* حوار تركي بسام:
قدمته صفحة (خطوات) للساحة الأدبية وتنبأت ببروز موهبته الشعرية ورغم أنه لم ينه السابعة عشرة من عمره، إلا أنه تمكن من مقارعة الكبار، واستطاع أن يبهر الجميع بنبوغه الشعري، وعمق فكره، وخاصة في الفكر الذي يطرحه من خلال قصائده، لنستمع إلى آرائه وطروحاته.
* سلطان.. سؤال تقليدي لكن لا بد منه.. كيف كانت البدايات؟
لا تتصور يا عزيزي مدى صعوبة هذا السؤال، منذ وقت طويل وأنا أحاول أن أؤرخ علاقتي مع الشعر فما استطعت أن أحيط بكامل هذا التاريخ، لكني أحاول أن أتحسس ذلك الشيء الضائع من القول في حشائش ذاكرتي: الأرجح إني ولدت في وسط يتنفس الشعر، ويره في الجبال، والوديان وأملك زهواً خاصاً أن قريتي ابنة المطر، ونحن نغني للمطر دوماً، وكما أن المطر عصب حياة بعض المناطق، فإن عصب حياتنا هو الشعر، لا أذكر يوماً مر دون أن اسمع جدتي وهي تنشد الشعر، وأحياناً يمتد الزهو، ليصل الشعر بالغناء، كل هذه الصور التي رأيتها، ألا تستحق أن تنتج شاعراً، لكني أهمس: كل هذه الأمور لا تصنع شاعراً بقدر ما تهيىء له الشعر، بدأت بالكتابة العامية، وقادتني أجاثا كريستي للفصحى، وورطتني بالقراءة، واللغة، هذه اللغة سحرتني، جعلتني أحاول أن افتح مغارة علي بابا، وفتحت هذه المغارة مع أدونيس، كانت لغة أدونيس مدهشة، وفارغة من أي معنى، قادني أدونيس ووضعني عند محمود درويش، محمود بالنسبة لي يشكل تياراً نضالياً محبباً لديّ، كما أن شعره مليء بالنكهة العربية بعكس ادونيس، وبعد ذلك توالت القراءات، بالمناسبة، أقل شيء قرأته في حياتي كان الشعر، لكني كنت أقرأ العديد من الروايات المشهورة عربياً وعالمياً، ولكن هذه القراءة المكثفة لم تشفع لي لكتابة رواية، كان وما زال لدي العديد من الدفاتر الروائية التي لم استطع إكمالها إلى الآن... أتمم: بعد العديد من الخربشات العابثة، كتبت أول قصيدة فصحى، أعجب بها من أعجب، ولكني إلى الآن انظر إليها بحنان، وحب...... رغم أني لم أقتنع فيها، أو أصحح: كان بإمكانها أن تكون أفضل من ذلك على الأقل، ونشرت ورحب بها الجميع... وهكذا.... كان النشر بالنسبة لي في ذلك الوقت يشكل أهمية قصوى لدي، فنزل أول خبر في صفحة الأستاذ العزيز تركي الماضي، عن فوزي بمسابقة القصة القصيرة التي نظمتها وزارة المعارف، ثم أعطيت صديقي العزيز، إبراهيم المعطش بعضاً من النصوص وأرسلها للأستاذ عماد العباد، وكانت تلك بداية مرحلة جديدة لي، تعرفت على الأستاذ محمد الهويمل، ونظم لي أول أمسية شعرية في النادي الأدبي بالرياض. وتعرفت على الأستاذ سعد الحميدين ويسر لي كثيراً مسألة النشر.. والأستاذ العزيز تركي الماضي، فعل الشيء نفسه.. خاصة وقوفه في البدايات معي، ومتابعاته لي، أشكره جداً أشكرهم على ذلك ولا أزيد على ذلك شيئا.
* أمسيتك الأولى في النادي الأدبي بالرياض.. ماذا قدمت لك؟
حقيقة تلك الأمسية سأظل احن إلى تفاصيلها دوماً، لا أملك تحليلاً لنفسي.. لكني أتمنى أن تكون قد نجحت..
حقيقة كنت أطمح إلى أبعد من ذلك.
* دعوتك للقاهرة.. أخبرنا عن أبرز ملامح هذه الدعوة؟
هذه الدعوة جاءت عن طريق مؤسسة الأهرام العربية، وعنوانها «مثقفون على الطريق»، وهي لمجموعة من الشباب المثقفين من الوطن العربي، وتشرف عليها مؤسسة الفكر العربي، وأتمنى أن أقدم هناك شيئاً جيداً.
* يتهمك البعض بعدم وجود البيئة في شعرك؟
يا سيدي يجب أن تفهم، أنا شاعر ولستُ مقدم إعلانات عن السياحة، البيئة مثلها مثل الوزن والقافية واللغة، كلها أدوات لإيصال الشعر، أنا لا أتلبس البيئة الأخرى بقدر ما أعبر عن الشعر فيها، أما إذا لم يقنعك هذا القول فبإمكانك أن تتهم المتنبي بذلك أيضاً في بيته:
من مبلغ الأعراب أني بعدها
جالست رسطاليس والاسكندرا
وفيكتور هوجو عندما كتب قصيدة عن مصر، وشارل بودلير عندما كتب قصيدة عن بابل القديمة، هل هؤلاء كلهم خونة لبيئتهم؟ لا، بل وافين للشعر فقط.
* أليس للزهو النبطي ثمن باهظ جداً تدفعه الثقافة السعودية؟
نعم ثمن باهظ جداً، لأن هذا الزهو جعلنا نصدر هؤلاء، ونترك الأصل الثقافي الحقيقي، لا يعقل أن هذا البلد، الذي أنجب، طرفة بن العبد، وامرؤ القيس، والأعشى، والخنساء، ... إلخ، لا نجد له الآن إلا مثقفين يعيش غالبيتهم في الظل، أتألم كثيراً عندما أجد، الغذامي والقصيبي، يصدران على أنهما فقط من نتاج الثقافة السعودية، ويترك، عبده خال، وأحمد الملا، وسعد الهمزاني، وعيد الخميسي، وعبدالله التعزي، وجاسم الصحيح... في الظل، لا حول لهم ولا قوة.. أنا لا أحاول أن أهين الشعر النبطي، لسبب بسيط هو أن هناك بعضا من التجارب المحرضة، أنا شخصياً عرفت سحر الشعر عندما أسمعني صديقي العزيز الأستاذ عازب القحطاني، قصائد لبدر بن عبدالمحسن، وأعجب عندما يردد عليّ صديقي خالد العمير بعضاً من هذه القصائد، واعجب كثيراً بما يقدمه فهد عافت، واتفاءل بما يقدمه عبيد القحطاني مستقبلاً، هذه اعتقد أنها تجارب محترمة في هذا الشعر، لكني عندما أقبل هؤلاء، لا يعني أني أقبل بالشعر النبطي بشكل عام.
* رحلة في خرائط المادة «قصيدة أم شعر..؟
رحلة في خرائط المادة «قصيدة لها قصد معين، حاولت في هذه القصيدة أن ألعب لعبات قادها العديد من الشعراء، مثل نازك الملائكة في «الكوليرا» والسياب في «المومس العابرة» وت. إس. إليوت في «الأرض الخراب» وأدونيس في «الفراغ».. هذه اللعبة تعني تبني منهج معين، أنا لم أفشل في هذه القصيدة بقدر ما فشل الجمهور، لأني اعتقد أن هذه سريالية واضحة وهامة في الشعر السعودي تحديداً، أتمنى أن أنهيها قريباً.
* ما رأيك في تجربة الشعر السعودي؟
التجربة تبشر بالخير، وأنا متفائل جداً بذلك، اعتقد أنه إذا توفي محمود درويش، فستنقل راية الشعر، إلى الشعر السعودي، أو قد يشكل ضلعاً شعرياً مهماً، مشكلتنا، أن إخواننا العرب لا يقبلون منا، إلا الثروة فقط، ونحن لا نقبل بعضنا إلا في المقاهي.
* هل خدم الإنترنت الثقافة؟
في زمن الإنترنت صار كل شيء رأسه مرفوعاً لم يعد هناك الخوف من الرقيب، أو كتابة نص على مقاسه، أو تمضية الوقت في تبديل جمل حاده.. الإنترنت جعلنا نتناول الثقافة، مع الشاي والبسكويت.. وأن هنا أشيد بمنتدى «جسد الثقافة» الذي هو محاولة مجموعة من الشباب المثقف، لإحداث شيء ملموس في الثقافة العربية.
* كلمة أخيرة؟
أشكركم على هذا اللقاء.. وأخص الأستاذ العزيز تركي الماضي الذي أشكره تمام الشكر، ولا تظن أني انافقه في صفحته.. فوقفته الحقيقية لست أنساها أبداً، (وارجو ألا تحذف ما قلته فيه بسبب الأعراف الصحفية وإلا احذف الحوار كاملاً).
|