Sunday 14th April,200210790العددالأحد 1 ,صفر 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

حضر«المطر».. غاب«الهاتف»..؟! حضر«المطر».. غاب«الهاتف»..؟!
حمّاد بن حامد السالمي

.. منذ صباح يوم الأربعاء الفارط، وحتى لحظة كتابتي لهذا المقال، وأنا أعيش في عزلة عن العالم من حولي..! أجريت اتصالات من الهاتف، الجوال، بعد أن صعدت السطوح مرة، واعتليت قمة الجبل المجاور لداري مرات، تحت زخات المطر طيلة النهار والليل..! من أجل أن أتمكن من استخدام هاتفي الجوال أو«المحمول»، للاتصال بالمسئولين في الاتصالات السعودية، لكن الهواتف الجوالة لهؤلاء المسئولين مقفلة، والثابتة في مكاتبهم لا حس هناك ولاخبر..!
..حاولت عدة مرات في عزم وإصرار، مع الرقم اللطيف الجميل، المسجل في الدليل«904» لكنه يبدو وكأنه موضوع للزينة..! لأنه مشغول على الدوام. أما في وقت الصلاة، فرسالته واضحة ثابتة محفوظة:«حان الآن وقت الصلاة.. اتصل بعد الصلاة»..!
.. وتتصل بعد الصلاة مثلما طلب منك، لكن هذا الرقم دائماً في شغل شاغل، كان الله في عون كل المأمورين والمشغولين..!
.. وعندما رآني الجيران على هذا الحال، من الصعود تارة، والهبوط تارات، شكّوا في أمري، وربما كان منهم من شكّ في عقلي..! لكنهم عندما عرفوا السبب، بطل عندهم العجب، فضحك من ضحك، ومُطَّ كثير من الشفاه تأسفاً وتحسراً. فسارع من بينهم، من خفف عني وطمأنني، بل وأفادني، بأني لست وحدي في وحشة من هاتفي..! الهاتف الذي سماه العرب ذات يوم،«مَسَرَّة».. فإذا هو ينقلب عندي اليوم الى«مَضَرَّة»..! إنهم جميعاً في عزلة ووحشة، لأن آلاف الخطوط الهاتفية في محافظة الطائف، دخلت فجأة في بحر من مياه الأمطار، فهي مازالت ترقد أو تنام، أو تسبح تحت الماء..!
.. وصباح يوم الخميس الفارط، التالي ل«مطر الربوع»، جاءني من أخبري بالسر العجيب، الذي هو وراء غرق هواتفنا، والمتسبب في سقوطنا في لجة من الحيرة والاضطراب، نتيجة فقدنا إياها فجأة، دون سابق إنذار أو إخطار..! قال:إن«كيابل» الهواتف تحت الأرض، هي من النوع العتيق القديم الرقيق، الذي يهوى شرب الماء..! فإذا شرب ماء المطر. فتشبع به، وشبع منه، شرق..!، ففقد حرارته، وضيع دفئه، ونام قرير العين في«عسل» الحفر والطين..! حتى يأتي إليه من يوقظه، من خبراء الهاتف، وعلماء أسلاكه وشباكه، فينزحوا عنه الماء، ويرفعوا عنه الطين، ويصبوا عليه«سكر» الجبس الأبيض..! لاسترضائه واستعطافه و«استنشافه»..! فإن قبل منهم هذا الكرم«الجبسي» الأصيل، تبدأ حينها أولى خطوات انتشاله من الغرق، فيسمح للجبس أن يمتص عنه ما علق به من ماء، وما لحق به من غرق، فيعود رويداً إلى طبيعته الجافة.. ويسمح للحرارة أن تجرى في عروقه، ولأنفاس الناس وآهاتهم، أن تسري في جوفه، ولأصواتهم وهمساتهم، أن تعبر من خلاله..!
.. وفي غمرة هذه الوحشة الكئيبة، التي حلت بي وبآلاف الناس في الطائف«المأنوس»..! نتيجة فقدنا لهواتفنا فجأة، ولانقطاع الصلة بيننا وبين شركتنا«الأم الوحيدة»، جاءتني أصوات من بعيد، تعزيني وتواسيني، وتقول لي بالفم المليان: لست وحدك.. لست وحدك..! فهذا صوت من تربة، وصوت من الخرمة، وثالث من مكة، ورابع من الباحة، وخامس من الليث.. ومن جهات عديدة، عمتها رحمة السماء يوم الأربعاء، فانقطع عنها الهاتف بسبب الماء..!
.. إن«أمنا» ال..«عزيزة».. الوحيدة، التي لا تبخل علينا بحنانها عبر أسلاك الهاتف، وبحبها من خلال الفواتير المثقلة بالأرقام، فنمحضها مقابل حنانها وحبها لنا، سيلاً من لبن وفائنا لها،«منقوداً» بالريال، عبر البنوك والمصارف، ونمنحها كذلك، صبراً جميلاً طيلة هذه السنين.. هي.. هي أمنا، التي نراها اليوم وهي تسقط أمامنا في أشبار من مياه الأمطار.. فماذا نفعل..؟ وهي التي لم تفكر حتى اليوم في تحديث الخطوط الأرضية، أو تبديل«الكيابل» القديمة المتآكلة.. بل هي التي ينطبق عليها قول بعضهم في الزمن القديم، عندما سئل من آخر: كيف أصبحت..؟ قال:«أصبحت أحب الفتنة، وأكره الحق، وأهرب من رحمة الله»..! تحب المال حباً جماً، وتكره أن تموت في شبر من ماء، وتهرب من المطر إذا جاء..! فهي لا نراها في مثل هذا الظرف، تستجيب لنداءات عملائها، ولا تستقبل مكالماتهم، ولاتسارع إلى إصلاح ما فسد من خطوطهم، ولاتفكر في تعويضهم عما لحق بهم من أذى وأضرار.
.. لا أدري ماذا لدى شركة الاتصالات من قول أو عذر، ترد به على آلاف المشتركين الذين تعطلت مصالحهم، والذين تأذوا بسبب إهمال الشركة لخطوطها الأرضية، وعدم صيانتها..؟ أو بالأصح، عدم تبديلها، وقد بليت مع طول المدة، وتحول العالم عنها إلى ما هو أحدث وأفضل..؟
.. إن كافة الشركات التي تحترم عملاءها، وتحرص على سمعتها، وتنظر إلى مستقبلها، من خلال خدمة أفضل للمتعاملين معها، تبدي تعاطفها مع من يتضرر بسببها، فتعتذر علناً، وتسعى عملياً إلى التعويض، وتجهد حتى لا يتكرر الخطأ أو الضرر، والهواتف الثابتة في بعض المناطق، تسكت فجأة إذا أرعدت السماء أو أبرقت، فأرسلت مطرها مدراراً. والهواتف الجوالة، تفقد حاستها إذا دخلنا بها غرف بيوتنا، أو ابتعدنا بها قليلاً عن الأبراج..!
.. إن الحالة التي مرت بها الطائف نهاية الأسبوع الماضي، ومرت بها مناطق أخرى غيرها، وفيها تعطلت آلاف الهواتف، ليست جديدة، لأنها تحدث كلما جادت السماء بالغيث، وسوف تتكرر إذا لم تنظر لنا الشركة على أننا عملاء أمناء معها، ندفع لها كل شهر، مئات الملايين من الريالات، وفق أعلى تعرفة للهاتف في المنطقة، فنحن بذلك، نستحق منها خدمة أفضل، أو على أقل تقدير، توازي ما ندفع لها. وهي مطالبة اليوم بعد الذي وقع، بتقديم الاعتذار لآلاف الناس الذين تسببت في إلحاق الضرر بهم، والعمل على تعويضهم بالطريقة التي تراها مناسبة، والعمل بسرعة وجدية، على تحسين مستوى الخدمة للهاتف الجوال، والهاتف الثابت، في كثير من المناطق والمواضع، التي لا توصف بأقل من كونها، سيئة السمعة في هذه الخدمة.
.. من مثل الشعراء، بمقدوره تصوير«الوحشة»، في غياب الهاتف، ومثل نبض الشعر، في بيان مقدار«المضرة»، عندما تتعطل في البيت «المسرة»..!
.. هذه الشاعرة«سعاد الصباح»، تخاطب هاتفها«الأسود»، بعد أن أصابه العطل، وحل به الخرس، فهو لايرنّ ولا يجيب، فليس إذن على الخط، حبيب أو وجيب:


أيها الأبكم الأصم تكلم
وترنَّم ولا تحطم غروري
أنا عانقت فيك لهفة روحي
أنا مثلت فيك فيض شعوري
أنا رقرقت فيك حرقة قلبي
وجوى خاطري وحر سعيري
لتدب الحياة فيك لتصحو

من سبات الردى وصمت القبور
.. وتقول:


أيها الأبكم الأصمُّ تحرك
يا جماداً يحيا بغير ضمير
لا تثرني بلونك الأسود الجهم
وتهديد صمتك الموتور
لا تدعني أهوي عليك بسخطي
ثم أذروك كالهشيم النثير
لا تثرني فطالما كنت سلوا
ي وعوني ومنقذي ومجيري
كم تلقيت لي سطور حنانٍ
مشتهاة حروفها من نور
كم ترفقت بي وأسعدت عمري
بلقاء الحبيب عبر الأثير

fax:027361552

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved