Friday 12th April,200210788العددالجمعة 29 ,محرم 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

أثر الاستهلاك كقيمة اجتماعية!! أثر الاستهلاك كقيمة اجتماعية!!

إن الغاية النهائية من النشاط الانتاجي في كل مجتمع هي الاستهلاك ولا يختلف المجتمع الحديث في ذلك عن أي مجتمع سابق إلا في الأهمية المتزايدة التي بدأت تحتلها ضرورة العمل على زيادة الاستهلاك والقدرة الهائلة التي توفرت لهذا المجتمع للعمل على تحقيق هذه الزيادة باستمرار وبمعدلات متزايدة دائماً.
ولا شك فإن التقدم الفني الهائل المتاح والمستخدم في أساليب الانتاج، قد وفَّر القدرة المستمرة على زيادة الانتاج والانتاجية، وهذا بدوره زاد من فرص الاستهلاك، وقد نجم عن ذلك ان الاستهلاك في المجتمع الحديث قد زاد بشكل كبير، كما نجمت عنه مجموعة من القيم والقواعد التي تنظِّم حياة المجتمع في ضوء زيادة الاستهلاك، إذ اعتبرت زيادة الاستهلاك ذاتها قيمة اجتماعية كبرى ومحوراً لكثير من أجزاء النشاط الاقتصادي.
يقول الدكتور حازم الببلاوي في كتابه «على أبواب عصر جديد»: «إن المجتمعات الحديثة أصبحت نتيجة للتقدم الفني المذهل غير قادرة على الاستمرار في التقدم بغير زيادة الاستهلاك ولكن هذه الزيادة في الاستهلاك تفرض من ناحية أخرى مشاكل جديدة نظراً لدخولنا في مرحلة الاستهلاك الجماعي الاجتماعي وهو يفرض ضرورة تنظيم المجتمع على شكل جديد، بحيث تعتبر زيادة الاستهلاك المستمرة هي أهم خصائصه..».
إن مجتمعاً يكون غايته الاستهلاك، بأي ثمن وبأي شكل، لا بد أن يفرض قيوداً خاصة على العلاقات السائدة، من ذلك مثلاً أهمية الإعلام والدعاية، فالراديو ثم التلفزيون قدما خدمات هائلة لمجتمع الاستهلاك.
والواقع ان مظاهر مجتمع الاستهلاك مازالت حديثة، ذلك لأن التقدم المتحقق قد أخذ صورة النمو غير المتوازن؛ بمعنى أن هناك قطاعات أسبق من غيرها في استيعاب التقدم وفي تحقيق النمو.
وعلى ذلك فعند حديثنا عن خصائص مجتمع الاستهلاك لا ينبغي أن يفهم من ذلك أن هذا المجتمع قد تحقق بالفعل وإنما هو مجرد اتجاه عام بدأت تظهر خطوطه الرئيسية.
إن صفة الاستهلاك التي تغنت بها المجتمعات الغربية خاصة، مردها النتائج التي أفرزتها التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية التي حدثت بين طبقات وأفراد المجتمع الغربي.
ونلاحظ أن استقرار عادة الاستهلاك كقيمة اجتماعية تفسر سلوك الأفراد في المجتمع الحديث هي ظاهرة حديثة جديدة، إذ لم يدخل الاستهلاك في مجال القيم الاجتماعية إلا متأخراً. ولم ينظر إلى أثر الاستهلاك كقيمة اجتماعية في النظرية الاقتصادية إلا عندما كتب دوزنبري عن «أثر التقليد»، حين بيّن أن استهلاك الفرد لا يتوقف على ذوقه وما يريده هو، بقدر ما يتأثر بما يستهلكه الآخرون، وبذلك أدخل فكرة التداخل بين أذواق المستهلكين في تحديد ذوق المستهلك.
ومعنى ذلك أن الاستهلاك أصبح قيمة اجتماعية، فالأفراد يقدرون اجتماعياً ويتحدد مركزهم الاجتماعي بقدر استهلاكهم، وبذور هذا التطور قديمة، فنحن نعرف أن فبلن قد أشار في تحليله للمجتمع الأمريكي لظاهرة «الاستهلاك التفاخري»، وهو بذلك يشير إلى أن بذور مجتمع الاستهلاك قد ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية منذ نهاية القرن الماضي. كما أشار فبلن في كتابه «نظرية الطبقة المترفة» إلى أن الاستهلاك الترفي في العصر الحديث ليس قاصراً على الطبقات العليا، وإنما هو من أهم خصائص الطبقة الوسطى وما دونها، بل لعل الطبقات العليا قد بدأت تميل نحو التعفف عن هذا الاستهلاك النمطي.
وهكذا نجد الافراد يتشابهون في كيفية الملبس وفي كل مظاهر المعيشة، حتى في فروع الاهتمامات، وأصبح كل شيء في الحياة محكوما في ظل مجتمع الاستهلاك بما يُعرف ب«الموضة».
وأما ماركوز فيرى أن الانسان في علاقته بالمجتمع الذي يعيش فيه، يمكن أن يميز بين بعدين لهذه العلاقة: البعد الأول: الاندماج والتكيف، والبعد الثاني: المنازعة والرفض.
ويرى ماركوز أن مجتمع الاستهلاك يتجه نحو الغاء جانب المنازعة، خلافاً لغيره من المجتمعات، هذا خلاصة ما جاء في كتابه «الانسان ذو البعد الواحد».
ونورد فيما يلي بعض الملاحظات حول السلوك الاستهلاكي لأفراد المجتمع:
«1» انصراف أفراد المجتمع إلى التبذير وعدم المبالاة في الانفاق، مما جعلهم فريسة سهلة للدعاية والاعلان المضلل في مجال الاستهلاك، واتجهوا نتيجة ذلك للتقليد الأعمى والتفاخر.
«2» عدم التحرر من كثير من العادات والتقاليد الموروثة، نتيجة التطور الاجتماعي للمجتمعات وصعوبة التوفيق والارتقاء إلى المستوى اللائق اجتماعياً واقتصادياً.
«3» انتشار ظاهرة التقليد والمحاكاة وحب الظهور، والانطلاق إلى حدود بعيدة في أفق البذخ وسوء التصرف الاستهلاكي.
يقول الدكتور خضير عباس المهر في كتابه «المجتمع الاستهلاكي وأوقات الفراغ»: «إن المرأة في المجتمع ذات علاقة وثيقة بالسوق، ولذا تتمتع بنصيب كبير من التصرفات الاستهلاكية المبنية على حب الظهور والتفاخر واثبات الوجود، وهذا بدوره سهّل على الباعة استغلالهن..».ولذا، أصبح من الضروري الحد من كل تصرف استهلاكي غير رشيد، ولكل فرد في المجتمع، للحفاظ على الثروات من الهدر والضياع، ومحاولة الاستفادة من الأقوال، باستثمارها في مجالات مفيدة للفرد والمجتمع والدولة.

د. زيد بن محمد الرماني / الرياض

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved