Thursday 25th April,200210801العددالخميس 12 ,صفر 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

لما هو آت لما هو آت
لكِ وحدكِ «88 »
د. خيرية السقاف

كيف لي أن أقف اللَّحظة كي ألتقط لكِ فسيلة قد لحقها شيء من وخز الشوك...؟
ألا تعلمين أنَّ الشوك قد شاكه الإنسان؟...
أحسب أنّني كنت غرَّة عندما ظللت أستميح الطفولة أن تسربلني، وما أحسب أنَّها رفضت ذلك؟ لذا تأخرت كثيراً في وضع مجهري فوق مسام الأشياء كي أراها بحجمها، وشكلها، ولونها، بتفاصيلها التي دائماً ما كنت لا أدري عنها شيئاً... لكنَّ الطفولة بكلِّ نقائها حصن لكلِّ دكنهم،... أتدرين بأنَّكِ تحملين شيئاً غير قليل من آثار انعكاس نظرات كلِّ شيء يقع عليكِ وأنتِ لا تعلمين؟
مَنْ مِنَ الناس أو الأشياء كلُّها هذه التي تملأ وتمثِّل لوحة الحياة على وجه الثرى من فَكَّر في هذه الحقيقة؟ حقيقة أنُّه لوحة تنعكس إليها كلُّ نظرات من له نظر؟ ومن فكَّر أنَّه ملوث، أو ملطخ، أو معبَّق، أو معطر... أو... أو...
بما تنفَّس به الناس والأشياء من حوله؛...
أنتِ ذات يوم قلتِ لي هذه الحقائق، لذا كنتِ حريصة أن تلميني دوماً داخل أردية سميكة حتى في لحظات ازدحام الحر بكلِّ ما فيه وعنه وله...
لم أكن أتنفَّس سوى أريجكِ... ولا أحمل سوى نظراتكِ... حتى خرجت إلى البسيطة بكلِّ ما فيها فحملتُ كلَّ ما جاءني وجاء إليَّ منها...
يا سيدتي هذه فسيلة لا وخز قد لحقها ولا شاكها شيءٌ...
ناصعة كما أردتِ لها أن تبقى... تحمل لكِ فجاءة الحقائق...، أنَّ لا شيء يمكنه أن يقصي شيئاً عمَّا هو له...
هذه الراحلة...
وذلك الحادي ينادي...
وتلك الأمواج ليست مصطخبة...
لذلك فإنَّ رؤية ما في جوف الماء بالإمكان...
ولقد ألقيتُ شيئاً من أسئلتكِ... فعادت إليَّ محمَّلة بالإجابات...
ولقد كشف الماء لي عمَّا في جوفه... ولقد قرأت يا نوَّارة أسفاراً وأسفاراً
لم تعد أوجه الناس تغريني بدهشة السؤال، ذلك لأنَّني عرفت السَّر في تفاصيلها...
ولم تعد الأسطح تخيفني بأنوائها لأنّني تعلمت كيف أكابد تقلباتها وطقوسها...
ولم يعد من شيء يغريني كي أقرأه سوى الخفايا..
هناك في سراديب كلِّ خفي ما يحمل خلفه من مفاجآت...
وكلُّ المفاجآت تأتي بالجديد...
هنا... تدرين يا نوَّارة أنَّ هذه الغِرَّة الطفلة قد شابت فجأة قبل أن تعبر بمحطات المراحل؟... حملها قطاركِ في مقصورته النورانية الخضراء إلى تفاصيل التفاصيل في أبعاد هذا المدى السرمدي الذي ينتشر في كلِّ الأنحاء انتشار المتمطي بكلكله...
يا سيدة المفاجآت والبريق...
ومضة أشارت بها إليَّ لمحاتكِ، وإشاراتكِ...
بوصلتني كما بوصلة الراحلين في مجاهل البحور، وخفايا الفلوات، ومخابىء المفازات...
تغريني هذه الفلوات، والمفازات، والبحور...
تأخذني إلى وحشة السؤال...
وغربة الواقع...
تحملني إلى حيث شيء يضطرب في جوفي كلَّما مرت هذه الفلوات، والمفازات، والمجاهل بسمعي، أتخيل الغربة، والوحشة، والوحدة، وضياع الطريق...
أتخيل الظمأ، والجوع، والخوف، والدهشة...
أشعر بغربةٍ تنتشر في صدري، وتملأ داخلي، وتلون فكري، وتحصد تفاصيل مجال الرؤية أمامي...
وصدقيني... أنَّني عدت أو لم أعد منها... فإنَّها الحقيقة التي تمثِّل الحياة لكلِّ الأحياء....
ألا تفكرين يوم رسمنا للغربة خطوطها، وكوَّمنا أمامنا تفاصيلها، وأعددنا لها زُوَّادة الرحلة؟
ها هي تلك التي تطاولت على قدميها..
وابتسرت دروب القوافل إلى بحور المدى... ومدى البحور...
وأشرعت السواري، وشحذت المجاديف...
قد أقلع بها السفين...، ولم تعد تستطيع العودة إلى نقطة البَدء...
ذلك لأنَّ الذي يفقد في البَدء لن يجد في النهاية...
ألا تصدقين أنَّكِ وحدكِ من ساعدها على ألاَّ تفقد... لذا فهي في رحلة الكسب؟

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved