* واشنطن خدمة الجزيرة الصحفية:
قامت الشرطة في جميع الولايات الأمريكية وفي جميع أنحاء أوربا باعتقال قرابة1400 شخص وذلك على خلفية الهجمات التي شنت على نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من أيلول، لكن تهمة العلاقة باقتراف أسوأ عمل إرهابي في التاريخ لم توجه إلا لشخص واحد فقط من هؤلاء، لم يتم اكتشاف أي من خلايا تنظيم القاعدة في الولايات المتحدة بينما اختير ثمانية أشخاص في أوربا منذ أحداث الحادي عشر من أيلول ممن اتهموا سابقا بعلاقتهم بإرهاب تمارسه حركات متطرفة، ولا يزال هناك ثمانية وسبعون شخصا في السجن ينتظرون ما ستتمخض عنه التحقيقات في التهم التي تتباين بين التحايل باستخدام بطاقة الاعتماد والزعم بتحضير خطة لتفجير السفارة الأمريكية في باريس، إلا ان المشتبه بضلوعهم في تدمير مركز التجارة العالمي هم ثمانية فقط.
إن النتائج الضئيلة التي أفرزتها التحقيقات الأكثر قوة واتساعا من أي وقت مضى قد أثارت تساؤلات حول قابلية القانون المطبق والإجراءات القضائية التقليديين على معالجة قضايا الإرهاب الدولي، الارهاب جريمة ام حرب؟.
يقول مايكل ليفي البروفسور في علم الجريمة في جامعة كارديف ويلز: «لا تبشر النتائج المستقاة حتى الآن بخير يمكن تحصيله من جهود مستقبلية كهذه».
في الواقع ان صعوبات تعقب المشتبه بهم وتكديس الأدلة لإدانتهم دفعت ببعض الخبراء إلى التساؤل عن جدوى مثل هذه الإجراءات. ويطرح ستيفن جيل خبير مكافحة الإرهاب الذي يدرس في جامعة بنسلفانيا السؤال التالي: «هل الإرهاب جريمة أم حرب؟ إذا وجدت أن شخصا ما سيقوم بقطع التيار الكهربائي الواصل إليك. فإن باستطاعتك وقفه ضمن محكمة جنائية. ولكن ضمن الحرب تقوم بإطلاق النار عليه وتطرح الأسئلة فيما بعد».
فشل أوروبي أمريكي
في حين أن مسؤولين أمريكيين يعتقدون أن بعضا من كبار قادة تنظيم القاعدة قد قتلوا ربما في الحرب التي تدور في أفغانستان، فإن التحقيقات الجارية في أمريكا وفي أوربا لم تتوصل إلى نجاح كهذا، الرجل الوحيد الذي وضع رهن الحجز القضائي للاشتباه بضلوعه في أعمال إرهابية هو أبو قتادة الأردني الجنسية والذي يعتقد أنه عضو بارز في تنظيم أسامة بن لادن، ولم تتم إدانته بأي جريمة، أما الباقون فهم محل اشتباه في كونهم أعضاء أقل منزلة في تنظيم القاعدة الواسع ممن ليس لديهم سوى معرفة قليلة أو ليس لديهم أية معلومات بالمرة حول أية مخططات مستقبلية.
ولا تعني النتائج المحبطة أن خلايا تنظيم القاعدة هي أقل انتشارا مما كانت تظنه السلطات الأوربية مثلا، ولا تعني أيضا أن الشرطة ليس لديها شكوك قوية تجاه بعض الأفراد الذين تقوم بمراقبتهم أو اعتقالهم، ولكنها أي السلطات ليست قادرة على قلب هذه الشكوك إلى اتهامات رسمية في الكثير من الحالات بسبب الصعوبة الخاصة في حل قضايا الإرهاب.
مهمة صعبة
إن البحث عن الضالعين في أحداث الحادي عشر من أيلول أمر صعب على وجه الخصوص لأن إعادة تركيب أحد عوامل عمل إرهابي بعد وقوعه هي عملية شبه مستحيلة سيما إذا استخدم أعضاء التنظيم الإرهابي وسائل لا تترك أثرا كالإنترنت للاتصال.
ويقول ليفي شارحا: «إن الأشخاص المتورطين في هذا العمل لم يكونوا محل اشتباه فيما مضى، لذا لم يكونوا مراقبين، وهكذا فإن معظم الأدلة ستكون قد اختفت».
ويقول مايكل كلارك رئيس مركز الدراسات الدفاعية في جامعة لندن إن إدانة التنظيمات التي تتبع أسلوب تنظيم القاعدة نفسه من اجل منع أية هجمات أخرى هو أمر ليس أسهل بكثير حتى ولو وضعت هذه التنظيمات تحت المراقبة.
و يقول: «يشكل الإرهاب تحديا أساسيا للنظام القضائي، فالإرهابيون لا يقومون بأي عمل يعرضهم للاتهام حتى يقترفوا العمل الإرهابي، ففي تسعين بالمائة من الحالات تكون أوضاع المبيتين لعمل إرهابي قانونية تماما، لذلك لا تستطيع أن تفعل شيئا لهم حتى لو تعرفت عليهم».
ويضيف كلارك: «يتحدى الإرهاب تصنيفاتنا لما هوقانوني وغير قانوني»، بالرغم من تباين ردة فعل كل من الولايات المتحدة وأوربا تجاه أحداث الحادي عشر من أيلول، لم تكشف تحقيقاتهما عن الكثير من المجرمين ممن يمكن توجيه التهمة إليهم، لقد ألقت الجهات الأمنية الأمريكية القبض على 1100 مشتبه به وذلك بعيد الهجمات على أمل أن يتم إمساك بعض الإرهابيين عبر شبكة صيد واسعة، بقي 326 منهم رهن وصاية دائرة الهجرة والإدخال لغاية الخامس عشر من شباط وذلك وفقا لقسم العدل في هذه الدائرة. بينما يواجه 114 منهم تهما تتباين بين تزوير الشيكات إلى حيازة هويات مزيفة. ولكن أيا منهم لم يجرم بالقيام بعمل إرهابي.
وكان ريتشارد ريد، المدعو ب(مفجر الحذاء)، قد اتهم فيما بعد بجريمة الشروع بتفجير طائرة متجهة إلى ولاية ميامي الأمريكية، زكريا موسوي الرجل الوحيد الذي يواجه تهما تتعلق بالضلوع في هجمات الحادي عشر من أيلول وهو زكريا موسوي، والذي قيل إنه كان «الخاطف المفقود»، تم اعتقاله في ولاية ميزوري في شهر آب أي كان في السجن عند وقوع الهجمات.
وفي أوربا التي كانت فيها قوات الأمن أكثر حذرا لم يعتقل سوى 245 شخصا، وذلك بسبب القوانين الأكثر صرامة من الولايات المتحدة المتعلقة بشروط الاعتقال، فعلى سبيل المثال لم يوضع رهن الاعتقال في ألمانيا، البلد التي عاش فيها في مدينة هامبورغ محمد عطا وصديقاه الخاطفان، سوى شخصين اثنين أحدهما هوالرجل الوحيد الذي اتهم بتورطه في أحداث الحادي عشر من أيلول منير المتصدق مغربي الجنسية اتهم بتزويد الإرهابيين بالدعم اللوجستي.
تقول سراوك كاترين شويتن الموظفة في مكتب المدعي العام لألمانيا الاتحادية: «ليس كل من اتصل بجماعة هامبورغ هو شخص مشتبه به وبالتالي يمكن وضعه خلف القضبان»، ينبغي أن يكون لدى المدعين العامين شبهة «خطيرة» بإمكانهم دعمها «بالدليل القاطع» في المحكمة، وليس للشرطة الألمانية إمكانية اعتقال «شهود ماديين» كما يفعل نظراؤهم الأمريكيون، حدود الأدلة التقليدية في بعض الأحيان يمكن حتى للمشتبه بهم الخطرين وللأدلة الدامغة أن تتبخر أمام التحديات التي يبرزها محامي الدفاع كما حدث في قضية لطفي الريسي الذي رفضت محكمة بريطانية تسليمه إلى الولايات المتحدة الشهر الماضي.
وقد وصفت الولايات المتحدة السيد ريسي الطيار الجزائري الجنسية ب«المعلم الرئيسي» لمختطفي أحداث الحادي عشر من أيلول، قائلة إن لديها شريط فيديو له مع هاني هنجور قائد الطائرة التي تحطمت في البنتاغون، بالإضافة إلى تسجيلات لمكالمات هاتفية بين الرجلين ودليل على أنهما قاما بالطيران في طائرة تدريب سوياً وعلى أنهما التقيا بالعديد من المختطفين في ولاية لاس فيجاس.
وظهر فيما بعد أن وجدت المحكمة البريطانية شريط فيديو يظهر الريسي مع ابن عمه وليس مع السيد هنجور، وأن الريسي والمختطفين لم يكونوا في لاس فيجاس في نفس الوقت، ولم تقدم السلطات الأمريكية أية تسجيلات صوتية للريسي وهنجور.
وعلى الرغم من أن السلطات الأمريكية تبدو أنها سلمت كل ما لديها من معلومات، فإنه من جهة أخرى ربما تكون كارهة لإبداء أية معلومات معرضة بذلك مصادر مخابراتها للخطر في سبيل إدانة المتهم حسبما يقول المراقبون القضائيون.
ثمة صعوبة أكبر في اختراق تنظيم واسع لخلايا منظمة بقوة مثل القاعدة فلم يكن باستطاعة الشرطة الأوربية اختراقها بعمق. حيث إن جميع من تم اعتقالهم تقريبا منذ أحداث الحادي عشر من أيلول كانوا مدرجين سابقا على قائمة المراقبة.
يقول خبير الاستخبارات غيلاوم داسكي إن الاعتقالات الجماعية بعد أحداث الحادي عشر من أيلول كانت «للاستهلاك الشعبي، وهي لم تخدم غرضا حقيقيا لأنها قامت بانتقاء أناس كانوا تحت المراقبة سابقا وهذا يعني أنهم لا يمكن أن يكونوا ضالعين في أحداث الحادي عشر من أيلول، إلا إذا كانت تلك المراقبة ضعيفة جدا»، كل من وضعوا رهن الاعتقال في إيطاليا مثلا وهم 24 شخصا منذ أحداث الحادي عشر من أيلول كان لهم صلات بقضايا قام المحققون بفتحها قبل سنة خلت، أي قبل الهجمات على نيويورك وواشنطن».
كريستيان ساينس مونيتور خاص |