لم يقل كولن باول وزير الخارجية الأمريكي كلمة واحدة عن المجزرة التي ارتكبتها القوات الاسرائيلية في جنين خلال مؤتمر صحفي مع شارون، لكنه بدا متفهماً لهذه الفظاعات عندما قال إنه لم يتلق من شارون موعداً محدداً للانسحاب، كما حرص على التأكيد على ما أسماه حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها.
ولا يعرف ما إذا كان باول يحمل رسالة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بضرورة الانسحاب الفوري، أم أنه كان يريد أن ينقل رسالة شارون إلى العالم بأن الأمر لم ينته بعد، والأرجح أن المسألة الأخيرة هي التي حدثت.. فالوزير الأمريكي تحدث مجدداً عن حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها، وهو يعرف أن قوات شارون قتلت المئات من الفلسطينيين العزل في مخيم جنين لوحده وأن دماء المذبحة كانت لا تزال ساخنة وهو يتجول في شمال فلسطين المحتلة للاطمئنان على احوال الاسرائيليين قرب حدود لبنان.
وحرص باول، وهو يدعم شارون، إلى ترديد المطالب الأمريكية من عرفات بإدانة العمليات الاستشهادية قبل أن يتسنى له الالتقاء به، كما أن تأجيل اللقاء مع عرفات رسالة واضحة للرئيس الفلسطيني «أنه لم يفعل كل المطلوب منه»... وهي ذات العبارة التي تتردد منذ فترة على ألسنة المسؤولين الأمريكيين تجاه الرئيس السجين المطلوب منه ملاحقة الناشطين بينما هو يفتقر لكل أدوات ممارسة السلطة التي حرصت اسرائيل على إزالتها من خلال حصاره أولاً ومن ثم تدمير منشآت السلطة واعتقال افرادها.وقال وزير الخارجية الأمريكي أول أمس إنه يريد من عرفات «أفعالاً لا أقوالاً».
ويستفاد من وقائع زيارة باول أنها ستؤدي فقط إلى زيادة التعنت الإسرائيلي، وإلى استمرار المذابح الحالية، والتوغل في المزيد من المدن والبلدات الفلسطينية. وقال شارون غداة لقائه المسؤول الأمريكي «إنه ما من دولة ستتمكن من الضغط على اسرائيل لحملها على اتخاذ قرارات»، وفيما كان الوزير الامريكي في القدس المحتلة تحركت الدبابات الإسرائيلية لاجتياح مناطق أخرى في الضفة للتأكيد على أن أي مطلب أمريكي بالانسحاب لا مكان له في الأجندة الإسرائيلية..وحتى التصريحات العلنية لباول لا تحث اسرائيل على الانسحاب وإنما فضل الوزير الأمريكي الحديث عن أن «اسرائيل تواجه أعمالاً ارهابية وان أمريكا تسعى لحمايتها من الهجمات».. وقال إنه مرتاح لأن شارون أبلغه أنه يرغب في إنهاء العمليات في أسرع وقت ممكن.
نشير إلى أن باول كان يتحدث في اليوم الخامس عشر للعدوان، فيما يتوقع مسؤولون اسرائيليون أن العملية قد تستغرق عدة اسابيع أخرى.
وقد بدا شارون وكأنه يقول لباول إن أمر الانسحاب ليس من شأنه، وإن من الخير له إذا كان لديه ثمة ضغوط أن يمارسها على الطرف الآخر..
أما باول فقد بدا وكأنه كان يتحين أي ذريعة لإلغاء أو تأجيل اللقاء مع عرفات ليصب ضغوطه عليه وقد وجد ضالته في العملية الاستشهادية الأخيرة.وأخيراً فإن الولايات المتحدة لا تتعجل أمر الانسحاب هذا طالما أنه يأتي في اطار الحفاظ على الأمن المزعوم لاسرائيل، ووفقاً لذلك فإن السبيل لتحقيق الأمن قد يتطلب اضافة عدة مئات أخرى من الشهداء الفلسطينيين.
|