* كتب يوسف بن محمد العتيق:
يعد الأستاذ عبدالله بن محمد المنيف من الجيل الجديد الذي له اشتغال كبير بتاريخنا المحلي؛ فقد كتب في الفترة الاخيرة مجموعة من الدراسات التاريخية التي كان لها حضور كبير في المناسبات العلمية؛ فبالإضافة إلى تسنمه عمل مدير إدارة المخطوطات والنوادر في مكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض؛ فهو مجد في نشر التراث الخطي لتاريخ المملكة العربية السعودية سواء كان ذلك عن طريق الصحف أو الدوريات العلمية.
ومن آخر ما أتحف المنيف به القراء نشره مؤخراً لكتاب المؤرخ ابن بشر «سوابق عنوان المجد» على أكثر من أصل خطي؛ وبمقدمة علمية مهمة تتناول التاريخ المحلي ونقد لبعض الأطروحات السابقة وتقييمها.
من أجل هذه الموضوعات استضافت وراق الجزيرة الأستاذ عبدالله المنيف مشكورا؛ ليطلع القارئ الكريم على ما لديه في هذا المجال.
* التاريخ النجدي يمر هذه الأيام بطفرة تحقيق ونشر وكتابة؛ ما قراءتكم لهذه الطفرة؛ وهل هي ظاهرة صحية أم تحتاج إلى ضوابط في نظركم؟
أعتقد أن الأمر ليس طفرة كما تشير إليه وإنما هو حاجة وحاجة ملحة أيضاً. إذ الناظر لما صدر سابقاً من تحقيقات يجد أنها تحتاج إلى إعادة نظر وسوف أضرب لك مثالاً، وهو تاريخ الفاخري الذي سبق أن صدر بتحقيق معالي الدكتور عبدالله بن يوسف الشبل في طبعته الأولى وبين ما صدر عن الأمانة العامة للاحتفال بمرور مائة عام في طبعته الثانية والبون الشاسع بينهما، كما أن معالي الدكتور عبدالله لم يستفد وللأسف الشديد من دراسة كانت قد صدرت للكتاب ونشرت في مجلة الدارة وهي بقلم الأخ الشقير إذ لو أنه استفاد بما جاء في تلك الدراسة لكان لعمله بُعد آخر غير البعد الذي يتحمله الآن مع أهميته. وقل مثل ذلك عن التواريخ الأخرى مثل تاريخ المنقور الذي سبق وأن صدر بتحقيق معالي الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر، وكذلك تاريخ ابن عيسى المعروف بعقد الدرر، والذي سبق أن قمت بمراجعة للطبعة الجديدة ونشرت في مجلة الدارة حيث أبرزت في تلك المراجعة أهمية أن يكون هناك شفافية وعدم مجاملة في إحالة مثل تلك التواريخ إلى محققين مشغولين أو غير ملمين بما يقومون به.
لأنه للأسف الشديد ان إعادة صف الأعمال المحققة يشوبها الكثير من الأخطاء المنهجية أو الطباعية. أما التصور مع عدم ارتياحي له إلا أنه في زعمي أخف ضرراً من إعادة الصف، وهذا الأمر قد أوضحته في المثال السابق عند حديثي عن إعادة طبع كتاب عقد الدرر للشيخ ابن عيسى.
كما أن الساحة لا تخلو من أعمال يقف الباحث أمامها بالاحترام مثل عمل الدكتور الجهني في كتاب تاريخ ابن يوسف وكذلك عمل الأخ الشقير في كتاب: الخبر والعيان، لخالد الفرج.
وكذلك العمل الجليل للدكتور أحمد البسام في كتاب: تاريخ ابن تركي، وإن كان لم ينشر بعد إلا أن تلك الأعمال كان لها مزية أنها أعمال متأخرة زمناً وهي كالتالي استفادة من التجارب السابقة لرواد تحقيق تواريخنا المحلية من أمثال معالي الدكتور عبدالله الشبل ومعالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر.
أم ما كان قد قدم به الشيخ عبدالرحمن آل الشيخ مثلاً فلا يعدو أن يكون الجمع بين نسخ متعددة لكتاب واحد، وهذا يخالف المنهج المعروف في تحقيق النصوص. أضف إلى ذلك أيضاً ما حدث لكتاب ابن عبدالقادر في طبعته الجديدة حيث الأمر يحتاج إلى عمل مضاعف حتى يخرج بشكل أكمل مما خرج به.
أما قولك هل هي ظاهرة صحية فأعتقد أنه كذلك، وسبب قولي ذلك أن القراء هُم الذين عليهم الحكم بين الأعمال المنشورة والمطروحة في السوق.
* نشرتم كتاب ابن بشر «السوابق» مع العلم بأنه نشر قبل هذه المرة؛ هل لكم أن تعطوا القارئ السبب المقنع في نشر كتاب سبق وأن نشر؛ مع أهمية التركيز على كتب لم تنشر من قبل؟
أشرت في مقدمة عملي أسباب قيامي بهذا التحقيق واختياري للسوابق لأنها كانت المعنية بتلك الأخطاء في النقل وفي التواريخ وغير ذلك لهذا سوف أحيلك وأحيل القارئ إلى قراءة المقدمة ومن ثم قراءة التعليقات على ذلك، ومنها يتبين أسباب إعادة تحقيقها.
أما قولك لماذا لم يكن التركيز على كتب لم تنشر من قبل؟ فهذا قول صحيح ومع ذلك فقد تزامن عملي في هذه السوابق مع عملي لتحقيق كتاب: تاريخ ابن عضيب، الذي قد كنت قطعت فيه شوطاً كبيراً، إلا أنني فضلت أن أبادر الى إخراج السوابق قبل ذلك التاريخ لأن الأمر في تاريخ ابن عضيب يحتاج إلى التأكد من هل هذا التاريخ للعالم المشهور عبدالله أم ابنه عبدالعزيز. لهذا كان عدم القطع بأمر في هذا هو سبب التأخير، مع أن التعليق على التاريخ وبيان الفروقات قد أنهيتها منذ زمن.
إضافة إلى أنني أسعى الآن لكتابة مقدمة كتاب لعبدالله بن عبدالمحسن المغيرة، عنوانه: تاريخ العرب القديم، وسوف أنشره بعد أن أجد له راعياً أو ممولاً، إذا علمنا أن نشره بطريقة فؤاد سزكين أي تصويره على ورق مكلف مادياً.
كما أعمل أيضا على تحقيق كتاب ابن ناصر المعروف: «بالذهب الإبريز في تاريخ الملك عبدالعزيز» وهناك تاريخ آخر لابن كريديس: عن تاريخ آل سعود الأبرار، أسأل الله تعالى التوفيق والسداد لإخراجها بالشكل المناسب والمرضي عنه علمياً.
حيث وردت فيه كثير من الأخطاء في رسم أسماء مدننا مثلاً جبل شمر ترسم في الكتاب على أنها جبل شومر. مع أن هذا الأمر يلام فيه المترجم الذي لم يتعب نفسه في التعرف على بعض المعاجم التي صدرت من المناطق التي زارها هذا الرحالة أو ذاك.
ولعلّي هنا أشيد بما يصدر من ترجمات خاصة للكتب التي تصدر باللغة الفرنسية وللرحالة خاصة، ويقوم بترجمتها الدكتور محمد خير البقاعي الذي كثيراً ما أستفيد من صبره وتؤدته في البحث والتقصي لمعرفة تفاصيل الرحلة وعدم ترك أي شيء فيها يحتاج إلى بيان إلا ويتناوله بالبحث في المصادر أو سؤال الأشخاص والباحثين المعنيين بذلك أو الاتصال بأصحاب المناطق للتأكد من مسميات ما عندهم من أشياء.
* من مزايا نشركم لكتاب السوابق وضعكم لخارطة الجزيرة العربية في الفترة التي يدرسها ابن بشر؛ لماذا قمتم بذلك؛ وهل هذه الفكرة مستفادة من مصدر آخر؟
ليس الأمر ميزة أو غير ذلك، وإنما هي قضية إخراج، أحببت أن أطلع القارئ على مثل هذه الخرائط، مع أنها ليست نادرة أو غير ذلك، وإنما حرصت أن أختار خرائط قريبة من أحداث الكتاب، مع أنه سبق أن نشرت خريطة حاجي خليفة في كتاب معالي الدكتور خالد العنقري وأنا أخذتها من كتابه الذي صدر مؤخرا من معهد العالم العربي في باريس.
أما الخريطة الثانية فأنا أحتفظ بصورة لها منذ زمن.
* يعاب على تحقيقكم وغيره من التحقيقات التاريخية إشغال القارئ بفروق النسخ التي قد لا تكون مهمة ما رأيكم في هذا النقد وهل هو علمي؟
إن قضية الفروقات بين النسخ قضية مهمة وشكلية في الوقت نفسه، مهمة عندما يكون الفرق واضحا ومؤثراً لهذا أشرت إلى نماذج منه في هذا التحقيق، وشكلية عندما تكون تلك الفروقات لبعض الحروف أو الكلمات غير المؤثرة في المعنى أو الدلالة، وهذه الفروقات مثل: وقال فقال.
وهذا ظاهر وواضح أنها شكلية مع أن المنهج يدل على بيانها وعدم إهمالها إلا إذا نبه المحقق في المقدمة أنه سوف يتجاوز هذه الفروقات الشكلية فهذا أمر حسن.
* لماذا وللأسف ا لشديد بعض تواريخنا المحلية لم تحقق تحقيقا علمياً حتى الآن؛ ومن ذلك على سبيل المثال: روضة الأفكار لابن غنام؟
هذا من الاشكالات التي تقع فيها كثير من الجهات الحكومية المعنية بهذا الأمر.
ولعل المناسبة السعيدة التي مرت بها المملكة العربية السعودية وهي مناسبة مرور مائة عام على توحيد المملكة كان لها دور السحر في ذلك وإعادة تواريخنا المحلية إلى دائرة الضوء.
أقول ذلك لأننا وللأسف الشديد نتأخر في هذا المجال حتى يخرج ذلك التاريخ محققاً من دار نشر خارجية وبأيدي باحثين بعيدين عن بيئة الكتاب فيأتون بما لا يفيد، مثل تأخرنا في تحقيق كتاب لمع الشهاب وغير ذلك.
وهذا التأخير ليس محصوراً في كتب التاريخ المحلي، بل نجده وبشكل كبير في كتب الرحلات أيضاً، خذ مثلاً الكتاب الذي صدر مؤخراً عن المجلس الأعلى للثقافة في مصر، عندما صدر مترجماً كتاب الرحال: وليم جيفور بالجريف، تحت عنوان: وسط الجزيرة العربية وشرقها.
|