Saturday 13th April,200210789العددالسبت 30 ,محرم 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

الانسحاب الصهيوني وممارسة شارون لنظرية الأواني المستطرقة الانسحاب الصهيوني وممارسة شارون لنظرية الأواني المستطرقة
د.عبدالله بن سالم الزهراني *

كنت أتمنى ألا أرى الصهاينة ينسحبون من أراضي الضفة الغربية بطلب ولا مناشدة من الرئيس بوش ولا غيره. كنت أتمنى كما يتمني كل مناصر للحق أن أرى جيش هذه الحكومة الدموية وهو ينسحب مجبرا ومرغما ومكرها يجر ثوب الهزيمة والخزي. وليس ذلك على الله ببعيد لأن ذلك حدث وقبل مدة قريبة في جنوب لبنان. كان اللبنانيون يطالبون بتطبيق القرار 425 الصادر عن الأمم المتحدة والحكومة الصهيونية ترفض. استمر اللبنانيون في المطالبة واستمر الصهاينة في المماطلة. دعم اللبنانيون مطالباتهم بالكفاح المسلح وتمكنوا من جعل الجنوب اللبناني جهنم على الصهاينة. كانت السيارة العسكرية اليهودية عندما تمر في طريق من طرق قرى جنوب لبنان تكون في أقصى سرعة ويتوقع قائدها الهجوم من أي مكان. امتلأت قلوبهم بالرعب لأنهم غاصبون. إن هذا سوف يحصل لهم في فلسطين المحتلة وقد لا ينسحبون إلا مرغمين وفزعين ومذعورين.
الانسحاب المزعوم الذي بدأته القوات الصهيونية من قلقيليا وطولكرم صباح يوم الثلاثاء 9/4/2002م هو انسحاب تكتيكي، يصوره الكثيرون على انه استجابة لمطالبة وحث الرئيس جورج بوش الابن لزعيم الطغمة الصهيونية شارون بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية التي أعادوا احتلالها منذ التاسع والعشرين من مارس عام 2002م والحقيقة انه لا يشكل انسحاباً ولا استجابة ولا خوفا من غضب الرئيس بوش أو الشعب الامريكي. الرئيس بوش طلب وحث ويظهر للبعض انه كان يتوسل لشارون بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية ثلاث مرات. والحقيقة ان الجميع قادة وساسة وشعوباً في كل دول العالم يدركون ان الولايات المتحدة تستطيع وبمجرد تلميح للصهاينة بالانسحاب بأنهم لن يترددوا في ذلك. لأن الكيان الصهيوني هو صنيعة الولايات المتحدة والصديق المدلل بل أصبحت تزداد القناعات بأنها الولاية الحادية والخمسين التابعة للقارة الأم. وعلى هذا الأساس فالطلب لم يكن جادا ولم يكن ضاغطاً ولم يكن التماسا وإنما كان مقصوداً تكراره وإظهار الولايات المتحدة بحرصها على الانسحاب وعلى السلام وعلى رعاية السلام والاهتمام بالسلام في الشرق الأوسط. أما انسحاب شارون من قلقليا وطولكرم فيظهر للعالم انه تجاوب مع حث ونداء رئيس الدولة الصديقة والحليفة والشريكة الاستراتيجية والاقتصادية والعسكرية للكيان الصهيوني. شارون لم يتحدث للبرلمان الصهيوني بأنه استجاب لنداءات واشنطن ولم يأت بذكر لكلمة الانسحاب ولكنه بدلا من ذلك شدد على ضرورة أن يستمر الجيش الصهيوني في اقتحام المدن الفلسطينية والقتل والتشريد والتدمير وذلك حسب قوله من أجل تدمير البنية التحتية للإرهاب الفلسطيني الذي يتزعمه حسب قول شارون ايضا ـ ياسر عرفات ـ أوكل تنفيذ هذه المهمة إلى موفاز الدموي الذي يقول أنه سيعمل على إنهاء المهمة بأسرع وقت ممكن ولكنه يحتاج لإنهاء تلك المهمة لثمانية أسابيع على الأقل.
ماذا يعني الانسحاب من قلقيليا وطولكرم والمرور على القوى المجاورة لكل من هاتين المدينتين وتفتيشهما بيتا بيتا وإرهاب السكان؟. الجيش الصهيوني وبكل صراحة قالها وزير دفاعه الدموي موفاز بأنه انسحب من المدينتين ولكنه يبقي الحصار عليهما مشددا مدعيا أن تشديد الحصار سيمنع انطلاق الهجمات الانتحارية من هاتين المدينتين. إن الموت لا يتجزأ وهو واحد سواء كان بالحصار أو المدفعية أو البندقية أو الصاروخ. خرجوا خارج هاتين المدينتين وكل الجيش حاقد على السكان لأنهم يحسون أنهم لم يرتووا بعد من دماء الفلسطينيين ولم ينكلوا بهم كما كانوا يودون. على كل حال أظهر شارون وبكل صفاقة وغطرسة أن المهمة لم تنته بعد وأن الحملة على المدن الفلسطينية الأخرى مثل رام الله ونابلس ومخيم جنين ومخيم بلاطة ستستمر لن يتم انسحاب الجيش الصهيوني من هذه المدن الفلسطينية الا بعد اتمام المهمة التي اقتحم هذه المدن من أجلها.. وهذا التصريح يظهر لنا مدى انعدام معنى مطالبة الرئيس بوش بانسحاب الكيان الصهيوني من الأراضي الفلسطينية وإن هذه المطالبة هي لمجرد الاستهلاك الإعلامي والظهور بمظهر المهتم بالسلام من قبل بوش. وإن هذا الانسحاب لمجرد ذر الرماد في العيون. البيت الأبيض سُرَّ بهذا الانسحاب كما يقولون، كما أن البيت الأبيض قال إن هذا مجرد البداية ولكننا نتوقع المزيد في الأيام القادمة. اعتقد ان المزيد بمعناه الظاهري هو مزيد من الانسحاب ولكني اعتقد ان المقصود فعليا هو مزيد من القمع والقتل والدمار والتخريب من قبل الجيش الصهيوني قبل ان يكون هناك مزيد من الانسحاب من الأراضي الفلسطينية . اما الأيام القادمة فالأسبوع عبارة عن أيام والشهر أيام والسنة أيام وكلها قادمة ولكن هل الكل سيشهد قدومها؟
مطالبة بوش المتكررة لشارون لم تأت من فراغ حيث ان الاستنكارات للقيادات العربية والاتصالات التي أجراها العديد من القادة العرب وعلى رأسهم الأمير عبدالله بن عبدالعزيز بالقيادة الأمريكية بالإضافة إلى الاستنكارات والمظاهرات الشعبية في كثير من دول العالم دفعت ببوش إلى هذه المطالبة والحث لشارون على الانسحاب. ولكنني أعود وأقول إنها مطالبة غير جادة وفرغت من جوهرها تماما بالانسحاب المزعوم من طولكرم وقلقيليا
ولكن ماذا عن المدن التي تدور فيها المجازر والمذابح الصهيونية ضد أبناء الشعب الفلسطيني في مخيم جنين الذي ازدادت ضراوة الهجمة الشرسة على هذا المخيم الذي هو عبارة عن مجمع للمساكن مساحته واحد كم 2 وهو من اكثر المدن ازدحاما في العالم. يبدو ان شارون لديه عقدة من الفلسطينين بشكل عام وعقدة من مخيمات الفلسطينيين بشكل خاص. يرغب في تكرار مذبحة صابرا وشاتيلا وتكشف الأيام القريبة كيف ان ما يجري وسيجري في مخيم جنين هو اشد فداحة ووحشية من مذابح صابرا وشاتيلا. الدلائل تشير وكذلك التقارير إلى تعتيم شديد جدا على ما يجري في كل المدن الفلسطينية التي يهاجمها العدو الصهيوني ولكن بشكل خاص مخيم جنين. لم يسمح للإعلاميين بالدخول لهذ المخيم وكذلك يمنع رجال الهلال والصليب الأحمر من دخول هذا المخيم لنقل الجرحى والمصابين إلى المشافي ومراكز الإسعاف. هناك اناس يموتون طبيعيا ولا يتمكن أحد من دفنهم أو نقلهم وهناك المرضى بمختلف أنواع الأمراض كالقلب والسكر والضغط ويحتاجون إلى زيارة المستشفيات والصيدليات ولكنهم يمنعون ، ولذلك فإن عددا كبيرا يموت من جراء ذلك المنع. هناك النساء الحوامل اللاتي يحتجن لتوليد ويضطر رجالهم لتوليدهم ولكن البعض منهن يموت. الجرحى ينزفون حتى الموت ولا يسمح الصهاينة بإسعافهم لأنهم يشنون حرباً قذرة ، حرباً يهدفون من ورائها الإبادة للشعب الفلسطيني، يشنون حربا ليس فيها من سمات أخلاق الحرب شيء. لم يكتفوا بذلك بل كانوا من الجبن حتى أنهم استخدموا الفلسطينيين المدنيين من رجال ونساء وأطفال دروعاً أثناء تقدمهم في رام الله وجنين ونابلس. الجرافات تهدم المنازل واحدا تلو الآخر لكي تتمكن من الدخول إلى الشوارع الضيقة وأزقة المخيم. الكهرباء قطعت وشبكات المياه دمرت، الأمهات لا يجدن مياهاًً ليضفنها الى الحليب الجاف في جنين ويلجأن لمياه المجاري.. الجثث الفلسطينية متناثرة على قارعة الطريق ويقال إن هناك جثثا ممثلا بها. ماذا يعني كل ذلك الذبح والقتل المباشر والتجويع والترويع؟ طائرات الهيلوكبتر من طراز أباتشي الأمريكية الصنع تهاجم هذا المخيم قبل الفجر وخلال النهار وبطرق عشوائية مما نتج عن ذلك استشهاد المئات بل ان الأمر على هذه الشاكلة سيصبح بالآلاف. من المعروف أن المسلحين الفلسطينين بالبنادق الخفيفة والرشاشة محدودي العدد جدا. والإحصاءات والتقديرات تشير إلى جرح المئات وقتل المئات ولا شك أن أكثرهم مدنيون. ما هو المسمى لهذه العمليات التي يقوم بها الجيش المحتل؟ هل لفظ مذابح أو مجازر يكفي لاستيعابها؟ هل لفظ كارثة بشرية أو إنسانية تفي بالتعبير والوصف لما يحصل للفلسطينيين؟
اليهود هذه الأيام يحيون ذكرى الهليكوست (المحارق اليهودية) والتي ضخمت إلى درجة غير معقولة وغير صحيحة، ويبدو أنهم يمارسون المذابح ضد الفلسطينيين انتقاما لتلك المذابح والمحارق التي تعرض لها اليهود على يد النازيين حسب ادعائهم. يدعي الصهاينة أن العمليات الاستشهادية ضدهم والتي يقوم بها الفلسطينيون تأتي ضمن سياق الكراهية لليهود. إن هذه مغالطة كبيرة يود الصهاينة أن يروجوها ليجنوا من ورائها مكاسب سياسية وتحويل الأنظار عن القضية الأساسية وهي ان اليهود مغتصبون لأرض فلسطين وأنهم هم من يقوم بالتقتيل والتنكيل. يحاول الصهاينة أن يظهروا بمظهر المظلوم فيتشبثون بكل ما يمكن أن يفيدهم في هذا الاتجاه ويستغلون هذه الهجمات ليبينوا أنها ضد أبرياء مدنيين وأن ما يقوم به الصهاينة ضد الفلسطينيين هو حق مشروع وذلك للدفاع عن النفس.
الرئيس بوش يدعم قول شارون بأن هجوم الجيش على المدن والقرى الفلسطينية يأتي في إطار الدفاع عن النفس كما يدعم شارون في تنفيذ هذه المجازر والمذابح رغم طلبه بالانسحاب ودون تأخير من الأراضي الفلسطينية. قال بوش بأنه مهتم بالسلام وأنه سوف يسعى لحل النزاع وتأكيدا على ذلك أرسل باول للمنطقة ولكنه أوصاه بأن تكون فلسطين المحتلة آخر الأراضي التي يزورها وليست الأولى. ماذا يدلل ذلك الإبطاء والتأخير؟ أليس ذلك يعني إعطاء مزيد من الوقت لشارون وجنوده لإضعاف الفلسطينيين وقتل المزيد منهم أثناء تجوال كولن باول بعيدا عن الأراضي الفلسطينية. لقد قال له الملك محمد السادس: لماذا أغادير قبل فلسطين؟ فقال باول: أود أن نضع أساسا قبل الوصول إلى القدس مع حلفائنا. الموضوع لا يحتمل أساسا ولا بناء لأن باول لم يأت للمنطقة لوضع اللمسات الأخيرة للسلام. من المفترض ان قدومه للمنطقة هو نوع من الضغط على الكيان الصهيوني ليوقف العدوان ولكنه في الحقيقة جاء طالبا مطلبا غير معقول من الدول العربية وهو الضغط على ياسر عرفات بنبذ العنف لكي تتم عملية السلام وبالذات فيما يتعلق بالاستشهاديين. أي منطق أعوج هذا وأي طلب غريب من رجل محاصر في داخل غرفة قد تضيئها الشموع وقد لا تضيئها. كيف لعرفات أن يمارس سلطاته وشارون عزله وتعهد بمواصلة عزله. إن حديثي هنا هو على افتراض أن باول يستطيع ان يعمل شيئاً فيما لو زار القدس قبل أي عاصمة عربية ولكن قناعتي دون فرضيات ولا نظريات أن زيارة باول لن يتمخض عنها إلا مزيد من الغطرسة الصهيونية. باول سيزور القدس بعد جولته العربية والأوروبية وقد يلتقي بعرفات وقد لا يلتقي وسيخرج في نهاية الأمر بالقول بأن الفلسطينيين لم ينفذوا ما طب منهم ولكن سيعد بأن الأمريكيين لن ييأسوا وسيبذلون مزيدا من الجهد لمواصلة الحوار ومحاولة تقريب وجهات النظر بين الفلسطينيين والصهاينة. وهذا يعني إعطاء الوقت الكافي الذي طلبه موفاز لإنهاء المهمة التي بدأها الجيش الصهيوني في نهاية شهر مارس 2002م ولاتزال مستمرة.
باول لم يأت من أجل إنهاء الاحتلال الصهيوني عن المدن والمخيمات الفلسطينية ولكن يبدو أنه جاء ليسوق بضاعة جديدة ويحاول أن يقنع القادة العرب بها ويجعلها ورقة مساومة. الولايات المتحدة تحاول أن تجعل الشعوب تعيش باستمرار في هاجس الإرهاب والإرهابيين، وأن العالم لايزال في خطر، كما أن الإرهابيين ليسوا فقط هم القاعدة ونظام طالبان الذي استضاف القاعدة على أرض أفغانستان وإنما المنظمات الفلسطينية المختلفة حماس والجهاد وفتح. سيحاول خلال هذه الجولة ربما إقناع من يلتقي بهم أن ياسر عرفات يستطيع أن يعمل وأن يوقف الانتحاريين ولكنه لا يرغب ولذا قد يكون الحوار معه واعتباره رجل سلام أمراً فيه صعوبة. بل انه ليس من المستبعد أن يردد باول على من يلتقي بهم من قادة ما يردده شارون باستمرار من ان عرفات هو عدو الصهيونية الأول وانه إرهابي وقائد الإرهابيين. كل شيء هذه الأيام وارد في ظل المفاهيم المغلوطة والرغبة في الهيمنة والسيطرة بعيدا عن القوانين الدولية وغياب احترام حقوق الإنسان.
إن شارون سيراوغ فيما يتعلق بالانسحاب وسيجري تجربة الأوانى المستطرقة في الأراضي الفلسطينية بحيث ينسحب من مدينة ليهاجم بلدة أو قرية أو مدينة أخرى. وسينتهي من الضفة ويختلق مبررا للتوجه إلى قطاع غزه والقيام بما قام به في الضفة الغربية.
إن الشعب الفلسطيني بكل فئاته الجنسية والعمرية وطوائفة وتوجهاته السياسة وبكل تأكيد مستعد لما هو أسوأ من كل ما حصل. ولكنه في نفس الوقت توارث هذه القضية التي يؤمن بعدالتها كما ان إيمانه راسخ بأن النصر سيأتي في يوم من الأيام وستعود الحقوق المغتصبة لأصحابها.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved