Friday 12th April,200210788العددالجمعة 29 ,محرم 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

الهدايا.. وما وراءها الهدايا.. وما وراءها
د. محمد بن سعد الشويعر

الهدية واحدة الهدايا، وهي ما، يقدم لتمكين المودة، أو إزالة مافي النفوس من سخيمة وغضب، وغير هذا من الاسباب والمسببات.
ولئن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء في البخاري في صحيحه :«تهادوا تحابّوا»، فإن الهدية لها وجهان، يجب الاهتمام بهما.. وجه حسن ووجه قبيح.. ولا تؤخذ على إطلاقها،، كما فهمها علماء الإسلام.
أما الوجه الحسن، فهي التي لا يريد دافعها، وراءها إلاّ الأجر من الله، والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي قبل الهدية.. وحث عليها. حيث تؤلِّف القلوب، وتزيل ما قد يكون وقربها من غضائن ومن إحن، وتقرِّب أبناء المجتمع من بعضهم.
وقد حبذ هذا النوع من الهدية الفقهاء، حيث يدخل في هذا : الخلق الحسن والبشاشة في الاستقبال والكلمة الطيبة، وإكرام الضيف، والإحسان إلى الجار، والزكاة، وغيرها كالعمرى والرُّقْبى، فالعمرى: كان يقول : «داري لك عمري أو هي لك عمرك» والرُّقْبىَ هي ان يقول:«هذا لك عمرك، فإن متَّ قبلي رجع إليّ، وان متُّ قبلك فهو لك».
والهدية والهبة: هي انواع من العطية، لا يريد دافعها عوضاً، لمن صدرت له الهبة أو الهدية.. ومنها ما كان يعرف لدينا سابقاً بالمنيحة، فإذا جاء الربيع أعطى القادر جاره الفقير منيحة له من بهيمة الأنعام، يستفيد من لبنها هو وأولاده، حتى لا يشعروا بالغبن وأثر الفقر بين من حولهم، فإذا جفت أعادها لصاحبها، ليعطيه غيرها فيها لبن.. وهذا يعمل في الحواضر والبوادي.. ومنها ما يعطى للركوب والانتقال فترة معيّنة.
فالهدية والهبة: تعنى تمليك الواهب أو المهدي، بعض ماله بطيبة نفس، لغيره في حياته، عطية بلا عوض، وقد اهتم الفقهاء بذلك بحثاً واستقصاء وفق أحكام الشريعة، وحددوا لذلك شروطاً من المعطي، كما يتعين على الآخذ قبولها، ، والمكافأة عليها إن كان قادراً، والدعاء له ممن لا يقدر لقوله صلى الله عليه وسلم :«من صنع اليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجدوا ماتكافئونه به، فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه أما الوجه السيىء من الهدية، فهو استغلالها لمصالح شخصيّة، وطلب النفع الدنيوي من وراء ذلك، فهذه تتحول من هدية إلى رشوة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لعن في هذه ثلاثة الأطراف، وهم المعطي والآخذ والوسيط، لانها يترتب عليها، انحراف عن الحق، وإعطاء المعطي، وهو الراشي حقاً ليس به، وحرمان صاحب الحق الأصلي بهذا الظلم.. ولو قال الدافع أو الوسيط إنها هدية، فلا يتغير الحكم عن كونها رشوة، لأنه يترتب عليها أخذ شيء بغير حق.
يقول صلى الله عليه وسلم في الرشوة :«لعن الله الراشي والمرتشي والرائش» فالأول هو المعطي، لأنه يدفع شيئاً ليحول أمراً شرعياً في غير مساره الحقيقي، والمرتشي، هو الآخذ لأن قراراً منه جوراً وظلماً، يترتب عليه، نزع الحق من صاحبه، وتحويله إلى المعطي وهو الراشي، اما الطرف الثالث، في هذا الوعيد فهو الوسيط الذي مهد للأمر، ويسر سبله بين الطرفين، فهو معين في صرف الأمور الشرعية، إلى مسار مغاير للمجرى الحقيقي.
وان سمّيت هذه الوسيلة هدية، فإنَّ تغيُّر المسمّى لا يغيّر حقيقة الأمر.. ولا يحل ما حرمه الله ورسوله، ولا يبيح حقاً منتزعاً من صاحبه، ليعطى ظلماًَ وعدواناً للمعتدي.
ولذا اعتبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، هدايا الموظّفين، والموكّلين بأمانات الدولة غلولاً، وهو الأخذ بغير حق، فقد جاء في حديث ابن اللتبية، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمله على عمل، فلماء جاء قال لرسول صلى الله عليه وسلم، في المال الذي جمعه من هذا العمل: «هذا لكم وهذا أُهدي إليّ» فتأثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقام خطيباً ليقول :«ما بال احدكم إذا استعملناه، على أمر من الأمور قال: هذا لكم وهذا أهدي إلي.. أفلا قعد في بيته فلينظر هل يهدى إليه شيء.. إنما هو سحت فليأخذه أو ليدعه».. وفي رواية إنما هو غلول.. إنما هو غلول.
وكل مال أخذ من أموال الدولة، بغير حق مشروع، فهو يدخل في الغلول، لأن أصل الغلول: ما أخذ من فيء المغانم في الجهاد، قبل أن يقسم.. فقد أخرج البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فذكر الغلول، فعظَّمه وعظّم أمره، ثم قال: «لا أُلفَينّ أحدكم يجيء يوم القيامة، على رقبته بعير له رغاء، يقول يا رسول الله، أغثنى فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتك، لا أُلْفينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، لا أُلفَيِنّ أحدكم يجيء يوم القيامة، على رقبته شاة لها ثغاء، يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً ، قد أبلغتك،لا أُلْفينَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتك، لا أُلفين أحدكم يجيء يوم القيامة، على رقبته رقاع تخفق، فيقول: يا رسول الله اغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتك، لا أُلفْينَّ أحدكم يجيء يوم القيامة، على رقبته صامت، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك».
وقد كثرت في هذا الزمان، الهدايا التي تقدم من الشركات، والمؤسسات المالية على اختلاف أنواعها ومآربها، سواء جاءت على هيئة هدايا، أو جوائز، أو مسميات أخرى متنوعة، لا تعطى للجميع، وإنما يستجلب بها النفع، والربح لصالح تلك الهيئات.. تقليداً لما هو سائد في بلاد الغرب والشرق.. حيث يرون من مهارة التسويق، تشويق الناس ووضع المغريات التي يستجلب بها انفتاح الجيوب للشراء، طمعاً في الحصول على الجائزة المعلن عنها، أو يزيد في الشراء ليحصل على هدية حددها المحل، لمن يزيد شراؤه عن مبلغ كذا..
ذلك أن كثيراً من الأنظمة المالية، والمسارات البنكيّة، خارج العالم الإسلامي، في وضع وهيمنة اليهود، الذين عرفوا من قديم التاريخ باختراع الحيل، والمراباة، من أجل جمع المال حتى قيل إن البنوك في ديار الغرب، كانت من ابتكار البيوتات اليهودية كعائلة روتشلد وغيرها.
ويخبرنا التاريخ الإسلامي عن دور اليهود في تعاملهم مع الناس، بالربا، ومضاعفات الارباح، حيث عرفت عنهم في المعاملات، لمن عليه حقِّ الكلمة: إمَّا أن تعطي أو تربى ليفرض صاحب المال زيادات ربوية تقصم ظهر الفقير، وتتضاعف مع كل مرة، وهذا الأمر شدّد الإسلام في تحريمه لما وراءه من مفاسد.
وكل تلك الوسائل، والمبتكرات، التي تزيد الغنيَّ غنى، وترفع رصيده، وتضر المتوسط والفقير، بسلب جهده، وعرق جبينه، وتضاعف الفقر على كاهل الفقير، .. بدأت تدخل المجتمعات الإسلامية، ويستمرئها بعض الناس، تقليداً أو تهاوناً في بادئ الأمر، رغم ما يصدر عن العلماء من فتاوى، بما وراء ذلك من شبهات، حيث يصمّ بعضهم، أذنه عن كلام الله، وينجرف مع التيار مستجيباً لما يقال بأن زيداً ربح كذا، وعبيداً فاز بكذا، حسب ما يدفعان من اموال أو اعلانات مدفوعة الثمن.
والرسول صلى الله عليه وسلم: حذر من اتّباع سنن من كان قبلنا، وأنه أمر سيقع في هذه الأمة، حتى لو دخلوا جحر ضبِّ لدخلته أمة محمد صلى الله عليه وسلم، حذو القذّة بالقذّة. وإخباره صلى الله عليه وسلم، وقوله حق لا مراء فيه، لأنه يخبر عما جاءه من ربّه، ويرسم لأمّته المنهج السليم الذي فيه السعادة، والسلامة من مضلاّت الفتن.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا كان قد قال:«كل قرض جر نفعاً فهو ربا» (كشف الخفاء للعجلوني 2:125) فإنه يحثُّ على الهدية والصدقة لانهما متلازمتان، وكل عمل فيه نفع من المسلم، لأخيه المسلم، عطاء بدون عوض، وبقلب صادق يريد به الدافع، وجه الله تعالى.. ويحذر من الهدية المعاكسة الداخلة في المضزّة. ذلك ان الهدية من هذا النوع: تجلب المحبة، وتقارب العواطف والقلوب، فقد جاء في صحيح البخاري رحمه الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«تهادوا تحابُّوا».
ويقول عليه الصلاة والسلام في موضع آخر: «من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه به، فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه». وقد قبل صلى الله عليه وسلم: الهدية وحث عليها، وجازى عليها.. وروي عنه القول: بأنه قال: «لو أهدى إليَّ كراع لقبلت، ولو دعيت إلى كراع لأجبت». وقد ذكر ابن الوطواط المتوفى عام 818 ه في كتابه غرر الخصائص: أن عائشة رضي الله عنها قالت: اللَّطفة عطفة، تزرع في القلوب الألفة والمحبة»، وفي الأثر:« الهدية تجلب المودة، إلى القلب والسمع والبصر».
فصارت الهدية مما يهتم به المسلمون، على مرّ العصور، ويتخيرون المناسبات، ليكون لكل مناسبة ما يلائمها، وبحسب مقام المهدي، والمهدى إليه، وما يتوفر في كل بيئة.
ويبرز أثر ذلك فيما عرّفه الفقهاء، في كتب الفقه في الهدية، ما يحلّ منها وما لا يحلّ، ومن الذي يحقّ له أن يهب ويرجع في هبته، والذي لا يحقّ له أن يرجع في هديته، سواء أثيب عليها أو لم يثب.
فالفقهاء، نظروا إليها نظرة شرعية، والعلماء تكون هداياهم متعلقة بتخصصهم: من كتب وأقلام ومحابر، أما رجال الدولة، بعدما اتّسعت رقعة البلاد: في الدولة الأموية بالشام، ثم العباسية في العراق، ثم في البلاد الشّاسعة من الاندلس غرباً، إلى حدود الصّين شرقاً، فقد حرصوا على الهدايا، الممزوجة بما تاثروا به من تلك البلاد الجديدة، التي انضوت إلى حظيرة الإسلام.
يظهر أثر ذلك فيما وصل إلينا من الكتب، سواء كانت متخصّصة في هذا المجال، أو لم تتخصّص، وإنما كانت تعنى بالطرائف والمتفرقات والأدب والأخبار، فمن الكتب المتخصصة وتذكر لفائدة القارىء الراغب:
كتاب التحف والهدايا للخالديين، كتاب الهدايا منسوب للجاحظ ذكره ياقوت. كتاب الهدايا لطيفور من خراسان كتاب الهدايا والسنّة فيها لإبراهيم الحربي ذكر في كشف الظنون، كتاب الهدايا لابن المرزبان، كتاب الهدايا للجنديسا بوري ذكره ابن النديم، كتاب الهدايا لابن عبدالله ذكره النديم في الفهرست، التحف والطرف للببغاء ذكره الثعالبي، التّحف والطرف لابن عفيون ذكره المقرّي في نفح الطيب، التحفة والطرفة لابن نصر الدمشقي، الذخائر والتحف لشهاب الدين الدمشقي.
اما الكتب غير المتخصصة، وهي كتب الأدب والأخبار، فهي كثيرة جداً، منها:
زهر الآداب للحصري القيرواني، عيون الأخبار لابن قتيبة، الشعر والشعراء لابن قتيبة، محاضرات الأدباء للأصبهاني، درَّة الغوّاص للحريري العقد الفريد لابن عبدربه، أدب الكاتب للصّولي، الموشّى للوشاء، نهاية الأرب للنويري، المستطرف للابشيهي، وفيات الاعيان لابن خلكان، بدائع البدائع للازديّ، غرر الخصائص للوطواط، وغيرهم كثير.. كالاغاني لأبي الفرج الاصبهاني.
وكتاب التحف والهدايا للخالديّين: أبي بكر محمد، وأبي عثمان سعيد ابني هاشم الخالديين، وكانا على صلة وثيقة بسيف الدولة الحمدانيّ، نستنتج من المقدّمة، أنهما ألفاه له، حينما قالا: وبعد: فإنك أدام الله عزك، امرتنا لا زال أمرك نافذاً، ونهيك مطاعاً: أن نختار لك بعض ما قيل في التحف والهدايا، من النظم والنثر، وأن نتجنب ما لا معنى فيه، ولا فضيلة له، وأن نختصر ذلك، ونحذف فضوله، فبادرنا إلى ما أمرت، وسارعنا إلى ما رسمت، لنوفي الخدمة حقها، ونعطيها قسطاً (ص 7 8).
وقد وفيا بما قالا، فقد كان كتاباً مختصراً، جاء في أحد عشر باباً، حققه ووضع فهارسه الدكتور: سامي الدهّان، عضو المجمع العلمي العربي بدمشق، ونشرته دار المعارف بمصر، في حدود 70 صفحة.. وزاد فيه ذيلاً.
ولانهما شاعران، فقد اهتمّا بالهدايا المرتبطة بالشعر: سواء فيمن أهدى هديّة معها شعر، أو في ذكر من أُهديت إليه هدية فشكر عنها بشعر، أو في ذكر من استدعى الهدية بشعر، أو في ذكر من ذم ما أهدي اليه شعراً أو نثراً، أو في ذكر من لم يقبل الهدية، ترفعاً وردها تنزهاً، وفي ذكر من استهدى شيئاً فمنع منه، أو مُطل به، فذمّ واستبطأ بشعر. وفي الباب التاسع في ذكر شيء من أشعار من قصرت يده عن الهدية، فاقتصر على الدعاء، واعتمد على الشكر والثناء. فالكتاب مع الطرائف التي ذكرت فيه كان غالبيته الطابع الشعري.
مما يبرهن: على أن الإنسان إذا نزع إلى شيء وقرفي قلبه، واستطابته نفسه، فإنه يطغى على مؤثّرات نفسه، وعلى إنتاجه العلمي، لأنه يدور في الحلقة التي أحاط بها نفسه.. لأن الطبع يغلب التَّطبع.
وقد ذكر حالتين متباينتين: إحداهما في ذكر هدايا ملوك الأطراف للسلطان، والثانية: في ذكر هدايا النَّوْكى الحمقى وتحف المتخلفين، ويبين بينهما الفارق في المستوى العقليّ والإدراك، وإيضاح حالة المجتمع وما يدور فيه.. فمن الأولى قوله: حدثنا الصولي: قال: كتب بعض عمّال الحجاج إليه: «أما بعد فقد وجّهت إلى الأمير ثوب خز أحمر أحمر أحمر، فأجابه الحجاج: قد وصل الثوب فانصرف معزولاً، فإنك أحمق أحمق أحمق» (ص 178).
والنوع الثاني قوله: وكتبت بِرنا ملكة فرنجة إلى المكتفي كتاباً مع هدايا هنّ خمسون سيفاً، وخمسون ترساً فرنجيّة، وعشرون ثوباً منسوجة، وعشرون خادماً، وعشرون خادمة وعشرة أكلب لا تطيقها السباع، وسبعة بزاة وسبعة صقور، وعشرون ثوباً معمولة من صوف تكون في صدف، يخرج من البحر، يتلون ألواناً في كل ساعة من ساعات النهار، وثلاثة أطيار تكون ببلاد فرنجة، إذا نظرت إلى الطعام والشراب المسموم صاحت صياحاً منكراً، أو صفقت بأجنحتها حتى يعلم بذلك، وخرز تجتذب به النُّصول والأزجّة بعد بناء اللحم عليها بغير وجع (167168).
طرائف الهدايا:
توجد في الكتب للتاريخ والأخبار والأدب، طرائف عما يهدى، نورد نماذج عن كل كتاب من بعضها وهي كثيرة:
ففي عيون الأخبار لابن قتيبة قال: روى الزبير بكّار عن عمه قال: كان الحارث بن عبدالله بن أبي ربيعة، يجلس وعمرو بن عبيدالله بن صفوان، ما يكادان يفترقان، وكان عمرو يبعث إلى الحارث في كل يوم بقربة من ألبان إبله، فاختلف ما بينهما، فأتى عمرو أهله فقال: لا تبعثوا للحارث باللبن، فإنا لانأمن أن يرده علينا، وانقلب الحارث إلى أهله، فقال: هل أتاكم اللبن؟ قالوا: لا فلما راح الحارث لعمرو، قال: يا هذا لا تجمعن علينا الهجر وحبس اللبن. فقال: أما إذا قلت هذا، فلا يحملها إليك غيري، فحملها من ردم بني جمح مكان بمكة تسكنه بنو جمح إلى أجياد.. فزال، مابينهما.
وجاء في العقد الفريد، لابن عبدربه: أن رجلاً كتب إلى المتوكل على الله، وقد أهدى اليه قارورة من دهن الأترج: إن الهدية يا أمير المؤمنين، إذا كانت من الصغير إلى الكبير، فكلما لطفت ودقت، كانت أبهى وأحسن، وإذا كانت من الكبير الى الصغير، فكلما عظمت وجلت، كانت أنفع وأوقع، وأرجو ألا تكون قصرت بي همة، أصارتني إليك، ولا أخرني إرشاد دلني عليك.
وجاء في كتاب الوزراء والكتاب، لمحمد بن عبدوس الجهشّياريّ أن والى مصر للرشيد، قال لغلامه أبي درة، وقد أهدى له أهل مصر هدايا كثيرة لاتقبل منها إلا مادخل في جراب، ولاتقبل حيواناً فقبل من هدايا الناس الثياب، والطّيب والعين والورق.. أي الفضة، وجعل يعزل كل هدية على حدتها، ويكتب عليها اسم صاحبها، وجدّ في استخراج مال مصر، فتيسر له منه نجمان، وتأخر النجم الثالث، فاطمأن أصحابه، فجمعهم وقال لهم: إني قد حفظت عليكم ما أهديتموه اليّ، وأمر بإحضاره، وإحضار الجهبذ، فما كان من عين أو ورق أجزأه عمن أهداه اليه، وما كان من ثوب أو غيره، باعه وأخذ ثمنه، حتى استغرق الهدايا كلها، ونظر فيما بقي بعد ذلك، فطالب به، فسارع الناس إلى الأداء، فيقال: إنه عقد جماعة مصر من غير أن يبقى فيها درهم، ولم يعهد ذلك من قبله.
وجاء في كتاب اللطائف والظرائف للثعالبي: أن عمر بن عبدالعزيز أهدي اليه هدية فردها، فقيل له: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبلها، فقال: كانت له الهدية هدية، وهي لنا رشوة، وقد لعن رسول الله الراشي والمرتشي والرائش، وقال بعض السلف: الهدية للعامل غلول، وفي عمل السلطان رشوة، وقيل في الهدية: لئن كانت مكافأة على معروف لي عنده، فإنه سيسألني أخذ ثمن ذلك من حقّ غيره.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved