|
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وبعد:
وذكرت أيضا وفادتي العلمية لجازان سنة 1399هـ أجمع مادتي العلمية عن حركة الفكر والأدب في جنوبي بلادنا الغالية، حيث كان العقيلي رحمه الله تعإلى ممن عزمت على مقابلتهم فالصيد في جوف الفرا، وفيه ينطبق قول الشاعر:
نعم لقد كان هذا الباحث وعاء لتراث تهامة بعامة جمع مادتها الادبية والتاريخية المخطوطة وأرخ لها، بل حقق طرفاً من نتاج أدبائها وعلمائها وكان حفيّاً بأخبارها ولم يبخل عندئذ على الباحثين ممن أتى بعده في تزويدهم بما يريدون، وكنت من اولئك الدارسين الذين فتح لهم مكتبته للإفادة منها، كذلك كانت مؤلفاته العديدة منهلاً لهم، وتوج ذلك الصنيع العلمي بأن أهدى مكتبته المخطوطة إلى جامعة الملك سعود فهي شاهدة اليوم على وفائه. انطلق العقيلي يعمر حياة الفكر والأدب في جازان بمشاركاته المنبرية والصحافية والتأليف فكان مذ ضمت تلك الأنحاء لبقية بلدان المملكة العربية السعودية سنة 1349هـ يتطلع إلى مجد أدبي مشرق، إذ كان مع نفر من أدباء جازان يعمرون المهرجانات الشعرية التي تنظمها إمارة جازان يومئذ، مثل القاضي علي بن محمد السنوسي «1315 - 1363هـ»، ومحمد بن علي السنوسي، ومحمد بن أحمد العقيلي نفسه وغيرهم. واتسع نشاط العقيلي من بعد ذلك فأسهم في صحف البلاد ومجلاتها، مثل: أم القرى، وصوت الحجاز، والمنهل، وغيرها، وكتب تاريخ المخلاف السليماني معتمداً على مصادر أولية مهمة، وأصدر دواوينه الشعرية ومؤلفاته الأخرى فملأ السمع والبصر. أقول: انظر إلى الشاعر محمد بن أحمد العقيلي في إحدى مراثيه الشعرية سنة 1373 يندب فيها وفاة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود «1293 - 1373هـ» رحمه الله تعإلى.
ويتبين أن هذه الأبيات قيلت معارضة لشوقي في قصيدته التي يقول في مطلعها:
حيث ضمن العقيلي الشطر الأول من هذا البيت عجز البيت الأخير من أبياته السابقة، وهذا أمر معهود في أساليب التعبير التقليدية، كما أنه حذا حذو شوقي في بناء قصيدته، وتكوينها الفني، ولكن هذا العمل الأدبي التقليدي لم يؤثر على القيمة الفنية لهذا النص سوى فضل السبق، وابتدار النظم، فلقد ابتدأ العقيلي قصيدته بتكوين لفظي مناسب، حيث جعل الوجود لغيبة هذا المليك في تبدل وتغير فهذه آيات الكون من شموس، ونجوم، وكواكب قد تبدلت لهول المصاب، وهذه البروق، والريح قد استطار ألمها فهي تنوح حزينة حتى أن شجاها ليحدث أثراً في هذا الوجود، وكذا الأفق قد شكل مظهراً حزيناً يزيد في شجن الشاعر وحزنه، وإنه ليوفق كثيرا في قوله:
عجيب حال هذا النجم وقد مضى به الليل لم يغرب، ولم يأفل بل ظل ملازماً لهذا الليل المنصرم حتى أنه ليظن أن هذا النجم لا يسري، وأنه ساهم مطرق لا يثير واقعاً، ولا يغير حالاً، وما ذلك سوى خيال الشاعر الذي قلب هذه الصورة التقليدية التي عرفناها عند شعراء القرون الاخيرة الضعيفة الماضية إلى حال من الدأب، والحركة، والوجوم حتى كون لنا صورة فنية مناسبة رغم حجب التقليدية التي قد تعرقل هذا المنهج الفني، ولذا يمكن القول: إن نتاج العقيلي عبر نشأة الأدب السعودي المعاصر قد تمثل في أغراض شعرية وافرة، وأنه مع محافظته الشعرية المعهودة قد أفاد من مظاهر النهضة الأدبية الحديثة على الرغم من اشتغاله بالتحقيق، والتأليف، والتدوين فضلاً عن أنه يلاحظ في شعر العقيلي وضوح شخصيته، وطموحه، وآماله وبخاصة في قصيدته: «هنا قلم»، و«جازان» التي يقول في أخراها:
* * *
رحم الله العقيلي وأسكنه فسيح جناته، {إنَّا لٌلَّهٌ وّإنَّا إلّيًهٌ رّاجٌعٍونّ}. |
[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة] |