Sunday 21st April,200210797العددالأحد 8 ,صفر 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

حَاصِرْ حِصَاركْ حَاصِرْ حِصَاركْ
علي الخزيم

في ظل الحصار تتحول شمس اللغة إلى غياهب، والكلمات المنمقة، والخطب البليغة، والقصائد العصماء، الى كسف من الليل، ظلمات فوقها ظلمات، ويصبح اقتراف الكلام اثماً مبيناً، والكتابة خطيئة، وحده الفعل يكون البصيص الذي يضيء الجب الذي نعيش فيه. واهم من يتخيل ان الحصار الصهيوني للمدن الفلسطينية والفضائع النازية التي يرتكبها ضد الشعب الاعزل، حالة فريدة غير قابلة للاستنساخ، واهم لانه لم يقرأ التاريخ جيداً، ولديه ضبابية معتمة لاستشراف المستقبل، واهم لانه لم يفقه فلسفة الاستبداد وجغرافيا المصالح. القدس حوصرت ثم التهمت، وبيروت حوصرت ثم انتفضت فكسرت قيودها وحاصرها حصارها. ومن يدري غداً اي العواصم العربية مدرجة في قوائم الحصار الصهيوني وللحصار ادواته فانه لم يكن بدبابات «الميركافا» وطائرات «الاباتشي» والإف ستة عشر فقد يكون حصاراً اقتصادياً او سياسياً او ثقافياً او نفسياً الى آخر أشكال الحصار. ونحن فقدنا عقولنا لنسأل كيف استطاع شعب مشتت ومنبوذ ان يؤسس دولة على ارض عربية مغتصبة، وفي ما يقارب نصف قرن تحول الى خامس اقوى جيش في العالم وقوة اقتصادية وعلمية لها وزنها الثقيل للدرجة التي ترى اكبر قوة في العالم ان مصالحها مرتبطة بهذه الدويلة وهي بمثابة ولاية لها فيما وراء البحار، ويرى الاتحاد الاوروبي بجلالة قدره وثقل تاريخه الثقافي العريق ان مصالحه ستتضرر بشدة اذا فرض عقوبات عليها. ونحن فقدنا عقولنا لنسأل اين كنا خلال نصف قرن بكل ثرواتنا وطاقاتنا المادية والبشرية؟!. وكيف نجحنا باقتدار ان نطبق الحصار على انفسنا؟ كيف لم تتحول الافكار الفذة والطموحات العظيمة الى مشاريع ومؤسسات، كيف اصبح فعلنا مجرد رد فعل مساوٍ في القوة ومعاكس في الاتجاه، كيف اقتنعنا ان السلام خيارنا الاستراتيجي الوحيد، بينما مضوا هم في خياراتهم العسكرية، كيف تخدَّرنا وصرنا محاصرين بالجهل والفقر والمرض وفساد الادارة والاستبداد وسوء التقدير، واذا ظللنا على هذه الحال فقد نصاب والعياذ بالله بسوء المنظر والمنقلب، لم يتبق لنا ان نفعل في ظل كل هذه الحصارات امام فوهة الوقت سوى ما قال «حمود درويش» في قصيدته الاخيرة «حالة حصار»: نفعل ما يفعل السجناء، والعاطلون عن العمل: نربي الأمل. هذا الذي قال عنه عجز بيت عربي اصيل: ما اضيق العيش لولا فسحة الامل.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved