أكثر الأشياء أهمية لدى الأمريكيين والتي يدافعون عنها بقوة هو حرية الرأي واحترام الرأي الآخر، والأمريكيون قد لا يوافقونكم الرأي في تقويماتكم إلا أنهم سيقتنعون بأن رأيكم هو رأيكم الشخصي وبأن ملاحظاتكم هي ملاحظاتكم الشخصية، ولهذا السبب خصوصاً يصبح لآرائكم وملاحظاتكم مصداقية وسيعترف حينها بأمانتها.
هذه الملاحظات تأكدتُ من صدقها أثناء جلسة نقاش وحوار بين الوفد الصحفي الخليجي وأساتذة وطلبة الدراسات العليا في قسم الدراسات الشرقية بجامعة كولومبيا. كان النقاش محتداً، واختلاف الآراء واضحاً وخصوصاً عن أسباب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وكانت إحدى الدكتورات وهي اسرائيلية الانتماء والهوى معاً، تقول لنا ولشخصي على وجه التحديد: «لماذا تأتي إلى هنا، وقبلك قدم 15 شخصاً وصنعوا أكبر كارثة في نيويورك!! أنظر خلفك ماذا فعلوا في مانهاتن، ورغم ردي المدعم بالحقائق والوقائع وطلبي منها إعطائي دليلاً واحداً على أن ما حدث لأبراج مركز التجارة العالمي هو من صنع المسلمين، إذ إنني حتى الآن لم أحصل على دليل علمي على ذلك بعد أن حجبت الدلائل والمعلومات، إلا أننا وفي نهاية حلقة النقاش خرجنا وكلٌّ منا يحترم رأي الآخر..»!!
أيضاً في حوارنا حول القضية الفلسطينية ورداً تساؤل الحضور الأمريكيين «لماذا يكره العرب أمريكا»...؟!
أجبت بكل بساطة: «السبب هو أفعال إسرائيل ودعم حكومتكم المطلق لكل ما تفعله من جرائم يرتكبها الإسرائيليون يومياً. هذا هو الذي يضع حاجزاً بيننا وبينكم» نحن لا نكره أمريكا لذاتها، بل على العكس نقدَّر ونثمَّن كل ما تقدمه أمريكا للإنسانية ونستفيد جميعاً من الإضافات الحضارية التي أسهم فيها المواطن الأمريكي، ونحن وإياكم في شراكة حضارية نقدم لكم من خلالها شريان الحضارة المادية.. الطاقة التي تحرك كل مصانعكم، ونستقبل منكم الأدوات الحضارية التي توسع دائرة الرفاهية في حياتنا المادية.. ولا اختلاف بيننا سوى في انحيازكم المطلق لاسرائيل.. عودوا للإنصاف.. عودوا للقيم التي قامت عليها أمريكا.. ترونا معكم في نسق روحي يغطي كل الأخطاء المادية.
وبالطبع سمعنا رداً عن «الإرهاب» وعن حق إسرائيل في الوجود متناسين حق أصحاب الوطن والأرض الذين يقتلون بأسلحة أمريكية.
ساعتان من الحوار والنقاش وتبادل الاتهامات ومع ذلك خرجنا وكأننا أصدقاء نبحث عن نقاط التقاء أكثر من بحثنا عن نقاط تباعد.. وذلك أحد أهم ركائز المجتمع الأمريكي. احترام الرأي الآخر.. بل والدفاع عنه.
|