* وإن نحن أردنا أن نضع أساساً، هو خيار من خيارات متعددات في تعيين هذا المصطلح الذي شوَّشت آلاف التعريفات عليه استقراره ووضوحه، قلنا: يمكن اعتبار الثقافة هي مجموع الصنائع العقلية واليدوية الموروثة والمكتسبة، التي توضع أساساً لدى الفرد والمجموع، منها ينهل وإليها يعود في شؤون حياته الفكرية والعملية.
* وإذا ما وصلنا إلى خاصة التعريف لثقافتنا العربية، فنخلص إلى أنها مجموع ما وعيناه عن الأجداد من أفكار ومشاعر وطبائع، وهي التي اكتسبناها بملْكِنا، أضفناها من مَزْج أو إحداث أو استلهام.
* ويستحيل الفصل بين صفة العروبة، والاسلام لا نقصد هنا سوى معنى الانتساب إلى العربية في موضوع الثقافة في رأينا لاعتقادنا أن الحديث عن أحدهما يجرّ بالبديهة إلى الحديث عن الثاني، ذلك أنهما وجهان لصفحة واحدة، إذ نزل القرآن بلغة العرب، وحمل هؤلاء الرسالة وبلّغها الأعاجم، ودخل هؤلاء الإسلام، وطوعوا ألسنتهم حتى لهجت بالقرآن، بل يرجع الفضل لهم في تقعيد اللغة وعلم العربية لفئة منهم تبحرت في الدين، وفقهت لغة العرب وأشعارهم وأنسابهم وأيامهم، كأنها من العرب بالأصالة لا بالانتساب والولاء.
قلنا باستحالة الفصل بين هذين التوأمين .. وقد رأيت أن يكون تناول الموضوع من جهة ما يهم أكثر من مليار كائن بشري، يعيش على وجه هذه البسيطة.
وهؤلاء بما وعت أذهانهم من أفكار الدين القويم، وما امتلأت قلوبهم بالإيمان والتوحيد يعيشون هموما تمتاز عن هموم من سواهم ويطمحون إلى آمال، هي آمال من طبيعة هذه الشريعة التي اعتنقوا، وهذه الديانة التي لها سلّموا، وهم اليوم في مواجهة أمر العولمة التي هي في معنى تعميم الأمركة وجمع العالم على غير ما جُبِلت طبائعهم وفطرتهم عليه.
وفي ذلك ما فيه من إقصاء خاصتهم وميزتهم ومحو تعدد آرائهم، وأمزجة نفوسم.
والغاية المبتغاة من هذه الحركة للتعميم والتعويم، هي المضي في فتح الأسواق، وخلع الأبواب لتجرف تجارات الأمريكان الأراضي، وتقلع أشجار الصناعات المحلية الضاربة في الأعماق منذ الأزمان البعيدة، وكذا لتنهب الآلات المتقدمة منابع الذهب الأسود في غياب الضوابط والقوانين المرعية والحمايات.
* والحديث عن العولمة عند تناول موضوع الخصوصية، أصبح أمراً بدهياً، لما اقترن بينهما من علاقات ضدية وتجاذبات صراعية، وهو عينه التضاد الذي مهَّدنا له حين تناولنا المسألة من الناحية اللغوية.
فإذا كانت الخصوصية في أوضح معانيها التمايز والانحصار، فإن العولمة هي الرديف للعموم والانتشار.
والحقيقة التي لا مراء فيها «أنّ انتشار منظومة حضرية وتوسع مداها، وغلبة قيمها، وثقافتها على من سواها، هي مسألة قديمة قدم تاريخ الحضارات البشرية، بل تاريخ الاجتماع الإنساني. ذلك أن «المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيّه ونحلته وسائر أحواله وعوائده». وهذه الأخيرة قولة مأثورة عن ابن خلدون جعلها عنواناً لفصل من فصول تاريخه.
|