لا يواكب نجاح أيَّة صحيفة إلاَّ وعيُ العناصر البشرية التي تتعامل معها، من كتّاب يمدونها بأفكارهم، ومن قراء يمدونها بحاجاتهم...
ولئن كانت الصحافة هي «لسان» المجتمع، فإنَّ المجتمع هو عناصره البشرية منفردة ومجتمعة...
ولقد أخذت «الصحافة» مفهوم «المؤثِّر» ذي الفاعلية الكبيرة حداً وصلت به إلى أنّ تحتل موقع السلطة... وسواء كانت الرابعة أو ما قبل، أو ما بعد، فإنَّها الناطق بمشاعر وأفكار وآمال وطموحات الإنسان فيما يُمثل «المجموعة» التي هي «كتلة» المجتمع الذي هو: آمال الأمة، وأحلام القوم، وطموحات الأجيال...
لذا فإنَّ الصحافة كانت ولاتزال مدرسة...
ولعلَّ من نباهة القارئ تجاه دور الصحافة فيما يتعلق به أن نجد القراء هم الذين ينصبون «محكمة» القرار في شأن مَنْ من الكتاب، ومَنْ ليس منهم «يؤدي» دور المتفاعل مع «هموم» القوم، المناضل في معيَّة الحركة السائدة في مكوكية حركية الأرض وما عليها من أحداث، في محيط أيِّ محيط له علاقة بالإنسان، سواء الاجتماعي، أو السياسي، أو الاقتصادي، أو الفكري والثقافي، أو العلمي، أو الصحي أو ما سوى تلك وهذه في مجالات «معاش» الإنسان... ذلك لأنَّه المقدِّر لتوجُّه فكر القوم ومدى تصور حضارتهم لواقعهم، ومدى مواكبة أحلامهم العليا أو الدنيا نحو خلودية الثابت، ومرونة المتطور في لولبة زمن لا يُبقي ولا يذر...
ولعلَّ من حصافة الكاتب أن يدرك ما هي تفاصيل التفاصيل في كلِّ ذلك كي يمنح ما يمتح من أجل أولٍ هو موقفه الذي يمثله مستقلاً، ومن ثَمَّ موقفه من كلِّ هؤلاء وهذا وذلك من الناس ومن الأمور ومن المجالات...
ثمَّة من يعترض أو يوافق... لكن تبقى للكتَّاب خصوصية الطرح وأسلوب المعالجات... أما المضامين فإنَّها قسراً لابد أن تصب من معين ما يمتح... كي يدرَّ بما يمنح...
هناك من يعتقد أنَّ على الكاتب تجاهل القارئ وأنَّ «سلطته» الاعتبارية فوق مستوى الوقوف عند أعتاب أبواب القراء، ويبقى هنا السؤال: من الذي صنع للكاتب وجاهته ومكانته وسلطته الاعتبارية؟ فهو إن ذهب يكتب ليس للقارئ فهو يكتب لنفسه، ويدور في ملكوتها فكيف يكون؟ أليس هو وذرُّ التراب سيَّيْن؟
أو هو ونقطة الصفر عن اليسار سواء؟... ذلك لأنَّ القارئ في الواقع هو الذي يحرك بوصلة الكاتب نحو توجه موقعه من سلَّم هذه السلطة الاعتبارية...
لذلك فإنَّ مجرد التعالي على القارئ هو تدرجٌ سريعٌ هابطٌ إلى بدء صفر البَدء في سلم التأثير، وسلطة الاعتبار...
الصحافة هي منبر النطق الصاخب الصارخ في هيئة الصمت المقروء... لكنَّ القراءة الآن أصبح لها وسائل كثيرة، وتآخت مع أساليب تنوعت في هيئة الإيصال، فما يُقْرأ يُسْمع، وما يُسْمع يُرى... وما تحت السطور وما فوق الكلمات وما وراء النقاط ليس من حق أحد أن يعطيه القرار أو يمنحه شارة العبور والاستمرار سوى القارئ...
من هنا فإنَّ الصحيفة بكاتبها وقارئها...
وإنَّ سلطتها هي في مدى ما يستجيب الأول لتطلعات الآخر، وما يقدمه الثاني للأول من متابعة الإمداد... ورسم الأحلام والحاجات...
كي ينجحا في رسم آمال الناس...
ووضع الإصبع فوق مكمن الانطلاق لما يكمن في الصدور، وما تعتلج به الأذهان من الأحلام والآمال كي يتحقق للصحافة التأثير الفاعل، وترقى إلى موقع «السلطة» في درجةٍ ما حسب العلاقة بين كتابها وقرائها.
|