لعله من المفيد أن تكون في امريكا وخصوصاً عاصمتها واشنطن أثناء بدء الهجمة العدوانية للإرهابي شارون وارتكاب جيش «الدولة» الاسرائيلي العديد من المجازر، لتدرس الموقف الامريكي الرسمي والشعبي تجاه هذه التجاوزات اللاانسانية.
والذي يخرج به الدارس والمراقب «المحايد» وإن كان مستحيلاً للعربي ان يكون مراقباً محايداً وهو يرى التناقض المستفز والتحيز الفاضح في الموقف الامريكي للانتماء الانساني، ففي الوقت الذي يردد فيه الامريكيون ليل نهار معارضتهم للارهاب ويشنون حرباً لمكافحته، يصرون على ان كل ما يقوم به جيش اسرائيل من اعمال ارهابية ووحشية انما هو نوع من أنواع الدفاع عن النفس، وعندما نواجه المسؤولين الكبار الذين التقيناهم في واشنطن بالمجازر التي ارتكبها جيش شارون، يقولون إننا لانعتبر«ارهاب الدولة» ارهاباً وإنما هو جيش يدافع عن بلاده، فالجيش الاسرائيلي برأيهم يقوم بعمل وقائي لمنع العمليات «الانتحارية» وانما العمل الارهابي هو تلك الاعمال التي تستهدف رواد المقاهي والمطاعم والاندية الليلية والمراقص..!! يقصدون بذلك العمليات الاستشهادية..!!
وبسؤالهم لماذا لا تدينون ارهاب الدولة..؟!! يردّون عليك بكل بساطة وبابتسامة صفراء، بأن جيش اسرائيل يقوم بعمل وقائي. فنرد عليهم: «إن هذا الجيش يبيد شعباً كاملاً، ألم تشاهدوا المجازر في مخيم جنين ومخيم بلاطة ومدن نابلس وجنين وبيت لحم ورام الله والخليل.. فهل كل الشعب الفلسطيني ارهابيون، ام أنكم تطلقون يد الارهابي شارون لتنفيذ مخطط استراتيجي بعيد المدى ثبت فشله بعد سقوط نظرية «الشرق أوسطية» وتأمين الأمن الاستراتيجي في المنطقة...؟!!
يردون برفع حواجبهم «تعجباً».. ونجيب شرحاً معيدين الذاكرة الى عام 1996 يوم عقد المؤتمر الاقتصادي للشرق الاوسط وشمال افريقيا في الدار البيضاء، فيومها وزع على هامش المؤتمر بيان موقع من وارن كريستوفر وزير خارجية امريكا آنذاك وشيمون بيريز وزير خارجية الكيان الاسرائيلي ووزير خارجية تركيا دون علم البلد المضيف المغرب، وكان البيان بكل بساطة يدعو الى تكوين منظومة أمنية استراتيجية من امريكا واسرائيل وتركيا لضبط أمن الشرق الاوسط.. او لنقل حكم المنطقة.. ويدعو البيان الى اخضاع الأنشطة الاقتصادية وفق شراكة بين دول المنطقة بما فيها اسرائيل والولايات المتحدة تحت ضوابط الامن الاستراتيجي المكلف به «الحلف الثلاثي».
نعود لما يجري الآن في فلسطين المحتلة، فالانتفاضة الفلسطينية الثانية بعد الاولى تهدد بسقوط الضلع الاهم في هذا الحلف الجهنمي، ولذلك فقد استوعبت الانتفاضة الاولى بمجموعة من الاتفاقيات التي لا تساوي حتى الورق الذي كتبت عليه، واليوم تتواصل الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي تجاوزت مرحلة الاستيعاب، ولذا فقد أطلقت واشنطن يد شارون لإجهاضها عسكرياً رغم ان كل الاستراتيجيين والسياسيين الاكاديميين في امريكا يرون ان شراكة شارون في إجرامه سيرتدُّ ليس على اسرائيل وحدها بل سيطول مصالح امريكا في المنطقة.
|