* كتب عبدالله الرفيدي:
تتجه الأنظار الى المجلس الاقتصادي الأعلى في تفعيل قرار التخصيص المزمع تنفيذه والذي بدأ بتحويل خدمة الاتصالات الى شركة تعمل وفق متطلبات السوق ومعطيات العمل الخاص للشركات لتستطيع المنافسة أمام المتغيرات الدولية فيما لو فتحت السوق المحلية أمام المنافسة العالمية.
وقد كان العام الماضي 2001 عاماً نشطاً تم تداول فيه قرابة 692 مليون سهم بزيادة 25% عن العام السابق 2000م وبلغت قيمة الاسهم المنفذة في ذلك العام 84 مليار ريال بزيادة 28% عن عام 2000م. وارتفع رأسمال السوق الى 275 مليار ريال أي بنسبة 8% عن عام 2000م. ونرى خلال العام الحالي تداولاً نشطاً معاكساً اتجاه الأسواق العالمية الأخرى واتجه السوق تصاعدياً بعيداً عن المؤثرات الخطرة.
ملكية الدولة والتخصيص
قدرت ملكية الدولة في الشركات بما يقارب 31 مليار ريال في 37 شركة مدرجة في سوق الأسهم وبنسب تصل الى 80% في بعض الشركات وتتركز الملكية في شركة الكهرباء وسابك وبنك الرياض وبعض الاستثمارات، وتقدر كمية الأسهم التي تملكها الدولة بما يقارب 600 مليون سهم هذا باستثناء شركة الاتصالات التي تقدر قيمتها ب60 مليار ريال. وقد يصل اجمالي الرقم الى 100 مليار ريال عند الطرح نظراً لوجود شركات أخرى غير مدرجة. وهذا يعني ان هناك مايقارب 8. 1 مليار سهم فيما لو حسبت قيمة سهم الاتصالات ب50 ريالاً فيما الواقع يرجح ان ترتفع قيمة السهم الى أكثر من ذلك بكثير كون الشركة تحقق دخلاً سنوياً يصل الى 20% من قيمتها، ومازالت الدولة تفكر في كيفية الطرح لهذه الكمية الهائلة من الأسهم وكيفية التخصيص الذي يمكن ان تتبعه ولعلنا نقول هنا ان هناك أساسيات يجب النظر اليها أولاً وهي: عدم تكريس مبدأ الاحتكار مثل ما يحدث في شركة الاتصالات، وإنشاء بورصة وطنية تكفل تنظيم السوق، وفتح الباب أمام الرأسمالية الأجنبية في سوق الأسهم بنسبة تملك لا تزيد عن 5% في الشركة الواحدة، دعم إنشاء شركات سمسرة ووساطة مالية في البورصة، وتخصيص الدولة لقطاعات أخرى يمكن تأجيله والاكتفاء بعد الأخذ في الاعتبار ما ذكر سلفاً بالشركات القائمة مضافاً اليها شركات ومؤسسات غير مدرجة أصلاً في السوق مثل مصافي النفط والزيوت البترولية وخدمات السفن والموانئ وهذه جميعها تعطي ارقاماً أخرى في السوق تقدر بمئات الملايين من الريالات. ولعل هذه المنشآت تعد مداخيل حكومية مربحة جداً ومن المستبعد تخصيص أسهم كبيرة منها. ولكن كيف يمكن ان يكون التخصيص سؤالاً يحتاج الى اجابة غير معروفة حتى الآن حيث ان الدولة في اضيق الحدود بامكانها ان تطرح ضعف كمية ما هو متداول حالياً. ولتلافي ذلك يمكن حدوث الآتي مع الأخذ في الاعتبار وجود البورصة وهي: تمليك الموظفين بالبيع او المنح وطرح الشركات الرابحة أولاً.
وكان وزير المالية قد ذكر في تصريحات سابقة ان الوزارة سوف تبيع الأسهم والشركات الحكومية لجهات حكومية أخرى وهي مصلحة معاشات التقاعد والتأمينات الاجتماعية والهدف من ذلك هو تسديد المديونية التي عليها لهذه الجهات. ولعل هذا القرار جميل ومناسب في شكله ولكن خطورته كبيرة حيث من شأنه ان يزيد من البيروقراطية الحكومية ويعزز من وجودها في القطاع الخاص ويوقف عجلة النمو اكثر مما هي عليه في معظم الشركات التي تسيطر الدولة في مجالس إدارتها.
ولا يمكن الحل لمشكلة الدين بالبيع داخلياً في الدولة بل يمكن ان يكون بغرض ضريبة اضافية على ارباح الشركات وتعزيز القطاع الخاص بالأنظمة المطورة والتسهيلات الإدارية، وذلك لكي يجذب الأعداد الكبيرة من المواطنين مثل ما يحدث في الدول المتقدمة، وعلى المجلس الاقتصادي الأعلى ووزارة المالية عدم الاتجاه الى الحل المطروح خاصة وان دين الدولة مازال في ارتفاع ولن يحل الاشكال بل ان العائد من ريعه سوف تكون دورته في الاقتصاد بطيئة ولن يساهم في بناء الاقتصاد بل في دعم ميزانية وزارة المالية وتسديد بعض ديونها فقط.
وعلى الدولة عدم القلق من طرح شركة مرابحة مثل الاتصالات في السوق بل ان التأخير في الطرح له تأثير سلبي اكثر من النفع والاقبال على أسهمها سوف يكون كبير جداً وسوف تساهم صناديق البنوك بشكل فاعل.
البورصة
وبالرغم من دور مؤسسة النقد التي تمثل الضابط والمنظم الرئيسي للسوق إلا ان السوق مازالت بحاجة الى مواكبة النشاط والزيادة في حجم الاستثمار، حيث خلقت مناخاً للمستثمرين الافراد الذين يشكلون الأغلبية في السوق وهذا المنافس تشكل في إدارة الاستثمار في البنوك والتي تعمل بمبالغ كبيرة في السوق في الوقت الذي تعد فيه الجهة التي يتداول فيها المستثمرون الأسهم وهذا يتناسب وذلك ان الدورين يتضاربان فالمستثمر لا ينبغي ان يكون صانعاً للسوق ويسيطر على وحدات التداول. وقد شكل ذلك منافساً حقيقياً يوجه السوق الى الاتجاه الذي يريد، لذا فان وجود بورصة تحت مظلة مؤسسة النقد تنشأ بإدارة مستقلة ينفق عليها من عائدات السوق كما تحصل عليه البنوك الان وتكون ذات استقلالية تمنع العاملين فيها من دخول السوق. ويكون هناك مكاتب استثمارية للبنوك والشركات والأفراد على حد سواء ويمكن خلق شركات سمسرة خاصة في هذا السوق مثل بقية الأسواق العالمية تتولى الاستثمار للآخرين. وهذا من شأنه ان يعزز توجه الدولة نحو طرح أسهم عندما تبيع حصصها في شركات قائمة او توجه قطاعات تحت إدارتها للخصخصة. مع العلم ان البنوك تستثمر ما لا يقل عن 60% من رأس مال صناديقها في الاسواق الاجنبية أي انها تستثمر ما بين 80 100 مليار ريال. ولن تتردد عندما تجد سوقاً منظماً ونشطاً في العودة للاستثمار في الداخل خاصة وان الدولة بطرحها لمؤسسات أو أسهم لشركات رابحة سوف يغري كثيراً.
ان وجود بورصة يعني توفير فرص عمل وتأسيس شركات استثمارية مالية جديدة. ويمكن لهذه السوق ان تتطور وبشكل سريع نحو تأسيس سوق مالية للسندات والمعادن، بجانب الأسهم.
ويجب الأخذ في الاعتبار ان الإنتاج القومي للمملكة في تزايد مستمر من عام الى آخر وهذا يعني ان هناك حاجة الى قنوات استثمارية لاستقطاب رأسمالي سنوي يصل الى 20 مليار ريال يتم وضعها كودائع في البنوك دون تحريك.
والجانب المهم في وجود البورصة هو ان الاستثمار الاجنبي سوف يتجه تلقائياً نحو السوق المالية بالمملكة عندما يجد التنظيم الواضح ولا يقف أمامه إلا فتح السوق وفق معايير ميسرة مثل تحديد تملك الأجانب في الأسهم بنسبة لا تتجاوز 5% ووجوب اشعار إدارة السوق وغير ذلك من التنظيمات المفيدة والتي لا تؤثر على ملكيات الشركات بشكل جوهري قد يؤثر على الاقتصاد الوطني.
من جهة ثانية فإن فتح السوق الكترونياً باتاحة البيع والشراء عبر الإنترنت والوساطة الحالية عبر العالم يعد خطوة جيدة تساهم في رفع معدلات التداول وتحسين الأسعار نتيجة للطلب.
الشركات المتعثرة والشفافية
ويرى الكثير من المستثمرين ان هناك ضرورة الى إعادة النظر في الشركات المتعثرة خاصة التي للدولة فيها نصيب كبير من الأسهم وسيطرتها على مجلس الإدارة فتملكها، ويواجه المساهمون في العديد من الشركات عدم القدرة على معرفة ما يدور داخلها من قرارات وتراجع في الارباح وتفشي المحسوبية والتكتلات الأسرية او حسب المصالح. وقد كانت وزارة التجارة قد طالبت الشركات بالافصاح والشفافية في الوقت الذي تمنع فيه وسائل الإعلام من حضور الجمعية العمومية. وهذا يعني ان وزارة التجارة والمالية هما اللذان يقودان البيروقراطية في القطاع الخاص وعدم الإفصاح عن المعلومة والسماح للتكتلات من السيطرة وتولية أشخاص غير مؤهلين لقيادة شركات اضافة الى السكوت التام عندما تتعثر شركة وتذهب بأموال المساهمين.
وتعلم الوزارتان ان هناك 400 مليار دولار أموال سعودية مهاجرة تبحث عن الأسواق الآمنة والمجدية لا تجد طريقها الى الوطن لأسباب عدة اهمها عدم وجود قنوات استثمارية واسعة، استمرار تملك الدولة لحصص كبرى في الشركات المساهمة، النظام القديم والمعطل لحركة الاستثمار، عدم وجود بورصة منظمة لتجارة الأوراق المالية. وقد وجد رجال الأعمال من يجذبهم من مسؤولي الدول الأخرى للاستثمار بتسهيلات كبيرة تغري طموحاتهم. أضف الى ذلك المنافسة غير العادلة التي تحدث في السوق المحلي وإغراقه بالسلع الرديئة والأجنبية دون الحماية الكافية وصعوبة انظمة الاقراض لدى البنوك الوطنية وعدم تفعيل دورها لتكون مساهماً في إنشاء مشاريع استثمارية.
كل هذه أمور نتحدث عنها بايجاز من اجل تخصيص ناجح يكفل نمواً للإنتاج الوطني.
|