تهرول أجنحة الهواء البحري نحو وجهك الملتف بغموض الصحراء وأنت فوق جسر البحرين، ذلك الجسر (درب من العشق لا درب من الحجر)، تنتعش روحك باحتفالية الماء.. ذلك الحلم الصحراوي المعتق.
وعلى المداخل دوماً البشر لطفاء دمثون ترطبت ألسنتهم بهواء البحر وتخلو عن جلافة الرمال.
دلمون القديمة تذكرك ب(موناكو) التي تومض بمرح تحت فرنسا الأم الكبرى، ولكن سرعان ما يغادرك هذا الإحساس عندما تصر البحرين أن تعلن اختلافها واستقلاليتها التامة عن الأم الكبرى.
بوصلتك الأهم في أي دولة تذهب إليها هي.. شعراؤها، الشعراء هم الوجه الأصدق، ملحمة (جلجامش) وبحثه عن نبتة الخلود في (دلمون) فَنِي هو وبقيت القصيدة لعل القصيدة وحدها هي التي اكتشفت موقع نبتة الخلود، لأن الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد لقي حتفه أيضا في البحرين، حتفه الذي كان يحمله بيده وهو يتلفت نحو مواطن خولة.
لخولة أطلال ببرقة ثهمد..
تلوح كما يلوح الوشم في باطن اليد
يالهذا العبق الذي تضج به جنيات هذه الجزيرة الودودة، ذلك الكلام المرصود للشعراء فقط والذي تجلبه من الينابيع العذبة التي تتحدى ملوحة البحر وتبقى هناك عذبة هي والأزل سويا، تغزل الشعر وتمنح البحرين هويتها.
البحرين هذه الأيام مزهوة مجلوة بدستورها الجديد وبحناجرها المستردة ببوابتها المشرعة للعالم الجديد، وخيار الغد، تلمس نفحات الحب لملكها في جميع الزوايا والأركان، وبصلصلة الهتافات العارمة التي كانت تصدح في المظاهرات التي كان شعارها(لاشيعية ولاسنية كلنا ضد الصهيونية) الحرية والديمقراطية وحدها هي التي تصنع اللحمة والوفاق الوطني وتوحد الهدف والمصير، لن أبدأ الآن في حديث شعاراتي سياسي ممل ففي حضرة البحرين يكون الزمن مجلواً بهيجا كنجمة بحر توضأت بخيوط الفجر.
تلتمع الجزيرة فوق مفرق الخليج، لها نسيج سجادة الخليج وزخارفها ونقوشها، ولكن لها ايضا خصوصيتها التي تجعلها المكان الوحيد الذي يمنحك حرية النوارس وشساعة المستحيل الأزرق في شعر قاسم حداد.
وبين رسومات ونمنمات هندية مفضضة تزركش أطراف الجزيرة، والأعلام السوداء لبني العباس(أهل البيت) التي تصدح في الأحياء العتيقة وتستنجد بالحسين، وبضع لمسات من فرشاة إنجليزية حذرة ساهمت في إدخال صرامة الانتظام الغربي البارد على الطرقات والمباني والأنظمة، تبزغ هناك (دلمون) جوهرة تلتمع فوق مفرق الخليج، تلدغك بعشقها منذ الخطوة الأولى فتظل أسير أساطيرها ونبتة الخلود التي تختبىء بين صخور شواطئها، وينابيع سحر لا تنضب.
|