Thursday 25th April,200210801العددالخميس 12 ,صفر 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

الناقد الغذامي يبرر قيام النقد الثقافي: الناقد الغذامي يبرر قيام النقد الثقافي:
أدوات النقد الثقافي أكثر تأثيراً في القارىء والنص
الشعر أبرز الخطابات الثقافية العربية - النقد خطاب فكري فلسفي وليس جمالياً فقط

حوار: عبدالحفيظ الشمري
الناقد الدكتور عبدالله الغذامي برر ومن خلال كتابه «النقد الثقافي» تعلقه في البحث عن صيغ نقدية جديدة بأن هناك استحواذا سافرا أسهم في تمكين الشعر في الزائقة العربية حتى أنه يرى أن الخطاب الشعري قد طغى على سائر الأشكال الأدبية الأخرى..
ولسبر أغوار هذه الجدلية لدى الناقد الغذامي وغيره من النقاد كانت لنا هذه الحوارية معه ليبين لنا أبرز ملامح طرحه في هذا السياق المعرفي والذي لخصه بالرغبة الجامحة في الخروج من ربقة الخطاب الشعري الطاغي والذي ولَّد العجز في قدرات الفهم لدى القارىء.. ليأتي الحوار مع الناقد الدكتور الغذامي على هذا النحو:
* من واقع تجربتك.. هل يختلف النقد البنيوي في تناول النص الشعري؟ وهل ثمة فوارق في تناول مجمل الابداع..؟
طبعاً لا هو يختلف من نص إلى نص ومن قصيدة إلى قصيدة ومن قصة إلى قصة. النقد سواء البنيوي أو غير البنيوي لا بد ان يكون هناك أسس معرفية أولى وأن يكون هناك تغيرات تحدثها الحالة الماثلة كمتطلب وطبعاً بالنسبة لي لم أكن بنيويا قط في أي يوم من الأيام أنا استخدمت البنيوية لكن منذ صدور الخطيئة والتكفير في مرحلة تسمى ما بعد البنيوية والخطيئة والتكفير يعتمد على التشريحية . لكن نعود ونقول ان ما بعد البنيوية يستند إلى البنيوية هو نتيجة لها وتمدد لها فهو تطوير وفتح لآفاقها فهنا يكون الجواب على سؤالك أننا نبتدىء من أصول وأسس معرفية ولا شك أن البنيوية هي جزء من هذا التكوين المنهجي المعرفي ثم ننطلق من هذه الأسس إلى آفاق منفتحة تتعامل مع الحالة حسب شروطها ولذلك يحصل التغيير المستمر داخل هذا المعطى الفكري نفسه والمعطى النقدي فيتطور من داخله.
البنيوية تتطور إلى ما بعد البنيوية وهذا الذي جعلني باستمرار أسمي مشروعي النقد النصوصي أو النقد الألسني ابتعاداً عن ربطه بالبنيوية مع أنه ليس بنيويا وإنما يظل يستفيد من البنيوية حتى بعد أن انتقلت إلى النقد الثقافي يظل النقد الثقافي هو فرعاً من فروع النقد الألسني وهو صورة من صور النقد النصوصي إنما هو رديف يحمل تغيراته النوعية الخاصة ويحمل أسئلته الخاصة ويتطلع إلى إجاباته المختلفة وهذا الشرط في التغيير إذا لم يقدم لنا المنهج رؤية مختلفة وجواباً مختلفاً عما كنا نجده في المنهج السابق حينئذ لا ضرورة للمنهج الجديد. المنهج الجديد إذا لم يعطنا شيئاً مختلفاً عما ألفناه فحينئذ يكون وجوده غير مبرر ولا داعي لوجوده لأن الاجابة سنصل إليها بأداة أخرى غير تلك الأداة يكون لها وظيفة جوهرية إذا كانت قادرة على ان توصلنا إلى شيء لا توصلنا إليه الأدوات السابقة وهذا في زعمي هو الذي يبرر قيام النقد الثقافي كبديل عن النقد الأدبي.
* لكن يادكتور عبدالله نجد دائما ان النقد البنيوي يلجأ إلى الشعر؟ يتعاطف معه دائماً..؟
في الثقافة العربية ملاحظاتك صحيحة لكن في الغرب لا، في الغرب النقد البنيوي طبعاً عند ليفي شتراوس مثلاً كان دارساً في الأنثروبولوجيا عند بيجيه كان دارساً في الرياضيات عند ياكبسون كان دارساً في علم اللغة عند فيشر وجولدمان كان دارساً في الفلسفة عند تيدروف كان في الشعر والسرديات، إنما في الثقافة العربية كان معظم النشاط النقدي المسمى بالبنيوي اتجه للشعر طبعاً السبب واضح وهو ان أبرز الخطابات الثقافية العربية هو الشعر أكثر من غيره هو الخطاب الطاغي فبالتالي تجد أن النقد دائما حتى في غير النقد البنيوي. العقاد لما عمل مشروعه النقدي اتجه للشعر، طه حسين حينما وضع أسئلته الفكرية الفلسفية الديكارتيه اتجه إلى الشعر والشعر الجاهلي والانتحال.
كلهم يسيرون في هذا المسار بسبب أن أخطر شيء في ثقافتنا وأهم شيء وأكبر شيء هو الخطاب الشعري.
* إذن البنيوية يمكن أن تتناول العمل السردي؟
هو الأصل فيها وفي مهدها وفي وجودها أنها لم تكن نقداً للشعر ولكن عندما صارت نقداً للشعر.
* يا دكتور عبدالله في مؤلفاتك ومتابعاتك وقراءاتك يلاحظ أنك دائما تستميل الفلسفة في الخطاب الانساني.
فهل هذا من مقومات المشروع النقدي لأي ناقد؟
لأي ناقد طبعاً لا، لكن ملاحظتك في موقعها.
وأنا شخصيا أنظر إلى النقد على انه خطاب فكري وخطاب فلسفي وأرى أنه خطاب في تدريب العقول على أن تكون عقول ذات وعي نقدي يعني لا أرى أن النقد خطاب في التذوق الجمالي وفي خلق التذوق الجمالي بل أرى أنه خطاب في خلق الوعي النقدي في عقول القراء أنا يهمني في القراء أن أنشط في ذواتهم الوعي النقدي وليس التذوق الجمالي لأنني أعتقد أولاً أن التذوق الجمالي لا يحتاج إلى وسيط وأنه يكتسب بمجموعة القراءات المباشرة مع النصوص فيتكون التذوق الجمالي عند الناس هذه واحدة.
ثانيا: أنا أرى ان الجماليات في ثقافتنا العربية وبالذات الجماليات الشعرية لها من الضرر علينا أضعاف أضعاف ما لها من الفائدة فبالتالي نحن بحاجة إلى نقد هذه الجماليات وفضحها لأنها في عرفي مضرة وهذا ما سميته بالشعرنة في كتابي النقد الثقافي.
لهذا السبب تجد ان خطابي النقدي مثل ما لاحظت أنه فعلاً خطاب يبدو وكأنه فرع من فروع الفلسفة وهذا هو الأمر الذي يحدث في الغرب، إذ ينظر إلى مصطلح النظرية ومصطلح النقد على أنها أشياء حلت محل الفلسفة.
* هناك نقاد لهم نمطية معينة في النقد ويمكن أن يتناول أنماطا نقدية أخرى فقد يتجه إلى رسم ملامح نقدية خاصة به أو مشروع له ما أسباب ذلك من وجهة نظركم؟
ممكن هذا الأمر لأن كثيراً من النقاد نستطيع أن نسميهم بأسمائهم وأن نصنف أعمالهم وبكل تأكيد ما في إنسان وبما أنه فرد وأنه شخص واحد مما مكن إلا أن يكون في إطار معرفي قابل للتصنيف وقابل للحصر لأن الانسان بذاته كائن تصنيفي كائن حصري وليس كائنا مطلقا المفكرون الذين يستطيعون التنوعات الضخمة في حياتهم قلة جداً يمكن أذكر لك مثالاً واحداً مثل طه حسين عندما تتأمل طه حسين تقول إن هناك خمسة طه حسين للتحولات الضخمة في حياته وهذا مثال راق للتنوع المعرفي الكبير والضخم لكن العقاد كزميل لطه حسين مثلاً تقول إنه من أول يوم في حياته لآخر يوم في حياته هو واحد. خطابه ومستواه واحد مهما تنوعت اهتماماته وتنوعت كتبه. النسق عند العقاد واحد بينما طه حسين متنوع وقادر على التنوع الضخم جداً طبعاً هذا له مضاره بكل تأكيد وله ثمنه لكن يظل هذا مظهراً ثقافياً راقياً ونادراً في ثقافتنا أرجو أن أكون أنا واحداً من هؤلاء الذين يستطيعون التجاوز المعرفي المستمر تجاوز ذواتهم لأنه أهم شيء الآن هو أن يستطيع المرء أن يتجاوز ذاته وهذه نادرة جداً وصعبة جداً وقليلة جداً في كل الثقافات ولكن يظل الملاحظ أن 99% من النقاد تستطيع تماما أن تضعهم في خانة مع عظمة إنتاجهم لكن يظلون في خانة واحدة.
* أنا سأضع الغذامى بين العقاد وطه حسين فمثلاً مشروعك النقدي دائما ما يتنقل ويتحول بمعنى انك لا تكمل المشروع النقدي . طرحت الخطيئة والتكفير وطرحت المرأة واللغة وطرحت النقد الثقافي ومؤلفات أخرى... مشاريعك دائماً مختصرة جداً.
تضيف.. تؤلف وتوجه سهام نقدك إلى نوعية من الثقافة لكنك لا تتواصل.
التواصل هو الذي تسميه الجمود على خط واحد الاستمرار على خط واحد خطير جداً لأنه يجعلك تكرر ذاتك وأنا في تجربتي الشخصية أحسست في فترات بخوف حقيقي من أن أكون أكرر ذاتي فمنذ مرور سنوات على صدور هذا الكتاب وصدور مجموعة من الكتب التي تدور في أفق الخطيئة والتكفير كلها صرت أشعر فعلاً بأنني أدور حول ذاتي وان القارئ المتابع لي سيعرف سلفاً ما الذي سأقوله ويصنفني بأن عبدالله الغذامي ناقد تشريحي نصوصي ومعنى بجماليات النصوص ومعنى بسؤال الحداثة ومعنى بسؤال الابداع الشعري والسردي وإن يغلب عليه الاتجاه الشعري طبعاً هذه خاطئة على المستوى المعرفي ممكن أكاديميا تكون جيده لأن الإنسان يدقق في أدواته عبر هذا التكرار ويعيد النظر في هذه الأدوات على المستوى الداخلي لكنها تجعل الانسان مشابها لما قلت لك مثال العقاد يعني النسق الواحد ولهذا أنا عندي هذا القلق المعرفي من خشيتي أن أظل على وتيرة واحدة وأن أظل على نسق واحد ثم دخلت عالم المرأة واللغة كمشروع وأصدرت ثلاثة كتب في هذا المشروع وهذا المشروع كان معنيا بنقد الثقافة كأنساق يعني مترسخة وعلى مدى قرون عبر موقف الثقافة من المرأة فهذا التنوع أحسست أنني دخلت في عالم مختلف عن عالم الخطيئة والتكفير من داخلي أشعر بالنمو وبالحيوية وبالتحدي يعني دخلت على منطقة ومضمار مختلف يتطلب مني ان اعمل بشكل حثيث وبشكل شديد لكي أواجه الأسئلة التي يقتضيها هذا المشروع بعده مباشرة وبدون فاصل دخلت إلى عالم النقد الثقافي مع أنه جذريا مشروع المرأة واللغة هو في نقد الثقافة لكن النقد الثقافي يختلف عن نقد الثقافة بما أن النقد الثقافي هو نظرية في النقد أما نقد الثقافة فهو ممارسة مباشرة بينما النقد الثقافي هو نظرية في النقد أولاً ثم تطبيق وأشعر الآن في مرحلتي هذه مع النقد الثقافي أنني دخلت إلى منطقة جديدة وبكر في ثقافتنا العربية .
ثانيا هي محاولة لتوظيف واستخدام الأداة النقدية التي كانت أدبية مع تحويلها إلى أن تكون ثقافية والنظر إلى النصوص والأمثلة والقضايا بوصفها علامات ثقافية وليست نصوصاً أدبية جمالية وحسب مع التسليم بأدبيتها وجماليتها لكن أنا معني الآن بالسؤال الآخر سؤال أنها شواهد ثقافية وأن هذه تمثل حادثة ثقافية تقتضي سؤالاً ثقافياً وجواباً ثقافياً مع استخدام الأدوات النقدية، طبعا المسألة طويلة ومعقدة وأزعم أن كتابي النقد الثقافي شرحها لكن هذا فقط ملخص لهذه التحولات وأنا اعتبرها ثلاثة تحولات أساسية في مسيرتي النقدية.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved