Saturday 13th April,200210789العددالسبت 30 ,محرم 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

مسافر الشاعر المقيم في مدن الأخلاق والإبداع معاً مسافر الشاعر المقيم في مدن الأخلاق والإبداع معاً
حمد بن عبد الله القاضي

** بدءاً
سعدت بذلك الملحق الخاص الذي أصدره «القسم الثقافي بصحيفة الجزيرة» عن الشاعر الكبير «أحمد بن صالح الصالح» وأستشرف استمرار هذه السنَّة المباركة من القسم الثقافي في تكريم أمثال هؤلاء الرموز الثقافية والشعرية وهم بيننا داخل غرف قلوبنا.
وفي هذه السطور اكتب عن اخي الحبيب الشاعر احمد الصالح وقد لا استطيع - وانا اكتب عنه - ان انفصل عن عاطفتي نحوه انسانا وشاعرا ولكن سوف أحاول ذلك!
إن هذا الشاعر يمتزج فيه الابداعي بالانساني، والتراثي بالحداثي، وبقدر تشبثه بماضيه فهو المستشرف لمستقبل أمته.
***
** ان لهذا الشاعر «أحمد الصالح» فضلا كبيرا عليَّ عندما كنت طالبا اذ كان له تأثير جد كبير على عشقي للكلمة الشعرية الجميلة سواء من خلال قراءتي لشعره الجميل او في ارشادي لدواوين الشعراء المبدعين بحكم ذائقته الشعرية المتميزة.
ولعل هذا الشاعر «احمد الصالح» من الذين استثناهم الله في اية الشعراء فهو من اولئك الشعراء الصادقين المؤمنين، ان ذاته الصادقة الجميلة جسدتها اشعاره النقية.
انك عندما تقرأ شعره سواء الوجداني او التأملي او الوطني لا تجده يسف حرفا، او يسفه قولا.
***
** لتقرؤوا معي هذه الأبيات من احدى قصائده الوجدانية التي عنوانها «أتيت الى عينيك» تلك التي تفيض ابداعا وصدقا بقدر ما تنبض عفة ونقاء:


إذا مر في بالي خيالك صفَّقتْ
حروفي وغنَّت كل أشيائنا حبَّا
درجنا وفي الاهداب شوق لهفة
وعدنا وفي أضلاعنا ثورة غضبى
ومرت بنا الآلام تشوي ربيعنا
وتطوي ليالينا، وتغوى بنا دربا
فما عربدت بالاثم يوما شفاهنا
ولم يكشف الواشون في حبنا ذنبا
أتيتُ إلى عينيكِ أشرب سحرها
وامسح في أهدابها شرف العتبى
فلا توقفي نبض الحنان بأضلعي
فمن قبل ان تأتي لم ترتعش حبا
حنيني ينادي ذكرياتي وصبوتي
إليَّ ارجعي نبع الهوى لم يزل عذبا

كم يعيدني هذا الشعر البهي الاخاذ الى تلك الأيام الزاهية، وللأحلام التي رحلت!
***
** أما شعره الوطني فان كل قصيدة تتلبسها روح الوفاء لعقيدته وترابه، وكل قافية تخضِّب أبياتها حالة الهم القومي والاسلامي الذي يتلظى عليه الشاعر داخل نفسه، انه مهموم بقضايا واشجان ارضه وقدسه، ومواجع امته العربية والاسلامية.
ولأتوقف معكم عند آخر قصيدة له «حداء بين يدي الخلوج» لقد امتزج في هذه القصيدة خطاب الهم الذاتي في أولها بخطاب الهم القومي في آخرها:


الروم تُجلب تستحيي حواضرنا
ما بين قاسط حقّ يطلب السَّـلْبا
أو بين من فرية الارهاب تجمعهم
في إفكها أرجفوا آفاقنا رَهَبا
بنو قريظة لجُّوا في غوايتهم
فاستنبحوا الارض في عدوانهم كذبا
فهل الى «عمر الفاروق» من خبر
بأن «قيصر» أمضى الجحفل اللَّجِبَا
وأن امته في الأرض مثخنة
وبأسها بينها أحوالُها شُعبا
وأن كلَّ شرار الناس تطلبنا
أما من ابن وليدٍ يُلحِفُ الطَّلبا
القدس هل من صلاح سوف يفتحها
وعين جالوت هل «قطز» لها ركبا؟
أحبَابَنا قد تناعمنا مخادعنا
فساءنا زمن سُؤناه مُنقلبا
أحبَابَنا أنقَضَتْ مأساتنا جَلَدي
فأنكرتني مغاني عِشْتُها وَصِبَا

آهـ
يا سيدي الشاعر
كم نحن معك موجعون في هذا الزمن «الشاروني الأسود». لكن لن نقنط أبدا
فدم هذه الامة لن يصبح ماء ومجدها لن ينحى ذلا، و«الأيام دُوَل والفلك يدور».
***
** وبعد
ان الشعر عند «أحمد الصالح» رسالة وليس تسلية، وعناء لا ترفا.
انني أعلم ان هذا الشاعر لم يجلس يوما ليرغم نفسه على كتابة قصيدة، «فالقصيدة - حقا - هي التي تكتبه حقيقة لا خيالا».
ومن هنا فان علائم الصدق والاجادة والتجلي تلازم قصائده انه ان كتب شعرا عموديا فانك تجد هذا الابداع متوشحا قصائده، وهو ان قال شعرا حديثا فانك تجد هذا الابداع متلبسا قوافيه.
صفة اخرى رائعة تلازمه بل لعلها «مفتاح قصائده تماما كما هي مفتاح شخصيته تلكم هي «الصدق».
ان هذا الانسان كما هو صادق في حياته وصداقاته، وفي مودته، فهو صادق في قصائده واشعاره وعطاءاته.
هناك ميزة اخرى لشعره اشار اليها الناقد المعروف جلال العشري في مقدمة اول ديوان اصدره هذا الشاعر «عندما يسقط العراف» عندما قال هذا الناقد عنه:
«الفطرة والفكرة.. هذان هما الجناحان اللذان يحلق بهما هذا الشاعر المسافر ابدا، عبر الزمن الغارب، عبر شفتي الجرح، عبر مواجع العشاق، عبر الفرح الذبيح ورحلة الجراح.
من هنا لا من هناك.. ولا من اي مكان آخر، كانت رحلة هذا الشاعر المسافر، هي رحلة القارب المزود بأصالته المتجه بشراعه صوب الحداثة والمعاصرة».
وقد صدق هذا الناقد، فهو شاعر الفطرة والفكرة معا..
الفطرة النقية، والفكرة المتألقة.
وهو - اخيرا - وان اعطى لنفسه لقب «مسافر» لكنه انسان «مقيم» في دنيا الشيم الكريمة.
شاعر «مستقر» في مدينة الابداع أبدا.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved