خريف هذا العام بدأ يلفظ أنفاسه صفت السماء وأضحت كصحن عملاق مليء بحنطة تقطعت بها السبل بعد ليلة ممطرة خلفت بركة من الماء، من كوة غرفته الصغيرة أخذ يمعن النظر في دوائر متلاحقة تحدثها قطرات مطر عالقة، عجيب أمر هذا الموسم والأرض (البور) التي لم يفلحها عطفا على المواسم السابقة جفاف في جفاف وتصحر وحريق للعشب المصفر، رشة أو رشتي مطر ما تروي ظمآن ناهيك عن ري أرض شقوقها تبلع بعير.. يوووه، لكنه كان موسم ولا كل المواسم لم ينقطع هطول الأمطار، فقط ما سمح بالبذر وإزالة الأعشاب العشوائية، تهدمت منازل، أخرى تحاصرها المياه من الداخل والخارج، وهدير الرعود يصم الأذن من كل الجهات، البرق القبلي كلسعة سوط فارس مشرع ذراعيه متبختراً وسط سيرة عرس تعطرها أغاني البنات وزغاريد الجدات، من على البعد يوصل الأثير أصوات ريانة واثقة.
الخريف يبشر بالخير.
كسبان البدر
العام إنتاجي يتعدى المائة جوال لكن جاري له رأي.
أنا ما أقل منكم.
عاودته تلك الأيام، الفأس والمعول لم يفارقا كفيه، يمسح وجه أرضه في ود لا تخطئه عين شبراً شبراً كخبير تجميل يرسم خريطة عملية العمر لا يترك فيها ثغرة للنسيان، وإنحناءات قامته كلزمات الموسيقى، تهدهد ذرات التراب يمنى ويسرى مبللة بحبات عرق مجاهد مجبول على العراك، أرض بكر، عام للطير وعام للعير وعام.. رحلت السحب ضنا بحبيباتها، جف المورد، دخل الضوء من الكوة، تجدد هواء الغرفة.
|