللّه به أن يوصل من ذوي القربى .. لكن الاستهزاء بالآخرين وغمط حقوقهم وأصولهم ودورهم الاجتماعي لا ترضاه عقيدتنا وأصولنا والمنصفون من أبناء هذا الوطن الغالي .. فإثبات النسب والأصول واجب على كل فرد خصوصا وأن الأسر الموجودة جميعها ذات أصول عريقة «عدنانية أو قحطانية» يجمعها الكرم العربي والشهامة والوفاء ومكارم الأخلاق في بلاد الخير والعطاء.
وبلادنا بلاد اسلامية منهجها القويم الشريعة السمحة وأبناؤها تربطهم علاقة الأخوّة الإسلامية والوفاء .. فأصبح لها مركز الريادة في شمولية التفوّق . وتحقق الكثير من المكاسب للإنسان السعودي في كل مجالات التنمية والتطور.
والمثقف الحق لا يكون بعيدا عن الشعور بواقع أمته التي ينتمي إليها . . فهو دائم التفكير في شؤونها.
وأبو حيمد قارئ اجتماعي عرض على أصدقائه ما يحيط به من هموم وتواصل مع الماضي بجذوره وذكرياته فتعلّم وعلّم واتسم بالفاعلية والجدية والتضحية.
قرأت أفكاره: فعرفت أنه مثقف قريب من الواقع لا يهتم برواسب المجتمع الضيّق المغلق.
يقول: هناك صفات لا تمت للمجتمع المسلم بأي صلة لما فيها من الاستهجان والاستفزاز .. مما يؤثر على نوعية العلاقة فليت من غسيل ينظف الأفكار والأذهان التي تخالف طبيعة الأشياء .. وبالرغم من القيمة الاجتماعية والعلمية والفكرية، فإن المفارقة بين الذين يهتمون بهذه المفاضلة وهذا التمايز والتميز في الشكل واللون والمهنة واضحة لأن للعرب حضارات وفتوحات ولهم تاريخ حافل بالبطولات ومواقف في الكرم والشهامة. ويقول: إن الشعور بالدونية قد عفا عليه الزمن وإن جيل النهضة يشعر بأنه متكافئ مع الآخرين وخاصة بعد أن تسلحوا بالعلم والثقافة والدين الحنيف.
أما بيت في القرية: فهو محاولة قصصية تدور حول معالم التراث ومواقف المجتمع السعودي القديم عبر عنها أبو حيمد بأفكار وتصوّر إبداعي، وجسّد الأحلام الصغيرة بسلوك اجتماعي يرسم ملامح العشق الوطني والوجد الإنساني لكن الخيال وآفاقه لم ترتبط بعاطفة عناصر القصة برغم نماذج ولوحات وشرائح الأشخاص الذين عبروا عن مرارة الواقع بتجارب وأحاسيس وأحلام مغامرة غارقة في الأنانية، والبحث عن الدخول في أعماق الشخصية.
كما تعامل مع التراثيات بمفردات شعبية مثل «الصلل، المطراق، الشريح، الصفيف، القربة، المحالة، الدراجة، المصباح، الكتب، القف، الجابية، الغرب، الزهاب» وأسماء أشخاص تراثية مثل «جامح، مفلح، أبو راشد، خلق» وتدور القصة الحوارية حول عائل الأسرة الذي داهمته الأوهام والظروف وغادر القرية للبحث عن عمل ولم يعد في ليلته كعادته مما اضطر أن تعيش زوجته وأبناؤه في الهموم والقلق، واستنجدت بجارتها وزوجها التي ساعدتها في ذلك وخففت آلامها وبرزت معالم الوفاء وحسن الجوار والمروءة والأخلاق الفاضلة.
وفي نهاية القصة تقنعه زوجته بعد عودته بالزواج من جارته التي توفي زوجها نظرا لأخلاقها ودورها الإنساني مما جعل الجميع يعيش في ذهول لكن عائل الأسرة يزيل الحواجز والعقبات كادحاً عاملاً من أجل أسرته وأبناء جاره وزوجته الجديدة. وتخطت الأسرتان المصاعب وعاشتا في أمان واستقرار.
قصة توحي بالتراثية ، والتسلسل الفكري الممزوج بالواقعية بعيد عن الخيال الذي يجسد روح القصة ويبرز فعالية الأداء الأدبي والمقدرة التي تعبر عن سلاسة الأسلوب وأحاسيس الغرض القصصي ومعايشة الحدث.. بضبط علاقته وأبعاده لكنه جهد واضح فيه أسلوب تربوي واجتماعي رائع.
الخرمة ص ب 12 |