بصرف النظر عن النتائج التي سوف تسفر عنها زيارة وزير الخارجية الأمريكي كولن باول إلى منطقة الشرق الأوسط، فمن الواضح ان أمامنا طريقا طويلا وشاقا قبل أن نصل إلى اتفاق سلام دائم وشامل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، قبل أي مفاوضات لابد أن يكون هناك وقف لإطلاق النار يعقبه انسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي الفلسطينية، ثم بعد ذلك لابد أن يكون هناك وقف للعمليات«الفدائية» تتلوه فترة بناء الثقة بين الطرفين، ثم بعد ذلك تبدأ عملية المفاوضات والتي يجب أن تتخلى فيها إسرائيل تماما عن المناطق التي احتلتها، وعلى الجانب الآخر لابد أن يكون هناك اعتراف عربي بحق إسرائيل في الوجود والعيش في سلام، ومن ثم إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، هذا هو الحد الأدنى من الأهداف التي ينبغي أن يتم التفاوض عليها.
وقد صرح الرئيس بوش الذي أصيب بالإحباط من كثرة النداءات قائلا: كفى يعني كفى ، ولكنه أشار فقط إلى وقف العنف الحالي بين الطرفين، وهذه فقط يمكن اعتبارها بداية النهاية، أما الحل النهائي فلا يلوح في الأفق حتى الآن، إن الضريبة التي دفعها الطرفان من الدماء كانت غالية للغاية، ولا تزال الجراح تنزف حتى اليوم، فكلا الطرفين يقودهما في المرحلة الراهنة رجال يفكرون في السيف أولا، قبل أن يفكروا في محراث الزرع أو معول البناء، إن ما يحتاجه العرب اليوم هو قائد من طراز نيلسون ما نديلا الذي بالرغم من سنوات الاستعباد والذل والقهر لشعبه استطاع أن يرتفع إلى مستوى رجل الدولة الذي يتحمل مسؤوليته أمام شعبه، واستطاع أن يحقق الانسجام بينه وبين أعدائه في نهاية المطاف، وفي المقابل فإن لدى الفلسطينيين الآن ياسر عرفات الذي بدد كل فرصه من أجل التوصل إلى السلام وتكمن المأساة الحالية أن تواري السيد عرفات في الظروف الراهنة يمكن أن يؤدي إلى ظهور شخص آخر أكثر تطرفا يخلف ياسر عرفات، من الفلسطينيين الذين امتلأوا حقدا وكرها على الإسرائيليين.
وعلى الجانب الآخر، هناك آرييل شارون، والذي تجنح غريزته وتفكيره الأولي إلى استخدام القوة بدلا من المنطق والديبلوماسية، وهو نفسه الذي أطلق عليه لقب «جزار بيروت» بالأمس القريب عندما قام باجتياح العاصمة اللبنانية من أجل أن يطرد حفنة من المقاتلين الفلسطينيين منها.
وقد كنت في إدارة ريجان في ذلك الوقت وأتذكر جيدا النداءات الغاضبة والمكالمات التي أرسلها له الرئيس ريجان والتي حذره فيها أيضا، قائلا: «كفى يعني كفى» مما أجبر شارون على أن يرتدع في النهاية، كما أن شارون يعد هو المهندس الرئيسي لعملية تصعيد بناء المستوطنات الإسرائيلية المستفزة في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومع تفهمنا لمدى الغضب والرعب الذي يشعر به الإسرائيليون تجاه الفلسطينيين الآن بسبب العمليات «الاستشهادية»، فإذا ما سقط شارون الآن فسوف تخلفه أيضا قيادة أكثر تطرفا وعنفا، وفي ظل هذا المناخ من المواجهات التي لا تظهر لها نهاية على الأفق، يجب على صناع السلام من الجانبين أن يتحلوا بالدبلوماسية والمنطق والتسامح، ومن الواضح أنه بين بداية ونهاية الجهود الدبلوماسية لابد أن يكون هناك تدخل خارجي قوي من أجل إبعاد كل من الفلسطينيين والإسرائيليين عن رقاب بعضهما البعض.
وقد أثيرت بعض الأقاويل بشأن وجود مراقبين أمريكيين من أجل جدية وقف إطلاق النار الذي يمكن أن نتوصل إليه، ولكن في ظل الوضع الراهن من تجدد العنف يبدو أن ذلك الخيار أصبح وهميا، وذلك لأن المراقبين الأمريكيين سوف يكونون في خطر داهم، كما أنهم لن يتم قبولهم كمراقبين محايدين، بالاضافة الى أن هناك خياراً لتواجد قوات أمريكية مقاتلة، وذلك لأنهم في هذه الحالة سوف يستطيعون الدفاع عن أنفسهم في حالة الاعتداء عليهم، ولكن القادة الأمريكيين يكرهون مهام مراقبة حفظ السلام، كما أنهم سوف يواجهون نفس المشاكل من حيث عدم القبول من الدول العربية، لأنهم سوف يعتبرونهم أداة أمريكية جديدة من أجل مساندة إسرائيل.
كما يبرز خيار إرسال قوات من الأمم المتحدة، ويتميز هذا الخيار بأن هذه القوات يمكن تشكيلها من قوات متعددة الجنسيات، ومن جنسيات يمكن قبولها من كلا الطرفين، ولكن الأمم المتحدة قد واجهت تجارب مريرة في مغامراتها السابقة في عمليات حفظ السلام، والشعور السائد في العالم أن تلك القوات هي من أجل «حفظ» السلام، ولكن ليست من أجل «صنع» السلام، فيجب بادئ ذي بدء أن يتم إقناع الفصائل المتنازعة بقبول السلام، وذلك قبل أن تأتي قوات الأمم المتحدة، والتي عادة تكون ذات أسلحة خفيفة، وذلك من أجل مهام مراقبة السلام، ولا تزال ذكريات البوسنة الأليمة حاضرة في الأذهان، وذلك عندما تم القبض على قوات حفظ السلام الدولية واتخاذهم كرهائن وتم ربطهم بالسلاسل في الكباري والمنشآت الحيوية في خضم المعارك الطاحنة.
عندما يكون هناك قتال مستمر ودائم، فإننا نحتاج إلى قوات من طراز حلف شمال الأطلنطي «الناتو»، بأسلحتهم الثقيلة والمدفعية والقوات الجوية، وكانت قوات الناتو هي التي قالت كلمة الفصل في النهاية في حرب البلقان لفرض السلام، بعدما فشلت قوات الأمم التحدة في ذلك، ومن المؤكد أنه سوف تشترك عناصر أمريكية في قوات الناتو، ولكن ذلك سوف يكون مستساغا لأنهم سوف يكونون ضمن قوات تحالف أوروبي.
الولايات المتحدة قد تعهدت دائما بالحفاظ على بقاء وأمن إسرائيل، مما جلب عليها عاصفة من الغضب والانتقاد العربي ومن بعض الدول الأوربية، وذلك لأن ذلك الدعم اللامحدود لإسرائيل قد تجاهل حجم الإحباط والمعاناة الفلسطينية، كما أن هناك قلقاً أمريكياً متزايداً من المخاطر الناجمة عن هذا الصراع، والتي من شأنها أن تعيق الحملة الأمريكية، والتحالف الدولي الذي كونه الرئيس بوش من أجل حربه على «الإرهاب».
رئيس قسم العمليات بوكالة ديزيرت نيوز * كريستيان ساينس مونيتور (خاص) - خدمة الجزيرة الصحفية |