استطلاعات ميدانية.. كتبها وصورها: حمّاد بن حامد السالمي الطائف
مناطق كثيرة في بلادنا الواسعة، لا يكفي ان تسمع عنها، فيقال لك عنها كذا وكذا.. لكن من المهم ان ترتحل إليها لتراها.. خاصة تلك التي بقيت حتى اليوم غير مطروقة لعدم وجود طرق معبدة سهلة ترغب الناس في ارتيادها.
من هذه البلدان والمناطق بلاد بني عمر، مجموعة من اودية وقرى وجبال غنية بكل ما تعنيه الكلمة. تقع الى الجنوب الشرقي من الطائف والى الشرق من الشفا، ويسكنها بنوعمر وهم فرع من قبيلة بني سفيان الشهيرة من قبيلة ثقيف.
* في هذه الرحلة إلى بلاد بني عمر؛ نقدم اكتشافا مبكرا لمتنفس سياحي جديد، سوف يصل إليه المصطافون بداية من صيف العام القادم بعد فتح الطريق إلى عمقها.
* فهيا بنا إلى تفاصيل هذه الرحلة.
أهذا متنزه..؟!
* بدأت الرحلة مع بداية النهار. وبعد اخذ طريق الطائف الشفا الى وادي عُرضة؛ انحرفنا يسارا مشرقين من بوابة متنزه وادي عرضه، ومتنزه وادي عرضة هذا؛ أنشأته بلدية الطائف أيام رئاسة الدكتور حسن حمزة حجرة لها قبل عدة سنوات؛ وما إن وقع تحت إدارة احد المستثمرين؛ حتى أسيء استخدامه بدرجة كبيرة، فقد شاهدنا زرائب لأغنام ودجاج وبط ونحو ذلك، ويخيل للرائي؛ أن متنزها عاما مثل هذا؛ قد تحول إلى ضيعة خاصة لأحد الأثرياء..!
وبرز سؤال أين رقابة البلدية..؟!
السطو على طريق عام..!
ولجْنا بوابة هذا المتنزه في الطريق الى بلاد بني عمر من اسفلها؛ لكننا فوجئنا أننا نعبر مضيقا أو مخنقا تعبره السيارة الصغيرة بصعوبة مع تعرجات صعبة؛ ولفت نظري الى هذا العم مرزوق الحبيبة قائلا: المستثمر هذا ضيق على كافة الناس؛ فلم يكفه انه استغل أرض المتنزه كما يحلو له، حتى سطا على طريق العابرين، وفعل به ما يعتقد أنه يضطرهم إلى ترك بلادهم وقراهم. وشكونا كثيرا لجهات عدة ومنها البلدية دون نتيجة.. فماذا نفعل..؟!
مرة أخرى سؤال أين رقابة البلدية ومتنزه مثل هذا في حكم اشرافها وإدارتها..؟!
وقفة في الكر..
* أخذنا طريقنا بعد ذلك مصعدين في شعب الكر في اتجاه الجنوب الشرقي بين جبال سود تغطيها أشجار كثيفة من الطباق والشث والعرعر والعتم. تاركين وادي عرضة خلفنا، فهذا جبل قريقير إلى يسارنا. ثم جبل عرضة والرَّميّدة ومُدار. وبعد مرور بعض الوقت توقفنا عند (فضية) في ريع الوقاب. عبارة عن نبع ماء حلو لا يجف. يشرب منه المارة ويستقي منه الرعاة. وبعد سيرنا مصعدين أيضا؛ توقفنا تحت أشجار طلح وسدر وتناولنا فطورنا المكون من ملة خبز وسمن بري وعسل من نتاج هذه الأرض الطيبة.
في الحِمَى..
* اشتهرت الطائف بأحمية كثيرة. والحِمىَ عبارة عن أرض يتم حجرها وفق نظام متفق عليه من ملاكها من افراد القبيلة، فلا ترعى من قبلهم ولا من قبل غيرهم. ويخصصون لها رقابة وحماية. وقد كان هذا ساريا حتى وقت قريب، ثم لم يعد الامر مثل ما كان عليه. لكن هنا دخلنا في حِمىَ بني عمر من بني سفيان، وهو يحتل الأرض الواقعة في الشرق من ديارهم. وهي أرض واسعة جدا تتميز بكثافة شجرية منقطعة النظير، وأعشاب برية وطيور كثيرة وخصوبة نادرة. وقد شاهدنا بعض قطعان من الأبقار التي يأتي بها بعض أفراد من بني عمر فيتركونها في هذه الاشعب الممرعة تعيش وتتوالد وتتكاثر. ويتفقدونها من وقت لأخر، لأخذ حليبها أو بيع السمين منها.
حنش في الاستقبال..؟
* بعد ان تركنا ريع الكر المطل على وادي عرضة ودخلنا في أرض الحِمىَ؛ شاهدنا جبالا عظيمة الارتفاع رحت أسجلها مستعينا بذاكرة العم مرزوق ابن الثمانين عاما؛ فهذا جبل أم ذياب وهذا الكنفانة وأبوالصر ومَاق. والبرق والمِلْح، والمعقر وخشربة.
* ومع أن الأسماء في اللغة لا تعلل؛ الا ان اسماء الامكنة والمواضع في هذه الديار لها ارتباط وثيق بشيء آخر؛ فجبل أم ذياب أخذ اسمه من كثرة ذئابه. وأبو الصر لشجر على هذا الاسم يكثر به. والبرق لقمة بيضاء تعلوه وتميزه، والمعقر لأنه يعقر عابريه لصلابة أرضه.. وهكذا دواليك.
* وبعد مسيرنا هابطين إلى قرية الخشعة توقفنا عند شجرة سلم علق بأحد أغصانها حنش طويل عريض من فصيلة (أم شويكة) كما يقول الناس هنا، فأخذت له صورة قائلا للعم مرزوق (هذا شعب أم شويكة)..!
أي طريق هذا..؟!
* منذ استلامنا للطريق بعد وادي عرضة ونحن نعاني من وعورة هذا الطريق الجبلي الذي هو غاية في الصعوبة، إن كثيرا من مناظر تزاحم الناس على حيازات جبلية في هذه النواحي؛ وبالتالي شكاياتهم في بعضهم لدى الدوائر الحكومية؛ كل ذلك لم يصرفنا عن ترديد عبارات التأفف من طريق متعب أصابنا برضوض وأعْيى سيارتنا الجيب. وتساءلت كيف يستطيع بعض المسؤولين الوصول الى هنا والتأكد من شكايات الناس في بعضهم على وعورة الطريق؛ وتعرجها وتصعدها في هذه الجبال المرتفعة؟!
قصة من عشرات السنين..؟
* كلما أبديت تذمري من هذه الطريق التي تمثل تحديا حقيقيا لمثلي، انبرى العم مرزوق يشرح لي قصة عمرها اكثر من خمسين عاما فعندما كان في الثلاثين من عمره، جمع من افراد قبيلته قرابة (مائة ريال)..! ثم استأجر عمالا أقويا من جماعته وبعض اليمنيين، وفتح هذه الطريق، منقبا في الجبال والأشعب، مذللا عقبات جبلية شاهقة، على امتداد اكثر من 15 كيلا حتى وصل بالسيارة اللوري الى قرية الخشعة.. طريق يفتح بمبلغ (100 ريال) في شهر واحد..؟!
يا لشجاعة الرجال وعزيمتهم!!
في الخشعة..
* قبل الوصول الى قرية العم مرزوق أو خشعته المفضلة؛ شاهدنا من مرتفع على الطريق؛ قرية اسمها (ماق). كانت صغيرة ومخصصة لرعاة المواشي فقط. وعندما أشار العم مرزوق الى قرية الخشعة بانتشاء وفرح برز أمامنا جبل شهبة البرقا وجبل أبوالصقور، ورحنا ندخل في وادي الخشعة الذي تقع عليه القرية.
وعندما وصلنا القرية؛ كانت هناك مزارع لفواكه وخضار، وقرية قديمة أمامنا يعلوها حصن حجري شامخ. هذا هو حصن الخشعة، وهذه خشعة (الحبيبة) على اسم صاحبها الأول من أجداد العم مرزوق.. وعندما جرى الكلام ونحن وقوف وأقوم أنا بأخذ صورة للحصن؛ تذكرت خشعة أخرى على هذا الاسم هي (خشعة معر).. فأشار العم مرزوق إلى انها تبعد أميالا قليلة من هنا إلى الجنوب في طرف بلاد بني عمر من جهة ثمالة.
في وداع الحِمىَ
* بعد زيارة قرية الخشعة التي لم أشاهد أحدا من السكان فيها، وان وجد عدد من المساكن الحديثة؛ عدنا نرتقي العقبات والجبال، ونسمع صرير الكفرات وأنات سيارتنا الجيب، ونلملم أجسادنا التي تترجرج داخلها.. وعند القمة التي نفرق منها جنوبا غربا حيث بقية بلاد بني عمر شاهدنا مجموعة من الجبال الشاهقة في هذا الحمى العتيد، فعن بُعد ظهر لنا جبل ريحة. وفي مقابلته جبل أسود هو جبل المصعوقة ثم الصمصم والخملاة. ويتوسط الحمى جبل الكِنْثا الشهير. والنصيل وهضبتان عاليتان هما؛ أم زرع وأم حديد.
وقبل الهبوط من مرتفعات الحمى، فوجئنا بقطيع من الأبقار وهن روابض على طريقنا الوحيد تحت شجرة مظلة، فما تركن طريقنا إلا بحثّ منا وفي تثاقل وتكاسل غير مباليات..!
بطيحان والمضحاة
* تركنا حِمىَ بني عمر، وهبطنا إلى واد كبير، ومسيل عظيم هو وادي بطيحان الذي هو امتداد لوادي حرجل. ومن هذا الوادي؛ استلمنا طريقا حديثا يجري رصفه وتزفيته بطول اكثر من عشرة كيلات في عمق بلاد بني عمر وتذكرت ان هذا الانجاز هو من ثمار لجنة الطرق السياحية التي كان يرأسها رئيس بلدية الطائف الدكتور حسن حمزة حجرة وأَشرُف أنا بعضويتها، ثم رأسها الدكتور عمر المشعبي ثم المهندس عبدالرحمن المخرج. وكنا قد كتبنا مقترحا بفتح هذا الطريق وغيره منذ العام 1414ه ومعالي محافظ الطائف فهد بن عبدالعزيز بن معمر يشرف بنفسه على تحويل هذه الافكار والاحلام الى حقائق ملموسة خدمة لابناء القرى والسياحة ايضا. وكم كانت سعادتي عظيمة وأنا أشهد المعدات تعمل والناس فرحين بهذا الانجاز الذي سوف يقود الى اكتشاف قراهم وأوديتهم وحصونهم وغابات لا يعرفها أحد حتى اليوم.
* وعلى طرف وادي بطيحان هذا، شاهدت قرية سكنية ومزارع. ومنه كان طريقنا على وادي الأسراب وقرية آل حمدان والقِر حتى وقفنا في وادي المضحاة.
* ومن هذا الطريق رأينا جبالا شاهقة أميزها جبل لبا. وجبل كليب.
وجميع الأودية القادمة غربا وشرقا من بلاد بني عمر تتجه صوب وادي لية. ومنها وادي المضحاة. وعلى هذا الوادي قرية باسمه بها دور قديمة وحصن حجري وحصن رأيته بعيدا مجصص. وقريب منها قرية القرين. وبها مدارس للبنين والبنات ومسجد.
من (أبو هشيم).. إلى رمّان
* كنا نسير على هذا الطريق الجميل وننحرف يمنة أو يسرة لرؤية جبل أو القرب من حصن لتصويره أو نتوقف لتسجيل بعض الملاحظات. وكان العم مرزوق يعصر ذاكرته الثمانينية بين وقت وآخر ليضيف لنا اسما جديدا لجبل أو واد أو قرية.
ومن المضحاة اتجهنا الى الجنوب الغربي مخترقين بلاد بني عمر، أو شاطرينها إلى نصفين غربي وشرقي. ومن هذا الطريق، شاهدنا جبل أبي هشيم وهضبة آل عياضة وجبل العبلاء الذي يتوسط قرية بني عمر بقمته البيضاء من حجر المرو وجبل بارز ثم جبل الحمر. وبعد عدة كيلات؛ عبرنا وادي مَسْور الكبير وقريته. ثم شاهدنا جبل الفريع. وجبل صوفان إلى أقصى جنوبي بني عمر.
* وقبل الوصول الى وادي رمّان. توقفنا لتناول طعام الغداء. وانضم الينا العم مرزوق بن زايد العمري السفياني. فأصبح معي في هذه الرحلة (مرزوقان).. وهما كذلك بما رزقهما الله من تواضع وكرم نفس ومعرفة وعلم بديارهما.
* وقد استرحنا بعض الوقت ثم واصلنا في اتجاه رَمّان أقصى أودية بلاد بني عمر، وأغناها بالفواكه والجمال الطبيعي الأخاذ.
* فإلى هذا الوادي؛ عبرنا وادي العمرو ومن هذا الوادي، نجد أن كافة الأودية في هذه الديار العلوية من السراة. تنكفىء بسيولها إلى تهامة عبر وادي يلملم ثم الليث.
وفي وادي رمان قرية لها دور حديثة متناثرة.
معالم.. ومعالم
* وفي طريقنا لاختراق وادي رَمّان، سألت عن علاقة الاسم ببساتين الرمان اللافتة هنا. وكان الجواب قريبا مما عنّ لي.
فالرمان من أشهر فواكه هذا الوادي
كما سنح لي الوقوف على بعض المرتفعات لتسجيل معالم جغرافية بدت لافتة مثل الجبال المترامية في كافة الجهات من سراة بني عمر. فهذا جبل قوسا وجبل نقب الصلايا وأم بقر والخملاة والخير وشمرخ ومرداس والدبوب والطريقة وأم العبي. وجميعها جبال غاية في الجمال لارتفاعها ولكسائها الشجري الرائع.
* ثم عبرنا أودية كبيرة في أقصى بلاد بني عمر، مثل وادي مرادة ووادي الشدين والعنيق وعفار. وتصب في هذه الاودية شعاب كثيرة. وجميع سيولها تأخذ طريقها نحو تهامة ووادي يلملم بالذات.
الطريق يتوقف..!!
* في وادي رمان الجميل عبّر لنا عدد من الاهالي ومنهم (المرزوقان) خصوصا وهما من مشايخ بني عمر عن تذمرهم من نية بلدية الطائف وقف العمل في الطريق عند حد ربما لا يكمل إلى كافة الاودية والقرى حتى بلاد العيلة. وبلاد العيلة من أجمل البقاع وأغناها بالغابات والتنوع الشجري والجغرافي.
وأعتقد ان طريقا كهذا لا يقدم ما يكفي من اغراضه اذا لم يكتمل.
وهذا الأمر متروك لتقدير معالي المحافظ خاصة اذا أردنا ان نكتشف منطقة جديدة في بلادنا، ومتنفسا بكرا هو بلاد بني عمر. والأمر كذلك في شأن طريق وادي عرضة/ الكر؛ الذي يستلم من بوابة متنزه وادي عرضة، فلابد من التدخل لاعطاء هذا المدخل حقه أولا، ثم فتح طريق الكر الى الخشعة وحِمىَ بلاد بني عمر، وهذا متروك ايضا لهمة معالي المحافظ وحرصه المعهودين عنه.
لماذا يهجر الناس قراهم..!!
* هذا سؤال يلازمني فلا يفارقني خاصة عندما أزور قرى وأودية جميلة غنية في كل شيء، وتكاد تكون مكتفية بأرضها الزراعية ومراعيها الغنية وجمالها الطبيعي الخلاب..!
لكن نظرة فاحصة الى واقع الحال؛ تهدينا الى اكثر من سبب. ففي بلاد بني عمر، كنت أشاهد قرى تكاد تخلو من اهلها تماما إلا من بعض المسنين وعمالة ترعى الماشية والحرث..!
لقد توصلت إلى اجابات أو جزها في الآتي:
1 الطرق.. اذا كانت وعرة عزف الناس وفضلوا المدن.
2 عدم وجود خدمات اساسية، مثل المدارس والصحة والماء والكهرباء والهاتف وغيرها.
3 ارتباط معظم الرجال بوظائف واعمال حكومية.
حلول لابد منها
اذا أردنا الحد من هجرة أبناء القرى الى المدن الكبيرة فإنه يلزم توفير أدنى قدر من سبل الحياة المدنية الراقية، وفي مقدمة ذلك؛ فتح الطرق الى كل القرى، وتوفير المدارس حتى المرحلة الثانوية وحتى التعليم الجامعي في القرى الكبيرة.. وتوفير الهاتف والكهرباء ومياه الشرب، ومعالجة قضية إفساد التربة وتلويث مياه الآبار عن طريق منع التسميد بزبل الدجاج والكيماويات. والعمل على فتح العقبات وربط الأودية والقرى ببعضها.
بين الشفا وتهامة
* في نهاية بلاد بني عمر، تجد نفسك أمام تهامة وجها لوجه. مرتفعات تنحدر بشكل مخروطي لكنها في غاية الجمال. ويشير (المرزوقان) من هنا الى وجود عقبتين فتحهما في غاية البساطة تبدآن من وادي رمان الى وادي الوكار طول الواحدة في حدود 4 كيلات. فهل تستجيب الجهات المختصة لهذا.
ملاحظات ومطالب
* في طريقي وأنا عائد من جهة بلاد ثمالة عن طريق بلاد العيلة، تمنيت لو يكمل طريق بني عمر حتى العيلة ثم ثمالة لنوفر للعابرين طريقا دائريا سياحيا جميلا، وكل المتبقي كيلات قليلة.. لعل وعسى. ثم سجلت ما لاحظته من كثرة رأيتها من اشجار العرعر والطباق والطلح والشث والعتم والهيشر والعفار. وكذلك وجود كثير من المناحل (المقاري) التي تزود السوق بالعسل الطبيعي عالي الجودة.
ولم أنس أن أسجل مطالب أملاها علي (المرزوقان) من أهمها:
1 توفير تعليم متوسط وثانوي.
2 مياه شرب لكثير من القرى.
3 ايصال الكهرباء.
4 ايصال خدمات الهاتف. وابراج للجوال.
5 توفير مراكز صحية.
6 إيجاد مركز شرطة.
7 إكمال الطريق الى بقية وادي رمان ثم العيلة فثمالة..
إن آخر هذه الرحلة؛ هو صوت موجه من كافة أبناء بني عمر إلى الجهات الحكومية المعنية فهل يصل؟!
|