|
|
ولئن لم تجد الكتب الحمر عند الإنسان الغربي الذي تعود الهوى والانطلاق رواجا، فإنها عملت عملها في شعوبنا التي نالت العسف والظلم من الاستعمار، وولى بعضنا وجوههم قبل المشرق؛ يستلهمون ما عرف بأيديولوجية العمال والمضطهدين، علّهم ينفضون عنهم ما تبقي من قوى الرجعية على ما شاع في الخمسينات والستينيات من القرن المنقضي. ولكن لا شيء تحقق للشعوب الضعيفة سوى مزيد من الفساد الإداري وتحكم فئة ضئيلة من أهل النفوذ في موارد الأمة والاستئثار بها من دون الناس. وما يجدر التنبيه اليه في هذه التجربة هو تأجيل عملية الافتراس الكلي الذي وضعته اقتصاديات العالم المسمى بالحر، بعد انتهاء استعمارها للعالم الثالث ومرحلة ما يعرف بالاستقلال الذي شهدته شعوبنا الاسلامية. أي اننا عشنا عهداً قصيرا من أخذ النفس بعد انقباض بذاك الميل الذي ملناه نحو الشرق تارة ونحو الغرب تارة أخرى، بحسب ما تمليه مصالحنا واحساسنا بعظم من هذا الجانب أو ذاك. والحقيقة ان التوازن الذي حققه وجود المعسكر الشرقي قد لعب الدور المهم في منحنا بعضا من اختيار، ان لم يكن شيئا من استقلالية ظرفية فرضتها معادلات كل من الاتحاد السوفياتي الممثلة للاشتراكية والولايات المتحدة الممثلة لليبرالية. لكننا لم نكن في حال من الوعي التي تؤهلنا لاستغلال هذا الصراع، لتحقيق نهضة نستعيد بها خصوصيتنا. إذ إن أقصى ما وصلته النخبة العربية في تلكم العقود اعتمادا على ما لها من تراث ثمين، هو احياؤها لانتماء يعود الى ما قبل الاسلام الممثل بالانتماء العروبي بالمعنى الفكري ممزوجا بشيء من الخيارات الاقتصادية الاشتراكية، وظل البعض الآخر يرى فيما أتى به الاستعمار الغربي من خيارات الاقتصاد المسمى حراً، وأنظمته المرتكزة على أسس من الحرية، وهو الحل لمشاكلنا المتفاقمة. وفي خلال ذلك لم نتقدم خطوة نحو الحرية ولا نحو التصنيع ولا نحو الإبداع بشتى صنوفه. |
[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة] |