Sunday 21st April,200210797العددالأحد 8 ,صفر 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

زيارة الأمير عبدالله المرتقبة لأمريكا زيارة الأمير عبدالله المرتقبة لأمريكا
رؤيتان للمباحثات..وطموحات لإيقاف العدوان
د. عبدالله بن موسى الطاير

يصل الأمير عبدالله بن عبدالعزيز إلى واشنطن في مظاهر غير احتفالية فالضيف يحمل في جعبته آمال وتطلعات وآلام أمة بأكملها في ظل هذه الأوضاع المتفجرة في الشرق الاوسط التي تكاد تجر المنطقة إلى حرب، ربما تكون إرهاصات لحرب كونية جديدة، والأمير عبدالله لن يسعى لأن يكون ضيفا بروتوكوليا بقدر ما سيسعى لأن يوظف لقاءاته لصالح القضية الفلسطينية طارحا أمام الإدارة الامريكية تصور المملكة لما يحدث وما قدمته الدول العربية في قمتها الأخيرة من مبادرة كان الأمير هو صاحب مبادئها وهو الآن الذي يعمل على إقناع الطرف الامريكي الذي يرى اهميتها ولكنه لا يتخذ خطوات على الأرض تسمح لهذه المبادرة الاستراتيجية ان ترى النور، الأمير عبدالله يزور امريكا وامامه رؤيتان للمحادثات: الأولى متفائلة بدور امريكي يأخذ في الاعتبار حجم العلاقات السعودية الامريكية والدور السعودي في المنطقة والتوتر الحاصل الذي يشارف على انفجار شامل في منطقة الشرق الأوسط والعالم بسبب مجازر شارون والغطاء الأمريكي لها. هذه الرؤية تجعل مساحة التطلعات أكبر لنجاح الزيارة أما الرؤية الثانية فهي رؤية أكثر واقعية تأخذ في الحسبان الحالة الداخلية الأمريكية وتعقيدات البنية الإدارية في إدارة بوش التي يسيطر عليها الصقور، هذه المعطيات تجعل الأمير يتطلع ليس لأكثر من أن يبقي أمريكا في المنطقة ويُسمع الإدارة الامريكية رأيا مخالفا لما تسمعه من إسرائيل.
والأمير عبدالله يحل ضيفا على أمريكا في ظل معركة داخلية بين طرفين أمريكيين هما الحمائم والصقور في إدارة الرئيس بوش، ففي الوقت الذي فشل فيه زعيم الحمائم باول في زيارته وعاد لواشنطن بنتائج زيارة أصدق ما يقال عنها انها زيارة تكتيكية لخدمة النوايا الشارونية، فإن اليمين المسيحي في الكونجرس قد تحرك فعلا وقدم عريضة للرئيس بوش ينتقد فيها تصريحاته التي يطالب فيها إسرائيل بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية ويدعو إلى وقف إطلاق النار لقد اعتبرت هذه التصريحات ضربة في خاصرة إسرائيل التي تقف في المواجهة مع الإرهاب الفلسطيني حسب رأي الإعلام الصهيوني والمسيحي اليميني المتشدد الذي ينتظر حربا تلوح في الأفق تعجل بعودة المسيح عليه السلام وهي حرب يرى كبار السن من هذه الطائفة المتشددة أنها ستقع في حياتهم لقد استطاع ممثلو هذه الطائفة في الكونجرس ومن يساندهم في إدارة الرئيس الامريكي بوش أن يجعلوا المتحدث باسم البيت الابيض يخرج إلى الصحفيين ويصف شارون بأنه رجل سلام، ولا أدري ما إذا كان ذلك من باب تذكير لجان الترشيح لجائزة نوبل بألا ينسوا داعية السلام في الألفية الثالثة المدعو شارون أو أنها محاولة لتجميل القبيح على غرار البصير والسليم ونحوهما.
والأمير عبدالله يأتي أيضا بعد الرالي الذي استضافته واشنطن لليهود ومناصري إسرائيل والذي تبارى فيه أعضاء الحكومة والنواب والشيوخ في التعبير عن دعمهم المطلق لإسرائيل ووصفهم لكل من حول إسرائيل بأنه يريد رمي الدولة العبرية في البحر وان أمريكا مسؤولة مسؤولية كاملة عن حماية اسرائيل لقد هوجمت المملكة ودول المنطقة ولم يكن الأمير عبدالله غائباً عن الساحة فقد تعرض له أكثر من متحدث واصفين المملكة بأنها تدعم الإرهاب الفلسطيني على حد زعمهم ولن يتوانى الإعلام الموالي لإسرائيل في ممارسة ضغوط على اللقاء المرتقب وتفتيح ملفات كثيرة في محاولة للتشويش على موضوع الزيارة الأساس.
وأما مضيف الأمير عبدالله فليس هو الآخر بصاحب حظوظ كثيرة في اتخاذ قرار جريء من الأحداث الدامية في الأراضي الفلسطينية فأيا كانت نواياه فإننا نشعر كمراقبين بأن الثقة في السياسة الخارجية الامريكية لا تشتكي من العافية، كما ان اي محسن للظن بها لا يمكن أن يصفها بأقل من أنها سياسة تنتهج اسلوب الخداع لمصلحة اسرائيل.
ومضيف الأمير عبدالله يعاني أيضا من تفحيط نتنياهو في الساحة الأمريكية وتكوينه لرأي عام مضاد لبعض التوجهات الرسمية الأمريكية مما يوقع هذه الحكومة في مأزق حقيقي لأنها تقف عاجزة امام التحالف الصهيوني المسيحي المتطرف، فالرئيس بوش يعلم أن انتخابات الكونجرس تحين في نوفمبر القادم وأي نجاح له كرئيس سيساعد الجمهوريين في الحصول على مقاعد أكثر. وبالتالي فإن خطواته يجب أن تكون محسوبة كما أن مؤتمر اللوبي اليهودي في أمريكا سيعقد قريبا وهو يضم معظم الداعمين أو المشترين، وليس هناك من مرشح لا يطمع في دعم من اللوبي اليهودي.
وبدرجة من الواقعية لا نعتقد ان لدى بوش ما يقدمه لضيفه، وإن أراد ذلك، خصوصا ان الضيف لن يرضى بأنصاف الحلول ولم يأت للسلام والتحية بقدر ما جاء ليحث أمريكا على القيام بمسؤولياتها كدولة راعية للسلام ودولة عظمى لها مميزات وأثرة وعليها ارتباطات دولية لا تملك التخلص منها إلا إذا قررت التخلي عن دورها القيادي في العالم وهو ما ينادي به دعاة الانغلاق في أمريكا.
إننا أمام وضع معقد للغاية وأمام إدارة أمريكية لا تملك زمام المبادرة لأنها مشغولة بحربها ضد الإرهاب من جانب وبتوازنات داخلية معقدة من جانب آخر، والمتابع للإعلام الأمريكي سيدرك تماما ان الإدارة الأمريكية عاجزة عن حماية مصالحها التي يبعثرها شارون وغير قادرة على حفظ ماء الوجه ولملمة بعض كرامتها التي يدوسها الصهاينة، فقد تساءل أحد محبي إسرائيل عن طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وما إذا كانت البلايين التي تدفعها أمريكا للدولة العبرية والحماية التي تتمتع بها لا تستحق تنفيذ طلب امريكي بسيط نقله ثاني أكبر رجل في الإدارة الامريكية هو نائب الرئيس الأمريكي الذي أراد من شارون ان يسمح لعرفات بحضور القمة العربية ولم يستجب لطلبه، إن اسرائيل تنتقد في إعلامها والكنيست الإسرائيلي أكثر مما تنتقد في الإعلام والكونجرس الأمريكي، لقد قام الإعلام الأمريكي بنقل حي للرالي الذي نظمه حوالي 40 ألف يهودي ومناصر لإسرائيل يوم الاثنين الماضي في وقت لم ينقل فيه هذا الإعلام المظاهرات التي قام بها المسلمون ومحبو السلام في امريكا لمصلحة الضحايا الفلسطينيين، لقد حشد المتحدثون الرأي العام الأمريكي ضد الفلسطينيين والعرب والمسلمين بدرجة مهينة لأمريكا نفسها ولإعلامها ولسيادتها ولمنطق حرية الإعلام المزعومة، إن مظاهرة مليون أسود أمريكي لم تنقلها قناة واحدة أمريكية بخلاف قناة cnn مع أنهم أمريكيون يعبرون عن رأي عام أمريكي.
أمام هذا التراجع الأمريكي الخطير علينا أن نتصور ما إذا كان الأمير عبدالله يستطيع ان يخرج بشيء من الأمريكيين يرضي الحد الأدنى من الشارع العربي، ولعل اهم ما يريده اي عربي في الوقت الراهن هو إيقاف العدوان الصهيوني على الفلسطينيين، والسماح بقوة فصل دولية، والتحقيق في المجازر التي ارتكبت في حق المدنيين العزل في فلسطين، هذا هو الحد الأدنى المتوقع من إدارة الرئيس الأمريكي بوش وهو الذي سيرضي الأمير عبدالله إلى حد ما ويمهد الطريق لمبادرة السلام أن تأخذ مجراها. إن الشيء الوحيد الذي سيحاول الأمريكيون أن يقنعوا به الأمير عبدالله كما فعلوا مع زعماء عرب آخرين (ربما) هو المؤتمر الإقليمي للسلام تحضره إسرائيل وأطراف النزاع في المنطقة وهي فكرة إسرائيلية تروج لها أمريكا وتدعمها من أجل لقاء بين السعودية وإسرائيل بيد أن هذا المؤتمر هو انقلاب على عملية السلام بأكملها كما كانت اوسلو انقلابا على مدريد، وهو ليس بالفكرة المرفوضة بيد أن المناخ على الأرض غير ملائم لعقده، إذ لا يجب ان يكافأ شارون على عدوانه، ثم إن إسرائيل غير راضية وغير موافقة على أن تقبل فكرة الأرض مقابل السلام وبالتالي فإن أي مؤتمر أو مبادرة محكوم عليها بالفشل إذا كانت إسرائيل سوف تتعامل معها بانتقائية في ظل عدم وجود راع محايد لعملية السلام.
لقد تساءل أحد المتصلين بمذيع متعصب لإسرائيل وقال له: لماذا لا تتجه إسرائيل نحو اوروبا، فهي الأقرب جغرافيا لها، وهي الخبيرة بالمنطقة، فأجابه المذيع بعد الصمت معبراً: لأنه ببساطة لا يوجد لدى أوروبا القدرة على تنفيذ قراراتها ولا يوجد لديها ما لدى أمريكا من نفوذ يجعلها قادرة على اتخاذ أي موقف منفرد، ونحن نتفق مع الرجل في قوة أمريكا العسكرية، فالمتابع لانفاق أمريكا العسكري المباشر في مقابل دول العالم سيجد أنه لا توجد مقارنة، فأمريكا تنفق على عسكريتها نحو 437 بليون دولار في حين تنفق كل من دول حلف الناتو مضافا لها أستراليا، واليابان وكوريا الجنوبية نصف هذا المبلغ تقريبا وتنفق روسيا 60 بليون دولار والصين 42 بليون دولار في حين ينفق معسكر أعداء أمريكا والمكون من كوبا، وكوريا الشمالية، والعراق وسوريا وليبيا وإيران والسودان 15 بليون دولار فقط وهو ما يوازي 4.3% من الإنفاق الامريكي، هذه القوة الجبارة التي تتمتع بها أمريكا لا تستطيع مواجهة الضغط الصهيوني بجماعاته المتعددة على الساحة الامريكية، فيا تُرى ماذا تستطيع هذه القوة المكبلة أن تفعل من اجل ممارسة دورها ومسؤولياتها الدولية. سؤال لن يغيب عن ذهن الأمير عبدالله، وسيوجهه بالفعل للامريكيين، لمعرفة ما إذا كانوا على استعداد لاتخاذ موقف إزاء ما يحدث، وأوروبا فعلا غير قادرة على القيام بمسؤولياتها إذا كانت لا تستطيع الخروج على الإرادة الأمريكية، وبالتالي فإن مصير أي مؤتمر للسلام محكوم بالفشل في ظل عدم وجود التزامات محددة وقوة تستطيع فرض احترام تلك الالتزامات والوفاء بها.
إن زيارة الأمير عبدالله رغم الظروف المحيطة بها والعجز الأمريكي الكبير أمام الضغط الصهيوني المطرد ستكون الفارق بين الحرب والسلام، وبين الأمل والنكسة وبين العقل والجنون، وستكون فعلا مهمة مستحيلة نأمل ويأمل العالم معنا أن يستطيع سموه التأثير على إدارة الرئيس بوش ودفعها نحو تحمل مسؤولياتها الدولية والإنسانية والتزاماتها الأخلاقية.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved