Sunday 14th April,200210790العددالأحد 1 ,صفر 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

التعرض لحوادث السرقة التعرض لحوادث السرقة
د. سلطان الثقفي

«طبيعة التعرض لحوادث السرقة بالمملكة» كان عنوان دراسة أجراها الدكتور شرف الدين الملك لحساب وزارة الداخلية «مركز أبحاث مكافحة الجريمة».
وقد هدفت هذه الدراسة إلى:
«1» تحديد دور وإسهام الضحايا في وقوع الحوادث، «2» تحديد طبيعة قابلية التعرض للحوادث، «3» معرفة مدى وجود ضحايا حقيقيين غير فعليين، «4» معرفة مدى شمولية الإحصاء الرسمي.
* وحول الهدف الأول:
تناولت الدراسة مزايا اعتراف المجني عليه بالتقصير في المحافظة على ممتلكاته.
وأكدت على أن مثل هذا الاعتراف هو بمثابة حجر الأساس للوقاية من تكرار التعرض لحوادث السرقات.
وفي جانب آخر يشير الاعتراف بالتقصير إلى وجود قدر من حساب الذات موضوعياً أو سمة النقد الذاتي البناء الذي هو أقوى دلائل التعليم والاستفادة من التجارب الشخصية وإمكانية إفادة الآخرين بها.
فمن منطلق نظري نعتقد أن الشخص المعترف بالتقصير في مثل تلك المواقف هو نفسه المتحكم أكثر في مجريات محيطه والمؤثر أكثر فيها أو عليها فهو بحسب تصنيفات علم الشخصية «إنسان فعال ببؤرة تحكم داخلي أو محرك بذاته وهو أبعد من أن يكون ريشة في مهب الريح» ويقال ان هذه الخاصية تكتسب من خلال التعليم النافع والمميز للفرد عن الآخرين من حيث المسؤولية على أعتاب الآخرين.
فهل المعترفون بالتقصير والإهمال من منطلق الدراسة الحالية هم ضمن من وصفناهم؟ أم للاعتراف لديهم طبيعة مغايرة لطبيعة الاعتراف الذي نقصده هنا؟.
نأسف لافتقارنا إلى معلومات كافية تمكننا من الجزم بصحة أي حكم في هذا الشأن. فثمة جوانب إيجابية وأخرى سلبية للظاهرة حسب نتائج الدراسة الحالية. فمن الناحية الايجابية نلاحظ أن حالات التعليم الجامعي أكثر في أوساط المعترفين وهذا متوقع. كذلك فإن استخدام البنوك لغرض حفظ المال شائع لدى هذه الفئة أكثر مما في الفئة الأخرى، أما النواحي السلبية فإنها تتضمن أن عدد المعترفين ضئيل جدا مقارنة بغير المعترفين.
المعترفون أشبه بالذين يتكرر تعرضهم للحوادث من حيث صغر السن وارتفاع مستوى التعليم والعزوبة ونمط الحياة المنحاز بقوة نحو النشاطات الاجتماعية خارج المنزل وبخاصة في الليل. وكذلك في قلة تبليغ الشرطة بالحوادث، لكثرة السالب مقارنة بالموجب فإننا نعتقد أن طبيعة الاعتراف الواردة في هذه الدراسة مختلفة عن النوع الذي يربط بالتعليم والتحكم في المحيط والتأثير عليه.
ويبدو أن ظاهرة الاعتراف التي وجدناها في البحث الحالي متصلة بما هو نقيض للمفهوم الإيجابي، أي بشعور العجز والضعف تجاه الوقائع وعدم القدرة على السيطرة على مجريات الأمور.
كل هذه الأحاسيس المستسلمة أو سمها مستهترة أو غير مسؤولة تؤدي في اعتقادنا إلى التسيب داخل المجتمع. ولا يمكن تبرير تقاعس المعترفين عن التبليغ بقولهم ان غالبيتهم قد تعرضوا لحوادث تلصص وليس حوادث سطو بالقوة، أو بقوله ان هوايات بعض الجناة معروفة لديهم.
هذه كلها حقائق برزت عند المقارنة، وهي مفيدة في توضيح طبيعة ظاهرة الاعتراف بالتقصير لدى المجني عليهم، ولكنها لا تصلح كمبررات لعدم التبليغ. فالتبليغ والاعتراف هما بمثابة وجهي عملة واحدة وجه يرمز لنضوج اجتماعي وهو إسداء واجب التبليغ، والوجه الآخر يرمز لنضوج سيكولوجي وهو الاعتراف بالتقصير من خلال نقد الذات بموضوعية.
والتوازن بين الجانبين هو المطلوب في تكوين المواطن الصالح وقيام المجتمع المنتج. وفي اعتقادنا أن تغلب النضج الاجتماعي على السيكولوجي يشكل هدراً لخصوصية الفرد وتمايزه، والعكس يذهب تماسك المجتمع ويضعف فعالية مؤسساته.
وللوقاية من تفشي ظاهرة عدم التوازن لا بد من القيام بحملات توعية إعلامية وتعليمية مكثفة تبرز للمواطن أهمية التبليغ عن الحوادث الجنائية مهما كانت تافهة وتحدد لهم دورهم في الوقاية والمكافحة.
* وحول الهدف الثاني:
أوضحت الدراسات أنه رغم وجود نقاط ضعف منهجية فيها فإن بالإمكان وفي حدود المقبول تأكيد وجود قابلية للتعرض لحوادث السرقة في مجتمع المملكة. تقوى القابلية مع صغر السن والتصنيف المهني كطالب والميلاد داخل منطقة الرياض، وارتفاع الدخل الاقتصادي الشهري والعزوبة ومستوى التعليم المرتفع وكثرة الخدم والخادمات بالمنزل، وتعرض أقرباء وقريبات لحوادث سرقة.
وتكون هذه الفروق أكثر وضوحا عند مقارنة الذين تكرر تعرضهم للحوادث بالذين لم يتعرضوا لحوادث إطلاقا وأكثر الفوارق سعة بين المتعرضين وغير المتعرضين يشمل السن والحالة الاجتماعية والمهنة.
أما في المجموعة العامة فإن نتائج تحليل التراجع تبرز خمسة مقومات للتعرض، وهي: عدد الأقرباء الذكور الذين تعرضوا لحوادث سرقة في الماضي والمهنة ومحدودة الدخل اقتصاديا مثل «طالب» وممارسة هوايات أثناء النهار والاعتقاد في كثرة انتشار الحوادث والإقامة بمساكن واسعة من حيث عدد الغرف.
وعليه لا بد من أخذ هذه الخصائص المميزة لجمهور المجني عليهم والمعرضين للحوادث في الاعتبار عند وضع برامج المكافحة والوقاية.
* وحول الهدف الثالث:
أوضحت الدراسة أن الضحايا الحقيقيين أي الذين يتوجسون من احتمال التعرض للحوادث دون أن يكونوا قد تعرضوا فعلا لها هم النساء وكبار السن في المجتمعات الصناعية.
وأوضحت الدراسة كيف أن الخوف من احتمال التعرض يدفع بعض هؤلاء لاتخاذ أنماط حياة محدودة في عفويتها ومتمحورة حول توقع الشر وحماية الذات.
بالطبع لا مجال لفحص نفس الظاهرة في البيئة السعودية، ولذلك لعدم اشتمال عينات الدراسة على كهول ونساء ولكن ما نستغرب أن تكون مستويات الانزعاج تجاه ظاهرة السرقات عالية جدا في كل الفئات ، وهي تبلغ 88% لدى الذين تعرضوا مرة واحدة و91% لدى الذين تعرضوا أكثر من مرة واحدة و81% لدى الذين لم يتعرضوا لحوادث على الإطلاق.
وعلى حين تكون الفروق بين فئتي المتعرضين غير دالة إحصائياً وهذا أمر متوقع ومعقول. فغير المتوقع وغير المعقول والمحير فعلا هو هذا القدر من الانزعاج وسط أشخاص يتميزون بما يلي:
لم يتعرضوا على الإطلاق لحوادث سرقة خلال السنوات الخمس المنصرمة.
قابلية التعرض للحوادث لديهم منخفضة حسب معيار البحث الحالي.
لم يتعرض كثير من أقاربهم أو قريباتهم لحوادث سرقة.
هم أكثر الفئات اعتقاداً في ندرة أو انعدام ظاهرة السرقة في المجتمع.
من أين إذن يأتي كل هذا الانزعاج؟ ما هو مصدره الرئيسي؟ وهل يعقل أن يكون شخص منزعجاً من ظاهرة إجرامية ويتصور في ذات الوقت أن الظاهرة نادرة أو معدومة؟ لربما تكون ردود الفعل هنا مرتبطة بموقف المقابلة الميدانية، والتفاعل مع الباحثين. ويتحمل أيضا أن تكون دالة على وجود قلق غير موضوعي ولكن حقيقي في أوساط هذه الفئة رغم تشابه أنماط حياتهم بأنماط حياة الضحايا الفعليين، أي الذين تعرضوا فعلا لحوادث سرقة قادت إلى شعورهم بالانزعاج من خلال تحليل التراجع.
وقد عين التحليل أربعة أسباب احتمالية للانزعاج، وهي: ارتفاع مستوى التعليم وجودة العلاقة بالجيران وتصور انتشار حوادث السرقة وقلة الأصدقاء خارج الحي وكثرتهم بالداخل ولكن كما أسلفنا يقوي ضآلة القيم الإحصائية لهذه الأسباب الاعتقاد بأن هناك عوامل أخرى غير هذه لها تأثير أكبر على الشعور بالانزعاج.
وقد أكدت الدراسة على حقيقة أن شعور المواطنين بالأمان في ممتلكاتهم وأرواحهم هو قاعدة الاستقرار الاجتماعي المهيئ لفرص الترقي الحضاري. وعليه فإن من أهم الأمور تحديد مستوى الإحساس بالأمان في نفوس المواطنين بطرق مدروسة علمياً وفي أوقات منتظمة.
كما أظهرت الدراسة أن ظاهرة الانزعاج من حوادث السرقة منتشرة وسط شريحة من المواطنين لبعضهم أسباب مادية وللبعض الآخر أسباب معنوية فقط. ونستخدم لفظة منتشرة بدلا من مرتفعة أو قوية لأننا في هذه الدراسة اكتفينا بتحديد مدى الوجود عوضا عن تحديد شدة الظاهرة في النفوس.
ولكن لخطورة ما توصلنا إليه نوصي بتصميم مقياس مستقل ومقنن لأجل قياس شدة الانزعاج والقلق في نفوس الأفراد تجاه كل أنواع الجرائم وبعد ذلك يتم تحديد آثار الانزعاج على مجرى الحياة اليومية لدى الأفراد.
* وحول الهدف الرابع:
اتضح أنه عندما يتقاعس واحد من كل ثلاثة أشخاص مجني عليهم عن تبليغ الشرطة بجريمة وقعت في حقه فإن هذا من أخطر الأمور ولا سيما أن السلوك يدعم السراق ويشجعهم على تكرار أفعالهم المرة تلو الأخرى دون خوف من رادع.
والأنكى من هذا أن عدم التبليغ يضع سلطات الأمن بكل فروعها في محيط مظلم يصعب فيه تبيان أشكال وأحجام الحوادث لغرض معالجتها والتعامل معها بفعالية.
وقد كشفت هذه الدراسة رغم محدوديتها حقيقة أن ثلث المجني عليهم لا يقومون بالتبليغ فما بالك في دراسة أوسع وأصدق تمثيلا لجمهور المجني عليهم في حوادث السرقة في المملكة فلربما جاءت بنتائج غير محببة أكثر من النتائج الحالية.
عموما لقد نجحت هذه الدراسة إلى حد ما في محاولة تحديد الخصائص الاجتماعية والشخصية التي تميز المبلغين عن غير المبلغين.
كذلك لاحظنا أن التبليغ أكثر في حالات الحوادث التي تقع خلال أيام الأسبوع، وليس العطلات، وبخاصة حوادث سرقة السيارات وجرائم السرقة عن طريق الكسر والسطو.
والجدير بالملاحظة هو أن بين فئة غير المبلغين وفئات الذين يتكرر تعرضهم للحوادث والمعترفين تشابهاً كبيراً من حيث السن والحالة الاجتماعية والمهنة وتعرض الأقرباء والقريبات لحوادث.
ومن شأن هذا التداخل الواضح بين كل فئات المعرضين للحوادث توفير الجهد في تصميم برامج التوعية الوقائية وفي توجيهها بقدر من التركيز يضمن نجاح محاولات خلق جيل من الشباب يسهم إيجابيا في إحلال الأمن من خلال نقد الذات وتبصير الآخرين، والتفاعل مع سلطات الأمن بإخلاص وجدية.
وكخطوة أولى نوصي بتكوين فئة صغيرة من المواطنين تتوافر فيهم الخصائص المميزة للضحايا، ويقوم خبراء من وزارات الداخلية والتربية والشؤون الاجتماعية ورعاية الشباب بتدريب وتوعية هذه الفئة من خلال دورات محددة وبرامج مدروسة ومتفق عليها، ثم توكل لتلك الفئة مهمة مخاطبة الجمهور من كل مواقع الإعلام وبخاصة التلفزيون ومنابر الندوات والمؤتمرات الجامعية.
ومن أجل تقويم مثل هذه البرامج فلا بد من إجراء المسح مرة أخرى بعد فترة من تطبيق البرامج بتوقع ارتفاع في حالات الاعتراف بالإسهام وحالات التبليغ عن الحوادث دونما أن تكون الزيادات مرتبطة سببياً بعامل غير عامل تطبيق البرامج.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved