Saturday 13th April,200210789العددالسبت 30 ,محرم 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

روايات بعض الناجين من مجزرة القرن الواحد والعشرين في مخيم جنين روايات بعض الناجين من مجزرة القرن الواحد والعشرين في مخيم جنين
أحد الناجين أجبروه على خلع ملابسه بالكامل بالرغم من استسلامه وأطلقوا عليه أربع رصاصات فأردوه قتيلاً

  * رام الله نائل نخلة:
«طلب منه جنود الاحتلال ان يتقدم نحوهم وهو يرفع يديه على رأسه، ثم اجبروه على خلع ملابسه كاملا والانبطاح على الأرض، وبعد ان قيدوا يديه إلى الخلف، اطلقوا عليه أربع رصاصات في الصدر من مسافة صفر» هذا ما يرويه احد الناجين من مجزرة مخيم جنين شمال الضفة الغربية. ويقول الشاب خالد تركمان«23» عاماً من سكان المخيم لمراسلنا الذي يقيم الان في بلدة رمانة قضاء جنين بعد ان ابعدته سلطات الاحتلال بالقوة عن المخيم قبل نحو ثلاثة ايام«بعد ان قتلوه سحبوه الى داخل البناية التي كان جنود الاحتلال بداخلها وهي قريبة من ساحة المخيم الرئيسية، وكنا نراقب ما يحدث من نوافذ البناية المشرفة على المكان الذي احتمينا فيه مع عدد من الاسر والشباب».
ويتابع تركمان«اقتحم الجنود المنزل الذي كنا بداخله مع عشرات الاسر، واقتادونا مع عشرين شابا الى الخارج، وطلبوا منا ان نحمل جثمان الشهيد التي تعود وبحسب بعض الشباب ل عبدالكريم صباغ، وهو شخص مدني ولم يكن يشارك في اعمال المقاومة، ورميها في الشارع الا اننا رفضنا ووضعنا الجثة في داخل احد المحلات التجارية في المخيم واغقلنا عليها الباب».
وبحسب رواية الشاب تركمان نفسه فانه يتوقع ان يكون هناك عدد كبير من الشهداء والجرحى في المخيم، خاصة انه وطوال الايام الماضية لم يكن القصف يتوقف للبيوت والهدم العشوائي للمنازل دون اية انذارات.
ويتابع تركمان«ونحن في طريقنا الى خارج المخيم، كانت الطائرات المروحية تقصف المنازل ومن بين البيوت التي تعرضت للقصف، دار ابو خالد السعدي بجانب مقر الوكالة في المخيم، وبحسب معلوماتي فانه في داخله كان يتواجد خمسة اشخاص اظن انهم قتلوا جميعا، لقد شاهدت بعض الاشلاء المتناثرة حول المنزل المدمر».
ناج اخر من المجزرة يقول «للجزيرة» وقد طلب عدم الكشف عن اسمه انه يوم الاثنين تمكن من الوصول الى بعض الزقاق في حارة الدمج وحارة الحواشين ولقد شاهدت عشرات الجثث ملقاة على جوانب الطريق.
ويتابع«لقد حوصرت أكثر من 24 ساعة داخل الحارتين وكنت مسلحا، ويا هول ما رايت؟، لقد شاهدت الجثث متناثرة في كل مكان والتي اقدرها بخمسين جثة، ومن بينها كانت هناك جثة امراة».
ويذكر الشاهد الذي يعمل في احد الاجهزة الأمنية الفلسطينية انه رأى عملية اعدام لشاب اسمه عادل عندما حاول الخروج من منزله في حارة الدمج، لقد اطلق عليه قناص اسرائيلي النار فأرداه قتيلا، وقصفت الطائرات المنزل الذي كان يتواجد بداخله عدد من رفاقه الذين تمكنوا من الانسحاب.
لا أعرف اين اطفالي
كثير من العائلات في المخيم تفرقت عن بعضها البعض ولم يعد احد يعرف عن الاخر شيئا، الشاب انور السعدي الذي اعتقل مع شباب حارته واقتيد الى معسكر للاحتلال بالقرب من مدينة جنين لا يعرف شيئا عن اطفاله وزوجته ووالديه اللذين كانا يقيمان معه يوم الاجتياح. ويقول السعدي«بيتي موجود وسط المخيم، اقتحم الجنود البيت منتصف ليلة السبت بعد أن فجروا المدخل الرئيسي، وبعد أن فتشوا المنزل اخذوني اسيرا معهم وبقيت 12 ساعة مقيدا ومعصوب العينيين في داخل احد منازل المخيم التي سيطروا عليها، قبل ان ينقلوني الى معسكر سالم ومنه الى هذه البلدة والى اليوم لا اعرف ما حل باسرتي».
خلع الملابس امام النساء
عبدالرحمن وهدان«30» عاماً يقيم مع 24 فرداً من عائلته حاصرتهم الصواريخ الاسرائيلية داخل غرفة واحدة من المبنى المكون من ثلاث طوابق عندما قصفت الطائرات المروحية الطابق العلوي فاضطروا للهرب الى منزل الجيران وهناك تجمعت أكثر من 15 عائلة شردت من منازلها في حارة مسجد عبدعزام. ويقول وهدان«بدأت الطائرات تقصف المنزل الذي احتمينا به فقررنا الخروج لانقاذ حياة اطفالنا ونسائنا، ونزلنا على ساحة المخيم وفاجأتنا الدبابات هناك وطلبوا منا الوقوف وفرقونا عن النساء والاطفال واجبرونا واحدا واحدا على خلع ملابسنا بالكامل امام نسائنا واطفالنا».
وبعد ذلك اقتادوهم بعد ان قيدوهم الى منطقة خارج جنين تسمى حرش السعادة، والقوهم على الأرض وهم عراة، حتى احضروا لهم اكياس من البلاستيك الاسود وهي تستخدم لتغطية الجثث على ما يبدو ليستروا عوراتهم بها.
ويقول وهدان الذي لا يعرف عن اطفاله الخمسة وزوجته أي شيء وخاصة ان أكبر اطفاله لا يتجاوز ال9 سنوات،«لقد تشردنا من جديد، اباؤنا واجدادنا كانوا يحدثونا عن نكبتهم عام 48، وها نحن اليوم نعيشها مجددا مع ابنائنا وزوجاتنا والعالم ينظر الينا بصمت مريب».
هدم بدون انذارات
محمد العلي موظف في مستشفى الرازي الإسلامي في المدينة الذي لا يبعد سوى بضع امتار عن المخيم يقول«لجأت الينا وسط الأسبوع أكثر من 30 عائلة من المخيم التي هدمت منازلهم جميعا واصبحوا بلا مأوى هائمين على وجوهم».
ويتابع العلي«حدثني أحد الرجال انه كان مع اسرته داخل منزله الذي يقع بالحارة الشرقية من المخيم وهي الاقرب الى المستشفى عندما سمع صوت الجرافة تدق بجدرانه منزله، فسارع إلى حفر ثقب في جدار المطبخ الملاصق تماما لبيت جيرانه لينقذ اطفاله الأربعة وزوجته وما ان انهى ذلك حتى اتت الجرافة على كل منزله الذي أصبح كومة من الركام في دقائق».
ولم يتوقف الاجرام الصهيوني عند هذا الحد، بحسب العلي، حيث واصلت الجرافة جريمتها بجرف منزل الجيران الذي احتمى به هذا الرجل مع اسرته، فقرروا الخروج من المخيم والتوجه إلى مستشفى الرازي الأقرب الى هناك.
خطر الموت عطشا
لم يكن الخطر فقط من الطائرات الاباتشي الامريكية الصنع التي كانت تقصف المنازل على مدار الساعة في مخيم جنين ولا الحمم البركانية التي تصب بها مدافع الدبابات بل كان خطر المجاعة والاوبئة والموت عطشا هو الثالوث الاكثر خطرا على حياة بعضهم.
عائلة هيثم ابو زيد التي تسكن في حارة الدج شرقي المخيم كان يتهددها العطش، بقيت صامدة في المخيم حتى اخر نقطة ماء في خزانات المياه.
يقول هيثم«هدمت جرافات الاحتلال أكثر من 30 منزلا في الحارة التي اسكن فيها محولين ازقتها الى شوارع دولية، للوصول الى مسجد الانصار ذي الموقع الحيوي على جميع احياء المخيم ونشر عشرات القناصة على نوافذه». ويضيف ابو زيد«في هذه الظروف لم يكن احد من السكان يمكنه الخروج من بيته ولا حتى النظر من النافذة، حتى نفد مخزون المياه من عندنا وبتنا لا نعرف كيف نتصرف، واظن لو بقينا ليومين اضافيين داخل المنزل لمتنا جميعا بالعطش فقط».
وبحسب ابو زيد فان النيران اشتعلت بالمنازل المجاورة بفعل صواريخ الاباتشي، وانتقلت أكثر من 30 اسرة إلى بيتهم للاحتماء بها ولكن مع استمرار تحليق الطائرات المروحية واستعدادها للقصف قرر الاهالي الخروج من المنزل عراة وحفاة وبقيت منازلهم وراءهم مشرعة الابواب ولم يحملوا معهم أي شيء. ويصف تلك اللحظات«انها مأساة حقيقة، الاطفال يصرخون وبعض النساء لم يسعفهن الوقت للبس الحذاء، والطائرات المروحية تحلق فوق رؤوسنا حتى وصلنا الى وسط مدينة جنين، حيث بتنا ليلتين في مبنى البلدية قبل ان ننتقل الى القرى المجاورة».
لا اعرف اين اهلي
عبدالرحمن السعدي، طفل خرج من مخيم جنين وحيدا، هائما على وجهه، لا يعرف حتى اللحظة المصير الذي لحق باسرته، وهل ما زالوا على قيد الحياة أم انهم توفوا تحت القصف، خاصة ان منزلهم دمر بالكامل. يقول عبدالرحمن الذي لم يتجاوز عمره اثني عشر ربيعا«قصفت الطائرات بيتنا الكائن وسط المخيم بالصواريخ وقذائف الانيرجا الحارقة، بدون اية مقدمات أو انذارات لنا بالخروج، فهربنا من المنزل الى الجيران ولكن تعرض هو الاخر للقصف فاضطررنا للخروج الى الشارع ورفعنا الرايات البيضاء وهناك افترقت عن عائلتي ولا اعرف اين هم الان». ويضيف الطفل السعدي«اثناء اقتياد جنود الاحتلال لنا، شاهدت جثة شاب على الأرض، وكانت محترقة بشكل كامل، ولكنني عرفته واسمه نضال ابو الهيجا وهو من شباب حارتنا.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved