Friday 12th April,200210788العددالجمعة 29 ,محرم 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

دوافع النوازع دوافع النوازع
الحقيقة الغائبة
د. محمد بن عبدالرحمن البشر

في خضم الصراعات الدولية لا يمكن للسلام أن يسود دون حقيقة ثابتة.. وهي «النية الصادقة لتنفيذ العدل»، والنية الصادقة هي المعيار للبحث عن العدل وهي النواة لتحقيق السلام، ولابد لها أن تنبع من طرفي النزاع كليهما أو من المجتمع الدولي، أما تنفيذ العدل فيمكن أن يتم عن طريق الأطراف مباشرة، أو طرف ثالث مثل محكمة العدل الدولية، ومجلس الأمن، والمجتمع الدولي إما دولة أو دولة مجاورة أو صديقة وهناك شواهد كثيرة لذلك فالدولتان الشقيقتان البحرين وقطر، تم حل الخلاف بينهما بطريقة حضارية عادلة من خلال محكمة العدل الدولية، (والمملكة استطاعت ان ترسم حدودها مع جيرانها من الدول العربية الشقيقة بالتفاهم المباشر للبحث عن أفضل السبل لتحقيق ذلك فكان لها ما أرادت)، والمجتمع الدولي استطاع ان يزيل عن كاهل جنوب افريقيا الحكم العنصري السائد هناك بمقاطعته له رياضياً واقتصادياً فما كان له إلا الإذعان للإرادة الدولية، ومجلس الأمن نفَّذ العدل في الحرب التي سادت في دول البلطيق، وكذلك عام 90م في الخليج.
في الصراع العربي الإسرائيلي كانت النية الصادقة لتنفيذ العدل غائبة. كانت النية غائبة في فترات متفاوتة ولهذا حل بدلاً منها كثير من الحروب والمآسي، لأن النية الصادقة غائبة أصبحت اللغة المستخدمة رسمياً وإعلامياً هلامية الشكل غير واضحة المعالم، فإسرائيل احتلت جزءاً كبيراً من الأراضي العربية باسم حفظ أمنها، وأنهت ذلك الاحتلال في بعض الأجزاء باتفاقيات ثنائية وفي بعضها مرغمة، والبعض الآخر مازال تحت الاحتلال وإسرائيل وقعت على اتفاق أوسلو مع السلطة الفلسطينية برئاسة فخامة الرئيس ياسر عرفات، ولأن النية الصادقة غائبة فقد تم تنفيذ القليل في فترات معينة ما لبث أن قُضِي عليه بينما بقي الكثير الأهم لم ينفذ. ولأن النية الصادقة غائبة فإن الألفاظ الجميلة الرائعة كانت السائدة ومازالت، فالجميع يتحدث عن السلام، والأمن، والاستقرار، والحقوق ولكن الواقع غير ذلك.
الجميع يتحدث عن دولة فلسطينية، ولكن ما هي حدودها وكيف تكون سيادتها واقتصادها فهذا متروك للمفاوضات وتبدأ المفاوضات ولكن متى تنتهي، فهذا أمر غير محدد فيمكن أن يكون بعد سنة أو عشر أو مائة. وطيلة هذا الوقت على الطرف الضعيف أن يصبر ويلتزم ويعطي وإن مات الشعب وأهين أو غبن، وللطرف القوي أن يبقي الأمور كما يريد حتى تنتهي المفاوضات ذات النهاية المطلقة، أو أن يستجيب الطرف الضعيف للإملاءات المفروضة غير العادلة ليصفق العالم للسلام الوهمي غير العادل.وللتعامل مع هذا الواقع فإن الطرف القوي يفرض على العالم أن يبدأ بآلية كذا وكذا، والإطار والمفهوم السابق واللاحق، وعلى العالم أن يهلل عند التقدم اللفظي تارة ويصمت عند الجمود أو التراجع اللفظي تارة أخرى. وفي ظل غياب تنفيذ العدل فإن للطرف القوي حق تحقيق الأمن أولاً وتحقيقه ليس له حدود دولية أو إنسانية أو أخلاقية أو قانونية.
فيمكن احتلال الدول المجاورة بسببه، ويمكن قتل الأبرياء، وخرق القوانين، وضرب الدول البعيدة التي يفترض أنها قد تنوي التأثير عليه.
جاءت مبادرة واقعية تتمثل فيها «النية الصادقة لتنفيذ العدل» فكانت طرحاً للحقيقة التي كانت غائبة لتكون حاضرة إذا رغب المجتمع الدولي في تبنيها ومن ثم تنفيذها بغض النظر عن موقف الأطراف الأخرى فليس من الحظ أن العالم أجمع قد قبل المبادرة وأيدها، فقد تبناها مؤتمر القمة العربي في بيروت، ورحبت بها جميع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وسعت في جعلها أساساً لقيام سلام عادل.
هذه المبادرة ترى قيام دولة فلسطينية غير منقوصة على حدود قبل عام 67م وعاصمتها القدس الشرقية وانسحاب كامل من الأراضي العربية المحتلة وتطبيع للعلاقات. وأن تعيش جميع دول المنطقة في أمن وسلام دائمين وأن يشمل ذلك الحل مشكلة اللاجئين.
تم التبني من الدول العربية، وتم التأييد من دول العالم، لكن إذا حضرت الحقيقة الغائبة، وكانت النية الصادقة موجودة، فإن المجتمع الدولي عليه أن يتبنى الأمن والسلام الذي أيَّدَهُ دون تركه في يد الأقوى ليزيله بدلاً من تثبيته.
لقد أصبح لدى العالم قناعة تامة أن ترك هذا الموضوع لأطراف النزاع دون تدخل دولي عادل يعني المزيد من المآسي التي ستصيب العالم أجمع. ولذا فلابد من استخدام تلك الأدوات المتاحة لدى المجتمع الدولي للتعامل معه لينتهي النزاع إلى غير رجعة ودون ذلك فإن الحلقة ستظل مفتوحة، وقد تتسع إلى ما هو أكبر أو قد تنتقل إلى حلقات أوسع.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved