Thursday 18th April,200210794العددالخميس 5 ,صفر 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انفصام رؤية الولايات المتحدة عن واقع الشرق الأوسط انفصام رؤية الولايات المتحدة عن واقع الشرق الأوسط
شيبلي تلحمي

قام وزير الخارجية الأمريكي كولن باول بزيارة مهمة للشرق الأوسط حظيت بالاهتمام العالمي في الأسبوع الماضي، وقد صاحبها وقوع الكثير من الضحايا ومزيد من الدمار في المنطقة، وفي الوقت الذي كان يتجه فيه إلى إسرائيل، أوضحت مهمته مدى انفصام الرؤية الأمريكية عن الواقع سريع التغير في المنطقة. لم يتضح إذا ما كانت إدارة الرئيس بوش قد قامت بإرسال باول إلى الدول العربية أولا قبل أن يصل إلى إسرائيل من أجل إعطاء القوات الإسرائيلية الوقت الكافي للانسحاب من المدن الفلسطينية أم لا، ولكن من الواضح أنه كان هناك هدف آخرمن مسار هذه الرحلة، وهو أن مطالب الرئيس بوش من إسرائيل للانسحاب من الأراضي الفلسطينية لم تثن عزمه عن قيام الزعماء العرب وبخاصة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات بأن يعلنوا على الملأ إدانة التفجيرات الفدائية الفلسطينية بكل صراحة ووضوح، ومن ثم استغلال هذا الموقف العربي من أجل تقوية مطالبه إلى الحكومة الإسرائيلية ودفعها للانسحاب من الأراضي الفلسطينية.
وبعد رؤية الوضع الحالي فإن المشكلة تكمن في أن الولايات المتحدة قد فقدت القدرة على رؤية الأحداث والتي تتغير بسرعة عالية، وفي الوقت ذاته انحصرت مطالب الولايات المتحدة للزعماء العرب في المساعدة من أجل إدانة العمليات الفدائية، ونزع صفة الشرعية عنها في عقول وأذهان الجمهور العربي الغاضب، وإذا ما كان الزعماء العرب قد استجابوا لطلبات باول من دون أن يروا نهاية للعمليات الإسرائيلية التي تقتحم دباباتها المدن ومخيمات اللاجئين الفلسطينية، فإن ذلك كان يمكن أن يكون بمنزلة نزع صفة الشرعية عن أنفسهم وعن شعبهم، مما كان من شأنه أن يزيد من صعوبة مواجهة الزعماء للإرهاب ودفع عملية السلام، أما الولايات المتحدة فهي لا تلقي بالا إلى نظرة الشعب في الشرق الأوسط والعالم ككل للأحداث في الأسابيع الأخيرة، فقد قامت المحطات الفضائية العربية ووسائل الإعلام العالمية بتقديم صور حية لحالات الرعب والفزع في المدن الفلسطينية في الأسابيع الأخيرة، ونقلت المحطات الفضائية والإعلام العالمي صورا حية للفظائع التي تجري في المدن الفلسطينية، وأذاعت مكالمات هاتفية مباشرة من رجال ونساء فلسطينيين يصفون هذه الأحداث بالمذابح والفظائع الوحشية، في الوقت الذي يركز فيه الإعلام الإسرائيلي على حالات الوفيات بين المدنين الإسرائيليين الأبرياء.
وقد مزجت الفضائيات صور الدبابات الإسرائيلية والقتلى الفلسطينيين مع صورأرشيفية لمذابح صبرا وشاتيلا في بيروت عام 1982م، وألقى العرب مسؤولية تلك المذابح في عنق آرييل شارون وزير الدفاع في ذلك الوقت.
ويرى جمهور العرب والمسلمين أن الولايات المتحدة قد أعطت الضوء الأخضر لشارون، وفي ظل مثل هذه الأجواء والتي قد أدت إلى خروج مظاهرات عارمة في كل العالم العربي والإسلامي، فكيف يكون موقف الحكام العرب لو كانوا انساقوا وراء طلبات باول بإدانة العمليات الفلسطينية في الوقت الذي لا تزال الدبابات الإسرائيلية جاثمة على صدور الفلسطينيين، كان ذلك سوف يؤدي بالتأكيد إلى استهانة الشعوب بحكامهم.
ولم تكن هناك صورة أكثر تناقضا منذ بدء التوغل الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية من مطالبة الولايات المتحدة لعرفات بأن «يفعل المزيد» في الوقت الذي كانت القوات الإسرائيلية تقوم بهدم أجزاء من مقر قيادة ياسر عرفات، وتقطع المياه والكهرباء عن مجمعه الرئاسي. وكان الجنود الإسرائيليون يعربدون في البهو السفلي لمقر ياسر عرفات، في الوقت الذي نقلت فيه تليفزيونات العالم أصوات الطلقات والأعيرة النارية من داخل المجمع الرئاسي.
ثم ظهر الرئيس بوش ليعلن إلى العالم بأن عرفات لا يزال «يستطيع أن يفعل المزيد» ولم يشر من قريب ولا من بعيد إلى اعتداءات رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون، وفي الوقت الذي كانت فيه مناظرات في الغرب تجادل حول قدرات ياسر عرفات الحقيقية، كانت الصورة مربكة ومحيرة لشعوب منطقة الشرق الأوسط.
وتواجه الإدارة الأمريكية تحديات غير عادية، فأولا: لابد ألا تقوم الولايات المتحدة بالتهوين والتقليل من شأن الكوارث الإنسانية التي حدثت في المنطقة،ووقوع مئات الجرحى والقتلى من بينهم نساء وأطفال، ومن تدمير للبنية التحتية.والشعور بالإحباط من جانب الشعب الفلسطيني، أما على الجانب الإسرائيلي فقد قتلت التفجيرات الفدائية الفلسطينية الكثير من الأبرياء وخلقت جوا من الرعب، ولذا إذا ما طلبنا من الرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء الإسرائيلي أو أي قادة آخرين من الطرفين أن يقوموا بعمل مفاوضات من أجل وقف إطلاق النار ومن ثم تنفيذ ذلك بالقوة فإن ذلك يعتبر في عداد المستحيل.
ثانيا: التركيز على عرفات وأنه هو الوحيد الذي بيده مفتاح الطريق إلى السلام أو الحرب يصرفنا عن لب المشكلة والأمور الجسام بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وهي كل ذلك التوتر الذي يحدث في العالم العربي واحتمالية تطور الصراع إلى حدود أخرى، وخاصة لبنان وسوريا، مما قد يؤدي إلى تطور الصراع وتحوله إلى صراع بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، والكل سوف يصبح خاسرا إذا ما حدثت مثل هذه المواجهات.
ومجرد تصورنا أن عرفات هو القادر وحده على منع المحاولات اليائسة والنزعات المستمرة للانتقام الفلسطيني فمعنى ذلك أننا نعرض السياسة الأمريكية للفشل قبل أن تبدأ، وإذا ما قمنا بجعل محور السياسة الأمريكية هو ما إذا كنا نعاقب أو نكافئ عرفات، فإن ذلك معناه أننا نتجاهل المسؤولية التاريخية للولايات المتحدة الملقاة على عاتقها في الوقت الراهن، مما سيؤثر في مستقبل عمليةالسلام في الشرق الأوسط، وعلى علاقات الولايات المتحدة مع دول المنطقة ككل، والآن من الصعب مجرد التخيل أننا يمكن أن نعود ثانية إلى طريقة الدعم الدبلوماسي، وذلك لأننا لن نستطيع أن نصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار من دون أن نتبين ماالذي سوف يحدث في المرحلة التالية، خاصة بعدما وصلت ثقة الأطراف بعضها ببعض إلى أدنى مستوياتها، إن ما يتبقى أمام الولايات المتحدة هو توجه شامل:خطة أمريكية يدعمها مجلس الأمن والأمم المتحدة، والتي تحدد على وجه التحديد أبعاد التسوية السلمية، إن مثل هذا التوجه من شأنه أن يوسع من نطاق تلك المبادرة، وتستطيع أن تتخطى شخص عرفات وشارون، وذلك بوضع الخيار أمام شعبيهما اللذين سوف يقومان بمحاسبتهما.

أستاذ بمعهد السادات للسلام والتنمية بجامعة ميريلاند، زميل معهد بروكنجزللدراسات الاستراتيجية.
* كريستيان ساينس مونيتور(خاص) خدمة الجزيرة الصحفية.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved