إن من سلبيات ظهور الثورة الصناعية مع بداية القرن الماضي بروز العديد من أنظمة العمل القاسية والتي حددت سناً معينة للتقاعد، وقد كانت المبررات الظاهرة لذلك منصبة على الشفقة والرعاية والراحة التي يجب ان تقدم لتلك الفئة نظرا لوصولها لسن معينة في حين كانت المبررات المبطنة هي التخلص منها واستبدالها بشباب أكثر انتاجية داخل المصانع ومتجاهلة في ذلك ما تتمتع به تلك الفئة من التجارب الطويلة والخبرات المتعددة ،
وفي المملكة العربية السعودية نجد انه ومع حلول شهر رجب من كل عام، يتم احالة المئات بل الآلاف من الموظفين إلى التقاعد نظرا لبلوغهم سن الستين، ومما لاشك فيه ان غالبية من يتم احالتهم إلى التقاعد يكونون في أوج نضجهم الفكري ناهيك عن الخبرات المتعددة التي يتمتعون بها نظراً لتدرجهم في الكثير من المواقع الوظيفية أو العملية ،
والسؤال المطروح هنا يتمثل في مدى قدرة تلك الفئة من المتقاعدين على القيام بالعديد من الأعمال التي يمكن ان توكل إليهم، ثم ما مدى استفادة مجتمعنا مما تتمتع به تلك الفئة من تجارب وخبرات متعددة ،
إن ما يتمتع به كل شخص منا من قدرات ومهارات واستعدادات يختلف عما يتمتع به الأشخاص الآخرون ، ففي الوقت الذي نجد فيه ان البعض منا قد يصعب عليه مواصلة عمله حتى سن التقاعد مما يجعله يلجأ الى طلب التقاعد المبكر، فإن هناك أشخاصاً آخرين قد يبلغون سن التقاعد بل ويتجاوزونها بكثير ومع ذلك تجد لديهم الاستعداد الفطري والمهارات والقدرات المتعددة والكفيلة بتسخير ما يتمتع به من خبرات وتجارب لمصلحة كل جهاز يعمل أو يتعاون معه ذلك الشخص المتقاعد ،
وفي اعتقادي أنه من الأهمية بمكان أن يتم العمل على ايجاد آلية يمكن من خلالها الاستفادة من فئة المتقاعدين وتسخير ما يتمتعون به من خبرات لصالح وطنهم ومجتمعهم طالما ان لديهم القدرة على ذلك، ولو نظرنا مثلا الى اللائحة المنظمة لشؤون منسوبي الجامعات السعوديين من أعضاء هيئة التدريس ومن في حكمهم، لأدركنا أنه وعلى الرغم من أن نصوص اللائحة تحدد سن التقاعد لعضو هيئة التدريس بستين عاما، إلا ان اللائحة أتاحت فرص الاستفدة من تلك الفئة بعد سن الستين إما من خلال التعاقد معهم أو من خلال تمديد خدمة كل من لديه الرغبة والاستعداد لذلك ،
كما أود أن أشيد في هذا الخصوص بذلك القرار الذي نهجته وزارة المعارف في الاستعانة بعدد من المتقاعدين في سلك التعليم وترشيحهم للقيام ببعض الأعمال كالاشراف على المدارس الأهلية أو التعاون معهم كمستشارين تربويين، ونتمنى من الوزارة تفعيل الاستفادة من المعلمين المتقاعدين من خلال الاستفادة من خبراتهم وإتاحة الفرصة لهم للمشاركة في تطوير المناهج الدراسية وكذلك في التصدي لما يواجه الطلبة من صعوبات سلوكية وفي غيرها من المهام التربوية المتعددة التي تتطلب خبرة التربويين وتجاربهم المتعددة ،
أختم حديثي بالرسائل التالية:
الأولى: أن كل شخص منا مهما كان صغيراً سيصل الى سن التقاعد، ولذا فإن عليه التفكير الجاد لتلك الفترة وكيف سيستغل وقته، إن الإعداد الجيد لمرحلة التقاعد ستنعكس على إفادة الفرد نفسه ومجتمعه ،
الثانية: أخي المتقاعد، لا تمت قاعداً، فإن لديك الكثير من القدرات والتجارب ومجتمعك بأمس الحاجة اليها ولا تجعل اليأس يدب في نفسك فالحياة مليئة بالعطاء والعمل ،
الثالثة: لقد آن الأوان لإعادة النظر في أنظمة التقاعد بحيث تتاح الفرصة لافادة المجتمع من قدرات وخبرات من له الرغبة من المتميزين من المتقاعدين، إضافة الى أهمية توفير كافة احتياجات تلك الفئة من الجمعيات والمكتبات والأندية الأدبية والرياضية وغيرها ،
Dralsaleh@yahoo ،com |