Thursday 25th April,200210801العددالخميس 12 ,صفر 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

الحقيقة .. شمس!! الحقيقة .. شمس!!
لماذا يتكرر الكوبليه؟!!
رجاء العتيبي

المذهب السريالي مذهب في الفن والأدب أسسه الفرنسي أندريه بربتون عام 1924م حيث سقطت المبادىء والأفكار التي كانت سائدة في العالم قبل الحرب العالمية الأولى، فخاب ظن الناس في كل ما كان سائداً من قيم مأثورة ونظريات ثابتة، والتمسوا في علاج مشكلاتهم الاجتماعية مبادىء وفلسفات جديدة، فنشأت نزعة جارفة تدعو إلى التحلل من القيم والأخلاق وتحرير الغرائز والرغبات المكبوتة في النفس البشرية. فإنطلاقاً من الإيحاء والإشارة التي اعتقد بها السرياليون ، لم يحفلوا كثيراً بوضع خاتمة لمسرحية أو قصة وإنما تركوا للمشاهد أو القارىء مهمة تصور الخاتمة التي يريدها، والتي ترسمها له قواه النفسية أو القلقة من كبتها فتحرر السرياليون من قيود القافية والوزن في الشعر.
في المجتمعات البسيطة غير المعقدة ثقافيا وحضاريا واجتماعيا يظهر الفن بصورة مبسطة جدا فيبدو الرسم نقلا حرفيا من الواقع بألوان أساسية ونقوش لا تعدو المربعات والدوائر والمثلثات وتبدو الألحان ب: كوبليه واحد يتكرر في كل الأغنية وترى المسرح عبارة عن جمل مكثفة مغرقة في الحوارية وترى أهازيج جماهير الرياضة ذات عبارة واحدة وحركة واحدة تردد باستمرار حتى نهاية اللعبة.
إن الفهم الصحيح لطبيعة تلك المجتمعات وفق تلك الحقيقة يعفينا من الجدل الصاخب حول طبيعتها في تلقي الفن وإنتاجه في نقاش بيزنطي عن: من الأفضل!! الفن البسيط أم الفن المتداخل؟
هذا الجدل المستمر لا يجدي ولا يقود للصواب باعتبار عقلية الكوبليه الواحد المكرر وعقلية السيمفونية المتدرجة وظيفيا واحدة وكذلك العقلية الناقلة والتجريدية والعقلية المباشرة والإيحائية ولكن الأنماط الحضارية تختلف من حيث التعقيد والبساطة فتضع لكل منهما فهما خاصا يراه صاحبه الأكثر صوابا. فلا نندهش إذا ما استوعب إنسان جملا لغوية وموسيقية ولونية مصوغة بشكل مباشر كما لا نندهش أيضا إذا ما استوعب آخر تلك الأنواع الفنية مصوغة بشكل غير مباشر تحوي سطورها ونغماتها وألوانها معاني مبطنة.
فالإنسان الذي تدرج بعمق في مراتب الحضارة لا يشبع نهمه الفني كوبليه واحد أو رسمة منقولة من الواقع أو خشبة مليئة بالكلام، بل يبحث عن آفاق أكثر اتساعا في الفن وأكثر تعقيدا حيث تعدى إحساسه الفني إحساس إنسان بسيط يؤثر فيه إيقاع«الطار» المكرر فيقع مغشيا عليه من فرط التأثُّر.
هذه النهج الحضاري لا يفهمه من يسفه رأي القائلين بتعدد الكوبليهات وكذلك لا يفهمه من يستصغر المنتشين بالكوبليه الواحد، والحقيقة ليست مع هذا ولا ذاك، وإنما مع المستوى الحضاري للمجتمع الذي يعكس وعياً فنيا بالمناخ البيئي وما فيه من جمال لا يحصى، فكلا المتجادلين على حق في تأثير« كوبليهاته» عليه سواء المكرر أو المتعدد وكلاهما على حق من وجهة النظر الحضارية وليسا على حق من وجهة النظر المفرطة في الذاتية التي تغلب«كوبليهها على كوبليه» الآخر.
مثلما لا يستحسن التجمد عند نمط فني معين ففي المقابل لا يستحسن الإفراط في تجديد الأنماط الفنية فتعود إلى فوضى كما يحصل أحيانا في الرؤية الفنية الغربية.
ما الحل.. ما دام الصراع الفني قائماً بين البسيط والمعقد؟؟!!
وما الحل ما دام أن الذائقة الجمالية تتطور بشكل جماعي؟؟!!
في السابق كان التطور الحضاري بمختلف مجالاته يتم بصورة تلقائية..
ففجأة يجد الجميع أنفسهم أمام حضارة ما فاقت أختها وتغلبت عليها.. وهكذا يتداول الزمان قديما.. الآن.. الوضع يختلف. بات التطور يتم وفق إرادة مقصودة والاتجاه يسير وفق هدف محدد. ثمة من يعمل بوعي من أجله وإن كان ذلك قليلاً إلا أنه يبقى من سمات العصر.
من هذا المنطلق يكون الحل لتطوير الذائقة والفكر والجمال بوضع استراتيجيات تصل بالجميع لأهدافها الراقية حضاريا عن وعي وعن قصد تتجاوز النظرات الخلافية بين القديم والجديد وبين الطارف والتليد وبين الكلاسيكي والحداثي وبين النوتة البسيطة والنوتة المركبة.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved