Thursday 25th April,200210801العددالخميس 12 ,صفر 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

الأدب والنقد في «صوت الحجاز».. خلال العقد الأول من عمرها الأدب والنقد في «صوت الحجاز».. خلال العقد الأول من عمرها
التيار العاطفي الرومانسي كان واضح الأثر في كتابات أدباء ونقاد «صوت الحجاز»
الانفتاح المؤثر على الأدب المصري يتجلى في المعارك الأدبية والنقدية والتأثر بالاتجاهات الأدبية السائدة هناك
دراسة: د. منصور الحازمي

* * يواصل د. الحازمي في هذه الحلقة الثالثة عرضه الجانبين الأدبي والنقدي خلال
العقد الأول من عمر صحيفة «صوت الحجاز».. وعلى الرغم من قصر المدة الزمنية نسبياً، إلا انها كانت ثرية بالمعارك والمناوشات النقدية والإبداعات الأدبية، وفي الحلقتين الماضيتين شرع الباحث في تصنيف الموضوعات الأدبية والنقدية المنشورة على صفحات الصحيفة، وعرض فيها: الأدب والنقد العامين ثم الأدب العربي القديم فالحديث وصولاً إلى ما سماه: الخواطر والتأملات، ذكر منها «يوميات» الفقي ومقالات ضياء و«الرسائل المطوية» للسباعي.. ونكمل هنا ما سطره الباحث عن الخواطر والتأملات وبعدها المختارات والتعليقات.. وصولاً إلى إحدى أهم مميزات تلك الفترة من تاريخنا الأدبي والنقدي، ألا وهي المعارك الأدبية ونقد المقالات والقصائد. * *
حمزة شحاتة (هول الليل)
في «حَنَفْشَعِيَّاتِه»:
لم يوقع حمزة شحاتة باسمه الصريح بل باسمه المستعار: «هول الليل». وهو يتحدث في الحلقة الأولى من هذه المقالات المنشورة في العدد 225 من صحيفة «صوت الحجاز» (1355ه 1936م)، عن التسميتين :«هول الليل» و «حنفشعي»، ويقول عن الأخيرة إنها ترمز إلى عدم الالتزام بموضوع معين أو مستوى محدّد في الكتابة، وهو إنما يجاري، كما يقول، دعوة أحمد قنديل إلى ديموقراطية الأدب. فكلمة «حَنَفْشَعِي» منحوتة «نحتاً ديموقراطياً»، إذ هي مأخوذة من كلمتي «حنفي» و «شافعي»، وهي تطلق على كل من يخلط بين المتناقضات. ويقول شحاتة إنه لن يقلد ولن يسرق أحداً في كتاباته بعد أن عمّت الفوضى وأصبح أكثر الأدباء لصوصاً.
وفي «حنفشعيّة» أخرى بعنوان :«فضائل مجفّوة»، يتحدث الكاتب عن تغيّر الفضائل في هذا العصر، فالحياء أصبح يؤوّل على أنه ضعف، والأنفة غطرسة وتكبّر. ويقول في آخر المقال إنه لا يشجع الرذيلة ولكنه ينعى الفضيلة ويرثيها. وفي مقالته «صراع» يتحدث شحاتة عن شخصيته هو، ونراه هنا متبرماً بالحياة ناقماً عليها في سخرية وتشاؤم. ويقول في حزن وانكسار إن قبره ينتظره «فمتى يعتنق التراب بالتراب فيخفت هذا الأنين ويتعطّل الزمن؟».
وهناك «حنفشعيّات» أخرى عن الحمار، وهي أقرب إلى الصورة القصصية. وفيها تمجيد للحمير وتحليل لنفسياتها، وهو يصفها بأنها مؤدبة صبورة دمثة الأخلاق حسنة الأصوات. ويقارن بينها وبين الإنسان المتجبّر الجاهل العنيد الأناني. وتعكس هذه المقالات شخصية حمزة شحاتة المتطلعة دوماً إلى المثل الأعلى في الأخلاق والسلوك، والمصابة في الوقت نفسه بالخيبة واليأس من الضعف الإنساني. لذلك، فإن السخرية هي الأداة المناسبة للاصلاح والبناء.
حسين سرحان في
«مشاهدات في المدينة»:
كتب حسين سرحان خمس حلقات عن رحلته إلى المدينة المنورة بأسلوب صحافي مباشر، وبعيد عن الأسلوب الأدبي الرفيع الذي يتميز به الكاتب في مقالاته الأخرى. وهو يقول في الحلقة الأولى من هذه «المشاهدات»:
«ذهبنا زائرين وأبنا معتمرين، وقد انتهى كل شيء ولم يبق من ذلك كله إلا ذكريات علقت بالذهن واستقرت فيه. فإني أثبت هنا بعض ما شاهدته في غير ترتيب ولا تسلسل».
ويصف السرحان في هذه المشاهدات ما رآه أولاً في الطريق إلى المدينة المنورة من مواضع وآثار. وقد يورد بعض الأشعار في ذكر هذه المواضع القديمة. ثم يصف ما شاهده في المدينة ويبدأ بالخواطر أو المشاعر التي انتابته عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم يذكر بعض مدارس العلم والنوادي الأدبية وحالة الأدب في المدينة المنورة آنذاك، ويتحدث عن لقائه ببعض الأدباء من أمثال عبدالقدوس الأنصاري وعبدالحميد عنبر والخياري والنقشبندي الخ.
وهناك بعض المقالات الأخرى التي نشرها السرحان في «صوت الحجاز» كمقالته عن «الوحدة» التي يقول فيها إنه يحبّ الوحدة والتأمل ومناجاة النفس. وإن هذه لا تعدلها لذة سوى لذة القراءة التي تأتي في المرتبة الثانية. ويقول إنه لا يخرج من بيته إلا لقضاء مصلحة أو لأداء واجب، أو عندما تتشتت به الأفكار فيخرج للقاء أي أحد يصادفه فيفضي إليه، ثم سرعان ما يعود. والمقال مهم لمعرفة نفسية السرحان في ذلك الزمان، بل ومعرفة انطوائيته التي لازمته طوال حياته.
وفي مقالة خفيفة الظل بعنوان :«أنا آسف جداً» يتحدث السرحان عن قصة كتبها وسماها: «رئىس التحرير» ويدور الحوار فيها بين رئيس التحرير أحمد (السباعي؟) وبين صاحب امتياز الجريدة، إذ يطلب الأخير من الأول أن يقوم بالكتابة عما ينفع الناس وهو منجم الذهب الذي اكتشف مؤخراً في البلاد. ولكن رئيس التحرير يكتب عن شاب موهوب يظنه هو المعني بمنجم الذهب في توجيهات صاحب الامتياز. ويكتشف رئيس التحرير بعد الشقة بينه وبين مديره فيتخلى عن العمل.
محمد علي مغربي في
«من أحاديث النفس»:
يميل المغربي في هذه الأحاديث إلى تناول بعض الموصوعات الأخلاقية أو الفضائل الإنسانية تناولاً عامّاً وسريعاً دون تعليق. فهو في إحداها يتحدث عن الحياة الدنيا وأنها زائلة ولا بد للإنسان فيها أن يكون كريماً لا يحقد على الآخرين. وفي أخرى يتحدث عن أهمية الذكريات للإنسان لأنها تاريخه الحقيقي، وفي ثالثة يتحدث عن الحب الإنساني وعن إيثار الإنسان لأخيه الإنسان وأن الدين قد حث على ذلك. ولكنه في مقالتيه عن جدة والطائف يتحدث عن هاتين المدينتين وما تحتاجهما من إصلاح. يبدأ في «جدة» بوصف شاعري جميل لمدينة جدة، بحرها وسهلها وسمائها ونجومها الخ. ثم ينعى عليها تأخرها عمراناً وتجارة، ويهيب بأهلها أن ينهضوا لتعميرها وإصلاحها. فهي مدينة مهمة كنقطة التقاء بين الشرق والغرب والميناء الأول للحجاز وبها قناصل الدول الأجنبية. أما في مقالته عن مدينة الطائف فهو يصفها أيضاً كما وصف جدة بطريقة شاعرية أخاذة، ثم يختم مقالته بالدعوة إلى إصلاح الطائف وإصلاح طريقه، ويذكر أنه لا يوجد فيها فندق واحد للمصطافين، ويدعو التجار إلى استغلال هذا المشروع الذي سيعود عليهم بالخير الكثير.
هاشم فلالي
في «كلام الناس»:
نشرت الحلقة الأولى من هذه السلسلة في العدد 36 من صحيفة «صوت الحجاز» (1357ه 1938م) ويقول فيها الفلالي إنه سيقوم بمخالطة الناس ساعة كل يوم في منتدياتهم ومجالسهم، لأن الاختلاط بالناس له فوائد جمة ولا يخلو من طرافة. ويقول في الحلقة الثانية انه استمع إلى أحاديث بعض الناس في الربوة المطلة على بركة ماجل بمكة المكرمة، وقد تحدثوا عن الأدباء وواجبهم نحو المجتمع وضرورة انتقاد الأخطاء الاجتماعية. ويتحدث في الحلقة الثالثة عن مشروع القرش وفشله وأسباب ذلك الفشل، وفي الرابعة عن بعض الناس الذين يخرجون عن وقارهم إلى الهزل وهم ليسوا على هذا القدر من خفة الظل. وهكذا ينتقد في بقية الحلقات بعض ما رآه أو سمعه أو قيل له في أسلوب عادي لا جهد فيه، ويعكس البدايات الأولى للأديب الفلالي.
ولكن الفلالي يحسن أسلوبه ويتغيّر في المقالات التي كتبها بعد ذلك، أي خلال الحرب العالمية الثانية 1939 و 1940م. فهو يتحدث في مقالة له بعنوان :«من قارعة الطريق» عن الواقع والخيال ويقول إن الواقع أكثر تأثيراً ووقعاً من الخيال:«أثار هذا البحث عندي كثيراً من المشاهدات التي تتراكض في أثر بعض وتمر أمامي وأنا على قارعة الطريق، والتي تصلح لأن تكون مواضيع للكتابة، لو نقلت إلى القراء على حقيقتها لوجدوا فيها من الطرافة والعظمة والذكرى الشيء الكثير، ولكن العلم إذا تناولها بما ينسجم وصناعته أفقدها الكثير من روعتها وبهائها وجاءت كالجثث الهامدة التي لا أثر للحياة فيها..».
ويعبّر الفلالي في هذه القطعة عن نظرة عاطفية رومانسية كمعظم أدباء تلك الفترة.
****
وإلى جانب هذه السلاسل من المقالات التأملية الاجتماعية فهناك مقالات أخرى لم تتخذ هذا الطابع من الحلقات المتوالية ولكنها تدور غالباً في هذا الاتجاه. ومنها مقالتان لمحمد حسن عواد بعنوان:«تأملات في الأدب والحياة»، وهو نفس العنوان الذي استخدمه العواد فيما بعد لكتابه الذي لم تظهر طبعته الأولى إلا في سنة 1369ه 1950م. ومقالتان لمحمد سعيد عبدالمقصود ظهرتا في «صوت الحجاز» بعنوان:«مذكرات مسافر»، سنة 1356ه 1938م، وفي إحداها سرد لما حدث له حينما كان مريضاً في مستشفى الجامعة الأمريكية ببيروت، ويبدو أنه المرض الذي أودى بحياته بعد ذلك بحوالي سنتين أو أقل، رحمه الله.
ولعبدالكريم بن جهيمان في هذا الباب مقالتان، إحداهما في «الصداقة والأصدقاء» والثانية عن «فترات الفكر». أما الأصدقاء فيقسمهم إلى ثلاث فئات، ويرى أن بعض هذه الفئات لا يمكن التبسّط معها أو الإفضاء إليها ببعض مكنونات الصدر خوفاً من سوء الفهم. وهو يستشهد على ذلك بأبيات كثيرة من الشعر العربي القديم ومن الأمثال العربية. ويخلص من ذلك كله إلى القول:«وأسلم الطرق في رأيي وأولاها بالاتباع ألا يطمئن الإنسان لكل من لصق به، وألا يفضي بأسراره وخفاياه لكل إنسان ادّعى الإخلاص له». أما في مقالته «فترات الفكر» فهو يتحدث فيها عن صعوبة الكتابة والنظم وأنها لا تتأتّى في كل وقت. وهو هنا يعتذر عن احتجابه عن الكتابة وعن إلحاح بعض أصدقائه عليه للخروج من صمته.
وهناك مقالات كثيرة بتوقيعات أو بحروف مستعارة مثل: «فضولي»، «سهران»، «مداعب»، «معبد»، «م.س.ا»، «ع.ض»، «ح.ن» الخ. ولكن هناك بعض المقالات لأحمد بن حسن كمال وسليمان قاضي وعبدالسلام عمر وعبدالسلام الساسي وإبراهيم فودة وحسين عرب وعبدالله عريف وطاهر زمخشري ومحمد حسن كتبي. ويلاحظ إجمالاً على مقالات الخواطر والتأملات أن بعضها يغلب عليه الطابع الأدبي في أسلوبه وصوره ومعانيه مهما كان الموضوع الذي يتناوله، كما نرى على سبيل المثال في مقالات حمزة شحاتة ومحمد حسن فقي وأحمد السباعي. وبعضها ينحو نحواً صحفيّاً بسيطاً لا صنعة فيه، كما يغلب على بعضها الآخر السذاجة والبدائية في التفكير والتعبير. ونحن نرى في المقالات الأدبية نزعتين متميزتين، إحداهما تميل إلى الفكر الفلسفي وتنزع إلى القوة وازدراء التخاذل والضعف، والثانية تميل إلى الرقة والعاطفة وتتغنى بالطبيعة والوحدة والبعد عن العنف. ونجد النزعة الأولى في كتابات العواد وبعض كتابات حمزة شحاتة، كما نجد النزعة الثانية عند محمد حسن فقي وعزيز ضياء وعبدالسلام الساسي وغيرهم. ولكن هناك بعض الكتابات الجميلة الساخرة التي بمقدورها تحويل الجدّي المتجهم إلى هزلي ضاحك، وبطريقة مؤثرة تفوق الأساليب الكئيبة الجادة المتجهّمة، كما نرى، مثلاً، في كتابات السباعي والقنديل وبعض كتابات حمزة شحاتة.
المختارات
ونقصد ب «المختارات» قيام الكاتب بعرض ما يعجبه من قراءات متعدّدة في القديم والحديث، مع التعليق على تلك القراءات بما يعبّر عن استحسانه وإعجابه أو تساؤلاته، أو غير ذلك مما يود طرحه على القارىء من أجل لفت نظره أو مشاركته في التذوق والاهتمام.ونحن لا نجد في الحقيقة شيئاً من هذه «المختارات» في صحيفة «صوت الحجاز» سوى ما نشره محمد سرور الصبان بتوقيع «أبو فراس» في سلسلته «أسبوعيات» والتي ظهرت في حوالي عشرين حلقة. ويجمع الصبّان في مختاراته بين القديم والحديث؛ فمن القديم يختار نصوصاً من كتاب الأمالي وزهر الآداب وديوان المتنبي، ومن الحديث يختار قصيدتين لأحمد إبراهيم الغزاوي الأولى في وصف فتاة من وادي ليّه، والثانية في وصف الهَدَى كما يختار قصيدة ثالثة للغزاوي قالها في الحفل الذي أقيم بمدينة الطائف سنة 1355ه 1936م تكريماً لعودة الدفعة الأولى من الطيارين السعوديين.
و يختار الصبّان أيضاً نصوصاً من بعض المجلات والكتب العربية، مثل صحيفة «البلاغ» ومجلة «كل شيء»، لحسين شفيق المصري، وكتاب (محمد) لمحمد حسين هيكل. ومن الكتب المحلية يختار نصوصاً من كتاب (حياة سيد العرب) لحسين باسلامة. وقد تفيد هذه المختارات في دراسة شخصية الصبان كما تعكس بعض قراءاته وثقافته العامة خلال تلك الفترة.
نقد القصائد والمقالات
أو المعارك النقدية
لقد كثرت المقالات النقدية في صحيفة «صوت الحجاز»، والتي تتناول بعض القصائد والمقالات المنشورة غالباً في الصحيفة نفسها، أو في صحيفة «المدينة المنورة» ومجلة «المنهل». وقد اتخذ ذلك النقد طابع الحدة والعنف لأن معظم من يكتبونه كانوا من الشبان الذين يغلب عليهم طابع الغضب والاندفاع، إضافة إلى تأثرهم بالمعارك النقدية المحتدمة في ذلك الوقت في بعض البلدان العربية، ولا سيما مصر. لذلك، فإننا نجد أن النقد كثيراً ما ينحرف إلى خصومات شخصية بين كاتبين أو أكثر، وكثيراً ما يتدخل أهل الخير أو الصحيفة نفسها لتهدئة المعارك وفض المنازعات. وسنتناول فيما يلي بعض تلك الخصومات التي لا يخلو بعضها من ثقافة رفيعة وحسّ نقدي متميز.
بين محمد سعيد عبدالمقصود (الغربال) وأحمد السباعي (المنسف):
في مقالة «الغربال» التي نشرها في صحيفة «صوت الحجاز» العدد 45 ، 1351ه 1933م بعنوان :«الغربال ومخاصموه» ما يلقي ضوءاً على المعركة أو المعارك التي تعرّض لها محمد سعيد عبدالمقصود إثر نشره بعض المقالات عن الأدب في الحجاز. ولم يكن متبرّماً من ذلك النقد بل كان محبذاً لما يعتبره صحوة قلمية تدل على الحياة وعلى الحركة. وهو يستشهد في هذا المقال بطاغور، شاعر الهند، الذي يقول: «لا تصحو أمة من نومها ولا تنهض إلا تحت ثورة قلمية، ولا يسعد الشرق إلا بائتلافه».
وفي مقالتين أخريين يتحدث ابن عبدالمقصود عن «الغربال ومنتقدوه»، ويركز على نقد «المنسف» أي أحمد السباعي. ولكن ابن عبدالمقصود يرجع بعد حوالي أربع سنوات، سنة 1355ه 1936م، ويكتب باسمه الصريح مقالة بعنوان :« على هامش ملاحظات حرة إلى الصديق السباعي» ينتقد فيها «صديقه» السباعي الذي ينحو نحواً فكاهيّاً في أسلوبه ويتطرق إلى موضوعات غير مهمة، ويقول إن السباعي كان قاسياً في مقالته عن الطيران السعودي وفي حديثه عن اليوبيل الفضي لمدرسة الفلاح.
أما السباعي فإنه ينتقد ابن عبدالمقصود ويتهمه بالكبرياء والغرور، وقد تحدث عنه في مقالتين سماهما: «معجزة عصرنا الزاهر الغربال»، وأشبعه تهكماً وسخرية. وفي مقالته:«ملاحظات حرة على هامش ابن عبدالمقصود»، التي نشرها في العدد 214، سنة 1355ه 1936م، يرد السباعي على نقد ابن عبدالمقصود واتهامه له بالقسوة في النقد والسخرية. ويقول إن الأسلوب الفكه أسلوب فني لا يحسنه ابن عبدالمقصود الذي يرسل مقالاته باردة لا روح فيها. كما يرد على نقده له في اختيار الموضوعات واتهامه له بالقسوة.
وفي مقالتي محمد راسم:«من هو الغربال؟» يقف الكاتب إلى جانب السباعي ويقول عن ابن عبدالمقصود انه يكتب في كل شيء، ويتهمه بالسرعة أو التسرع في كتاباته وانه يحشر نفسه في اختصاصات الطبيب والاقتصادي والاجتماعي الخ. أي انه يدعي معرفة كل شيء.
بين العوّاد والأنصاري:
كتب «صاحب التأملات» محمد حسن عواد عدة مقالات ينتقد فيها بعض أقاصيص عبدالقدوس الأنصاري. الأولى عن قصته «مرهم التناسي»، وقد نشرت في العدد 81 سنة 1352ه 1933، وفيها يتهم الأنصاري بأنه قد أقحم نفسه في فن لا يحسنه، وهو الفن القصصي، وكأن الأوْلى به ألا يتجاوز اختصاصه وهو اللغة والنحو. ويمضي العواد في نقده اللاذع للأنصاري موضحاً له أصول الفن القصصي ومبيناً عيوب قصته الحالية «مرهم التناسي». ويقول العواد إن هذه القصة تحمل نفس العيوب التي وجدها في قصته الأولى «التوأمان» والتي كان قد نشرها قبل حوالي عامين. وفي مقالة تالية يشدّد العواد انتقاده للأنصاري، ويتجاوز النقد إلى أمور شخصية. ولا ينسى العواد إطراء نفسه والإشادة بمواهبه الشخصية. وفي مقالة العواد الثالثة والمنشورة في العدد 87 من صحيفة «صوت الحجاز»، وهي بعنوان: «تأملات في الأدب والحياة عود على قصة مرهم التناسي»، يشرح الكاتب النقاط العشر التي سبق أن أخذها على قصة «مرهم التناسي»، ومنها إنعدام الجو الفني، وقصر النظرة إلى النفس الإنسانية، وبعدها عن حقائق علم النفس، والمفاجأة البشعة في «انتقال الأخلاق»، وخلو القصة من الخيال الممتاز، واحتواؤها على «البلى والبرود والتفاهة».
أما الأنصاري فإنه يرد على العواد بمقالة عنيفة بعنوان: «تأمّلة جوفاء ونقد متهافت حول نقد صاحب التأملات لقصة مرهم التناسي». وقد جعل نقده للعواد في ست نقاط على النحو التالي:
1 مهزلة إدعائه انه ناقد فنّي .
2 مهزلته إزاء رواية التوأمان.
3 مهزلة في بردعة بعير.
4 مهزلة في التعداد.
5 مهزلة المهازل.
6 كلمة الختام.
والأنصاري يكيل للعواد كما قد كال له سابقاً، ولكنه لا يجاريه في الإقذاع؛ كما يمتدح قصصه ويقول عنها إنها رائعة وفنية.
وقد هبّ للدفاع عن الأنصاري ضد العواد بعض أصدقاء الأنصاري من أهل المدينة المنورة، ومنهم «كويتب» في العدد 84 من صحيفة «صوت الحجاز» الذي حمل على العواد وعلى نقده لقصة «مرهم التناسي»، ويقول له إنه يجب على الناقد أن يشجع ولا يثبّط، ويشيد بالأنصاري وبقصة الأولى «التوأمان» ويقول إنها أول قصة حجازية. وكذلك عبدالحميد عنبر الذي حمل على نقد العواد الذي لا يتعرض للقصة نفسها، بل يتعرض لشخصية كاتبها. ونرى كذلك محمد الحافظ ينشر مقالة في «صوت الحجاز» تحمل عنوان «ما هكذا النقد الفني» وينتقد فيها العواد لتهجمه على الأنصاري. وفي مقالة حمزة أضْلني هجوم كذلك على العواد ونقده وإشادة بالأنصاري.
ومن الذين هاجموا العواد كذلك كل من محمد علي مغربي وعبدالسلام عمر. فقد نشر المغربي مقالة بعنوان «جواب» (العدد 310 من صحيفة «صوت الحجاز» 1357ه 1938م) ردّ فيها على العواد في نقده لقصة الأنصاري الجديدة «صيدلية الآمال» وكذلك قصة العامودي «رامز» في صحيفة المدينة المنورة. وكان العواد قد غمز المغربي في القصة التي نشرها الأخير في صحيفة «صوت الحجاز» بعنوان «الحزينة» وذلك في معرض حديث العواد عن رواية محمد نور الجوهري (الانتقام الطبعي) إذ وصفها بأنها مجرد مقالة وليست قصة. كما أن العواد يتهم المغربي بالسرقة من كتاب العقاد (فصول) وذلك في مقالاته التي كان ينشرها بصوت الحجاز تحت عنوان «أحاديث النفس».
أما عبدالسلام عمر في مقالته «فولتير وروايته محمد» (صوت الحجاز، العدد 183) فإنه يرد على ما جاء في مقدمة العواد لروايته (طريق الخلود) والتي كان قد نشر الجزء الأول منها في عدد سابق، وفيها يمتدح العواد فولتير ويعجب به وبرواية (محمد). وعبدالسلام عمر يرد هنا على العواد ويفضح رواية فولتير هذه التي هاجم فيها الكاتب الفرنسي نبي الإسلام محمداً صلى الله عليه وسلم. ولكن محمود عارف يهب أخيراً لنجدة صديقه وأستاذه محمد حسن عواد فيكتب مقالته «تعقيب على جواب» (العدد 311 من صحيفة صوت الحجاز، 1357ه 1938م) رادّاً فيها على المغربي ومشيداً بأستاذية العواد وعبقريته.
بين حمزة شحاتة
وعبدالله عريف:
كان عبدالله عريف قد كتب مقالة في «صوت الحجاز» بعنوان: «ضريبة الإعجاب» (العدد 447 سنة 1359ه 1940م) يشيد فيها بمحاضرة حمزة شحاتة التي ألقاها في «جمعية الإسعاف الخيري»، ولكنه يعترض على ما قاله شحاتة في محاضرته من أن الإدمان على نظر الصورة الجميلة يفقدها تدريجيّاً سحرها وتأثيرها على النفس. ويقول العريف إن ألواناً من الجمال تظل ثابتة لا تتغيّر إن لم تضمحل هي في ذاتها. كما يعترض أيضاً على تعريف شحاتة للرجولة والفضيلة والرذيلة الخ.
وقد ردّ حمزة شحاتة على نقد عريف في ست مقالات بعنوان: «بين الجمال والنقد»، بدأها بمناقشة عريف عن مسألة الفرد والجماعة وأيهما أكثر إحساساً وإدراكاً الفرد في الجماعة أم الفرد منفرداً. ثم يتحدث عن نقطة الخلاف بينهما. فهل يمل الإنسان من تكرار النظرة إلى الجمال كما يقول شحاتة، أم انه لا يمل بل يزداد حبّاً وشوقاً إليه، كما يقول عريف؟! وتزداد حدة التوتر بين الكاتبين حين يرد عريف على شحاتة في مقالته «تكاليف الضريبة» التي يفند فيها ما ذهب إليه شحاتة عن «الصورة الجميلة» كما يرد على نقده وتهكمه ويقول إن شحاتة يميل إلى التجريد والتعرية. ولكن عريف يستخدم أيضاً في رده بعض ما جاء في قصيدة شحاتة «لِمَ أهواك؟»، ويقول إن شحاتة رغم ميله إلى التجريد إلا انه لايزال متشبثاً بنظرته الجمالية.
ويستمر حمزة شحاتة في نشر مقالاته «بين الجمال والنقد»ويتحدث في الحلقة الثالثة (العدد 455، سنة 1359ه 1940م) عن مقال عريف الأخير، ويبدأه بشيء من التهكم، إذ ظن أن ما كتبه كان واضحاً لأنه يخاطب أوساط الناس ولكن أمله قد خاب في فهم العريف وقدرته الاستيعابية. يقول: «كتبت عن الجمال في عددين فائتين من أعداد هذه الجريدة، ما حسبته غاية في الوضاحة، صادراً فيها عن تجارب نفسي وواقعها وعن خبرتي العميقة بالحياة والنفوس. فإذا هو الدعوى التي لا تنهض بها حجة ولا يستقيم لها قياس عند صديقي الأديب عريف..». ويقول في الحلقة التالية: «ليعلم الأستاذ (عريف) إننا لا نحتال لبلوغ رضا القراء وإن كنا أعرف بسبل هذه الغاية وحبائلها. وإننا لنترفع بأنفسنا عن أن نقف منهم موقف التهريج والاجتذاب والحيلة».
وفي الحلقة الخامسة يتابع شحاتة رده على عبدالله عريف ويشيد هنا بنفسه وبمواهبه الشخصية وقدراته على الجدل والاحتجاج. ويقول إنه قد ذكر أشياء مهمة في محاضرته لم يذكرها أحد في هذه البلاد، كما يخطىء العريف في فهمه لقصيدته «لِمَ أهواك؟»، ويقول إنه لم يقصد فيها إلى تجريد الجمال بل إلى السمو به والإعلاء من شأنه. وفي الحلقة الأخيرة من مقالاته «بين الجمال والنقد» يتابع شحاتة رده على عريف، وينفي هنا أن يكون الجمال ثابتاً في النفس بل هو متجدد بتجدّد النظرة إليه. ويقول في آخرها، وكأنه يعرّض بعريف وأمثاله، :«وإذا كان الجمود والاجترار من طبيعة بعض النفوس الموصدة، فالسأم والتنقّل من طبيعة النفوس المشبوبة. ولعل أقدر النفوس على استصفاء معاني الجمال هي أحسّها بفتنته وأوفاها له وأقدرها على تنويع معانيه واستنطاقها».
وفي مقالة عبدالله عريف: «بيني وبين الأستاذ حمزة شحاتة» المنشورة في «صوت الحجاز» (العدد 459، سنة 1359ه 1940م) ردٌّ على حمزة شحاتة وعلى بعض الأسئلة التي كان قد وجهها إليه. ويميز عريف هنا بين الشعور والإدراك من جهة وبين الشعور الفردي والشعور الجماعي من جهة أخرى. ويقول في نهاية المقال: «أحسب أن ما قلته الآن كاف جدّاً للإجابة على السؤال الأول في أن حماس الجماعة في ندوة الإسعاف إنما هو شعور نفسي بسيط انبعاثي بأديب تسبقه الطبول. وهذا لا يعني أن المحاضرة لم تكن جديرة بذلك الحماس، إنما يعني التسجيل العلمي فقط للشعور الفردي والجماعي إجابة لسؤال الأستاذ..».
وقد تدخّل بعض أدباء تلك الفترة في النقاش الدائر بين شحاتة وعريف، ومنهم أحمد عطار في مقالتيه «نقاش» (العدد 461 و 462 1359ه 1940م) إذ انتصر لشحاتة في مسألة النظر إلى الصورة الجميلة، مستخدماً بعض حجج شحاتة نفسه في طبيعة الحياة وتطورها وطبيعة الزمن المتغيّر المتحوّل. ويحمل عطار على عريف ويشبه موقفه بموقف البخيل الذي يحتفظ بالريال ويعاود النظر إليه. ويرد عطار كذلك على محمد عمر توفيق الذي يقول بأن نظرة العريف هي نظرة الشاعر وأن نظرة شحاتة هي نظرة الفيلسوف. ويفنّد عطار هذا القول لأن عريف لم يعرف قط انه شاعر، أما الشاعر الحق فهو حمزة شحاتة، ولا فرق بين الشاعر والفيلسوف لأن كليهما يبحثان عن المعرفة بوسائلهما الخاصة.
وعطار إنما كان يرد في الحقيقة على مقالة محمد عمر توفيق: «التجريد وما وراءه» التي نشرت في حلقتين في صحيفة «صوت الحجاز» (العدد 451 و 452) وكان يحاول فيها التوفيق بين نظرة شحاتة ونظرة عريف إلى الجمال. ويقول محمد عمر توفيق إن نظرة الأول هي نظرة الفيلسوف الذي يميل إلى التجريد، بينما نجد أن نظرة الثاني هي نظرة الشاعر الذي يكره التغلغل في ماهية الجمال أو تفتيته. ويقول إنه لا خلاف بين النظرتين، وإن الفيلسوف قد يكون شاعراً في بعض الأحيان، وكذلك الشاعر الذي قد يستهويه التحليل ولكنه لا يميل غالباً إلى التجريد الفلسفي، لأن هذا التجريد من شأنه أن يحيل الحياة إلى ركام. ويقول:«والتجريد إذاً مذهب يصير بمن يعتنقه إلى التشاؤم والاندحار، وذلك ما لست أحسب الأستاذ حمزة يرضاه لنفسه أو لغيره...». ويشير إلى قصيدة حمزة شحاتة «لِمَ أهواك؟» ويقول إن الشاعر قد «عبث فيها بمن يهواه وافترضه ذا شأن ضئيل من الذكاء والحسن وما إلى ذلك مما أملاه عليه منطق التجريد..». ولكن محمد عمر توفيق يؤكد في النهاية أن حمزة شحاتة لا يعمد في الحقيقة إلى التجريد إلا كمنطلق قد يهجره ويهرب منه.
أما محمد علي مغربي فكان قد نشر مقالة عن قصيدة حمزة شحاتة «لم أهواك؟» وقبل النقاش الذي احتدم بين شحاتة وعريف بزمن طويل (العددان 370 و371 من صحيفة صوت الحجاز، 1358ه 1939م)؛ وقد أطرى تلك القصيدة وأعجب بها إعجاباً شديداً، ويقول إن حب شحاتة في هذه القصيدة هو حب الأديب الفيلسوف الذي يحاول أن يكتنه طبيعة حبه لمحبوبته وأن يمتزج فيها بالكون والطبيعة. ويحلل المغربي نزعة الشاعر الصوفية الفلسفية في الحب مستشهداً بالعقاد وبالشعر القديم.
بين عبدالكريم بن جهيمان وحسين سرحان:
انتقد عبدالكريم بن جهيمان بعض ما جاء في مقالات حسين سرحان التي كان قد نشرها في صحيفة «صوت الحجاز» بعنوان:«مشاهدات في المدينة». وتحدّث ابن جهيمان في مقالته: «مناقشة لصاحب مشاهدات في المدينة» والتي نشرها في العددين 235 و 236 من الصحيفة عن ضيق السرحان في رحلته تلك إلى المدينة المنورة بالمطوّع الذي كان معهم. ويقول الجهيمان إن ذلك «المطوّع» لم يفعل سوى ما أملاه عليه واجبه الديني، إذ رأى بعض الشباب من المسافرين يقومون ببعض ألعاب الطرب والغناء فنهاهم عنها. وفي مقالته «رد واستدراك» يرد الجهيمان على مقال السرحان الذي سماه «حاطب ليل» متهكماً فيه بالجهيمان وساخراًمنه. ويعود الجهيمان هنا إلى نقد ما جاء في مقال السرحان السابق: «مشاهدات في المدينة المنورة»، واصفاً السرحان بالتسرّع والنزق، ومبيناً خطأه في بعض النواحي الدينية.
أما السرحان فقد ردّ على الجهيمان في ثلاث مقالات بعنوان: «مناوشات ومناقشات» الأعداد 237، 238، 239 وقد سمّاه «حاطب ليل». وهو يرميه بالتعصّب والتقوّل على الناس باسم الدين، ويظن فيهم الظنون. ويقول إن ابن جهيمان يصلح أن يكون عضواً في محكمة التفتيش، وإن كل ما قاله عنه غير صحيح.
والحقيقة أن الجهيمان لم يكن هو الوحيد الذي انتقد مقالات السرحان «مشاهدات في المدينة المنورة»، بل انتقده كذلك عبدالقدوس الأنصاري، وإن كان نقده لأسباب أخرى غير تلك التي جاءت في مقالات الجهيمان. فالأنصاري يقوم فقط بتصحيح بعض الأخطاء التي يرى أن السرحان قد نسبها إليه، وقد أحصاها في مقالته التي سماها :«حول مشاهدات في المدينة الملاحظات الثلاث» العدد 236، سنة 1355ه 1936م فالملاحظة الأولى أن الأنصاري لم يقل إنه يريد في دراسته لأعلام الشعر في الأدب العربي أن يختطّ له أسلوباً حجازيّاً يرجع فيه إلى أدب الحجاز أيام ازدهاره في صدر الإسلام. والملاحظة الثانية انه يعترف بتأثره بالأدب المصري، ولكنه لا يلتزم السجع كما يزعم السرحان. أما الملاحظة الثالثة فهي أن اهتمامه بفخامة العبارة لا يعني إهماله لجانب الفكرة، خلافاً لما يقوله السرحان.
ونحن نرى السرحان في مقالته: «مناوشات ومناقشات» يعترف بصواب ما جاء في ملاحظات عبدالقدوس الأنصاري، ويقول إنه لا يريد الدخول معه في عراك، بل إنه يمدح الأنصاري ويصفه بهدوء النفس وسلامة الذوق.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved