لا يتوقف مرض الضمير عند الإنسان في محيط الإنسان الذي نعرفه.. يعيش معنا، أو قريباً منا، نعمل معه، أو نتعامل...، الإنسان مطلق إنسان في هذا الوجود يمارس ما يمارسه كلُّ يُسبغ بصفة البشريَّة، وينضوي تحت نوعها...
ولا أظهر من أمراض الضمائر مما نعيشه الآن في اللحظات الراهنة على ساحة الأرض، يذهب ضحيَّته الشعب الفلسطيني، وتقع تحت وطأته الدول العربية والمسلمة...
فهل هناك مرض ضمير أشدُّ مما هو عليه ضمير من «يدَّعون» العدل، والحق، وهم: يظلمون، يتجبَّرون، يستغلَّون قوتهم في تحقيق مطامحهم الخاصة على حساب أصحاب الحق، يعيقون الإخوة والمتألمين والمؤمنين بقضايا الحق والسلام عن أداء أدوارهم بتسلُّط قوتهم الماديَّة، بل أسلحتهم الفتَّاكة؟ يراوغون؟ يفرِّقون؟ يستغلِّون، ينهبون، يتستَّرون، يذهبون عن أي طريق ملتوٍ، مظلمٍ كي ينفِّذوا ما يريدون؟ أيُّ أمراضٍ قاتلة للإنسان في صدور هؤلاء، لا تجعل لضمائرهم قدرة على الشفاء؟... بل هم لا يسعون إلى شفائها، يحسبون أنَّ قواهم المادية هي الحصن، وأنَّ لا أحد يستطيع أن يقف أمامهم، أمام سطوة جبروتهم وتكبُّرهم بعلمهم، وقدراتهم، وآلياتهم، وصناعاتهم، هؤلاء لايحتاجون إلى حبة ولا إلى حبوب، ولا تكفيهم أن تصنِّع لهم كافة مصانع الأخلاق، ودساتير الآداب، العلاج.. لأنَّهم قد أصيبوا بالصمم والعمى والبَكَم في ضمائرهم...
هؤلاء لن يكون لهم من طبيب إلاَّ اللَّه وحده تعالى..
يعالجهم بعقابهم، ويأخذهم بظلمهم، ويرمي بهم في أتون أمراضهم، فلا يقوون على النهوض، ولا يستطيعون الفكاك...، ولا يأوون إلى راحة... ولن يكون لضمائرهم فرص التوبة، ولا اليقظة، ولا العفو...
إنَّ لوحة الحياة في كل شوارع وأزقَّة وانقاض ومقابر فلسطين تشهد على نمطيَّة أمراض الضمائر التي يمارسها من الناس أشدُّهم فتنة، وأكثرهم فساداً، وأعظمهم جرائم، وأبعدهم وحشيَّة، وأفقرهم عقلاً وحكمة، وأبعدهم عن الحق والعدل والحريَّة... هؤلاء الذين كشفوا عن صدورهم، وعرَّوا أنفسهم، واستثمروا قواهم في الباطل... في هذه الحقبة التأريخيَّة التي يأخذ فيها أمر الدنيا مرحلة من مراحل التأريخ في المنطقة العربية على حدِّ مكاني وزماني مؤرخ، وهو أيضاً على ساحة القرار السياسي العالمي الذي يشفُّ عمَّا في صدور الساسة العالميين ذوي القرار والاختيار من أمراض لا يقوى على مواجهتها إلا اللَّه تعالى الفاعل في الأمور، المقتدر في التدبير، الكبير على كلِّ من تكبَّر وتجبَّر...
فالحديث عن مرض الضمائر لا يتجه إلى الأمراض الخاصَّة بالأفراد من بني البشر في هذا الوقت، وحدة الموقف تفترض النظر إلى أسباب هذه الحرب، ودوافعها، وآلياتها تلك التي تحرِّكها ضمائر مريضة، سقيمة، خالية من الإيمان، مجردة من دعائم الحق الذي يدعو له، والفضيلة التي ينشدها، والعدل الذي يطلبه...
وهي ضمائر محرِّكة للدمار، والظلم، والرذيلة والفساد... وقد ذهب ضحيَّتها الشباب والشابات، والأطفال والرُّضَّع، والنساء والصغيرات، والبيوت ودور الأعمال، والوثائق والحقائق، والشجر والطائر، ومصادر الدواء والغذاء، والكساء والمأوى... فأي صحة لضمير الإنسان المسؤول في هذه المعركة الخاسرة على كافة الأصعدة؟...
ألا فليحفظ اللّه لنا الأحساس
ويقظة الضمير...
كي...
نمضي في الشعور الصادق نحو أن نفعل شيئاً، ولو المال، والدعاء، واللَّهُمَّ.. امنحنا علاجاً لضمائرنا كي لا نصل إلى سقمٍ يفتك بها، وبنا أو داءٍ نعجز عن مداواته.
|