* افغانستان خدمة الجزيرة الصحفية:
في اسفل الجبال الوعرة الممتدة عبر السهول القاحلة تقبع بضعة خيام متنقلة لقبائل الكوتشي أصحاب الملابس الزاهية الذين يشكلون اكثر من 10% من سكان الأفغان ويعيشون على القليل من الخراف الموجودة لديهم إضافة إلى موروثهم العشائري القديم.
إن أهم الأعمدة الرئيسية الثلاثة للموروث التراثي لهذه القبائل الذي يميزها عن غيرها من قبائل الباشتون منذ زمن هو حماية المستجير، ويقول باسم الله شينوار أحد أفراد قبيلة كوتشي والتي قامت بتشييد خيامها لفترة محدودة: «يجب علينا أن نجير ونحمي كل من يطلب المساعدة أو يستجير بنا، حتى ولو كلفنا ذلك حياتنا». ويضيف قائلا: «إذا طلب شخص ما اللجوء إلينا، فإننا لا محالة سنقوم بتقديم الدعم والمأوى له وهذا شيء لا يفعله سكان المدن المتحضرون».
ويقول مسؤولون عسكريون متحالفون مع القوات الأمريكية: «من سوء الحظ فقد قام العديد من مقاتلي القاعدة وحركة طالبان بالاستفادة من المبدأ.
ويضيف مسؤولون في شرق أفغانستان إن قبائل الكوتشي المتحصنة في الجبال تؤمن بأنه من واجبها تأمين الملجأ والمأوى للفارين من مقاتلي القاعدة. وبسبب تفشي الأمية والفقروالجهل الذي تتميز به هذه القبائل إضافة إلى افتقارها إلى الاتصال بالعالم الخارجي فقد تحولت هذه القبائل التي لم تكن منحازة في يوم من الأيام لأحد إلى حراس لهؤلاء الفارين من حركة طالبان.
ويقول ساردر خان نائب القائد الأفغاني في منطقة خوست المليئة بالفارين: «إن هذه القبائل تزود المقاتلين بالطعام والمأوى ويقوم المقاتلون بالمقابل بإعطائهم المال لتأمين متطلبات حياتهم اليومية، إن الأمر ببساطة عبارة عن تجارة فالمقاتلون يستخدمون هؤلاء البدو كحاجز وقائي من القوات الأمريكية وقوات التحالف الشمالي الذين يتربصون لهم بالمرصاد.. ويضيف السيد خان قائد قوات بادشاخان زعيم أقوى المناطق العسكرية: إن رجال قبائل الكوتشي يطلبون من عابري السبيل عدم الدخول إلى مناطقهم وإنها محرمة على الغرباء لأنها المكان الذي يعيش فيه نساؤهم وأطفالهم».
ويقول أحد رجال الكوتشي: «إن العوامل الاقتصادية هي المسيطرة فالقبائل فقيرة جدا وتقوم بمقايضة الخراف واللحم الموجود لديها بالأرز وبعض متطلبات عوائلهم الأخرى، والأهم من المال فإن المكسب الحقيقي لرجال الكوتشي هو الفخر الذي يشعرون به كونهم يمارسون الموروث الذي اكتسبوه من عاداتهم وتقاليدهم الذي كما يقولون يفتقر إليه الكثير من رجال الباشتون سكان المدن الذين يدعون المدنية والحضارة، كما انهم مدفوعون أيضا بالرغبة الجامحة لكي يكونوا مسلمين حقيقيين كونهم يقومون بإيواء العرب الأفغان.
ومن الواضح أيضا انه وعلى الرغم من أن قبيلة الكوتشي هذه تقول بأنهم لا يأخذون المال أو أي شيء من هؤلاء المقاتلين وانهم قاموا بعبور الحدود مع هؤلاء المقاتلين قبل الغارات الأمريكية وذلك لأن قائدهم رجل تقي عظيم يدعى ابن لادن، فعلى سبيل المثال قام شينوار في الشتاء الماضي بالانتظار مدة أربعة أيام في مدينة جلال آباد غرب أفغانستان على أمل رؤية النور الساطع الذي يشع من وجه أسامة بن لادن وذلك حسبما قاله له أحد رجال القاعدة، إن رجال الملا أخبرونا بأنه رجل عظيم وتحدثوا عنه وكأنه مخلوق خرافي قادر على صنع المعجزات وقد شاهدنا صورته ورأينا إن لديه لحية جميلة للغاية».
وهكذا وعلى مدار العام يقوم البدو الرحل من هذه القبائل بالتنقل بين المناطق الريفية البعيدة عن أفغانستان والقريبة من الحدود الباكستانية.
وفي أيام الجمعة وإذا كان أحدهم قريبا من قرية أو مدينة فانه يقوم بالدخول إلى المسجد والاستماع إلى الخطبة التي يلقيها أحد رجال الملا، ثم يعودون إلى نسائهم وأطفالهم حاملين معهم التعاليم والمبادئ الإسلامية.
وقد سمع شينوار بوجود أسامة بن لادن بالمدينة وظن إنه بإمكانه مساعدة قبيلته. ويقول شينوار في هذا السياق: «لقد كانت خيامنا قريبة من قاعدته، لذا فقد طلبت من رجال قبيلتنا أن لا يتحركوا حتى نرى هذا الرجل، وقد رحلنا خائبي الأمل ليس بسبب عدم معرفتنا بالأعمال التي نسبت إليه ولكن لأن الرجل الذي انتظرناه طويلا لم يخرج للقائنا أبدا».
ومع هذا فانه لا يوجد أدنى شك أو أية ريبة لدى أفراد القبيلة تجاه هذا الرجل المحارب العربي، على العكس من ذلك فانهم لا يزالون ينظرون إليه ولرفاقه على انهم قادة روحانيون.
ويقول رجال الكوتشي انهم كانوا يصادفون الكثير من العرب خلال السنوات الأخيرة وان علاقتهم بهم كانت ودية دائما فقد كنا نتجاذب أطراف الحديث وكانوا يعطوننا الحلويات والتمور التي كانوا يجلبونها من الشرق الأوسط إضافة إلى نسخ من القرآن الكريم التي يقوم رجال القبيلة بالمحافظة عليها في خيامهم على الرغم من عدم معرفتهم القراءة، إن القراءة شيء غريب على رجال الكوتشي وبسبب عدم اهتمامهم بالسياسة فلم يكن لديهم أي رأي نحو طالبان موجهين كراهيتهم نحو محاولات النظام المتطرف الذي يريد تجنيد أبنائهم من اجل الخدمة بالجيش.
وهكذا فكان رجال طالبان يأتونهم طالبين إعطاءهم خمسة أو عشرة من رجالهم للجهاد معهم، أما الآن فانهم يقولون بإن العرب الأفغان كانوا غامضين وانهم لا يعرفون بالضبط ماذا حصل في الحادي عشر من سبتمبر، ففي البداية كانوا قد سمعوا بأن الروس يريدون أن يغزوا بلادهم مرة أخرى، وكل ما يعرفونه عن الحرب هو إن شخصا يدعى (أمريكا) بدأ بالقصف والإغارة على بلادهم منذ أ شهر، ونتيجة لذلك فقد خسروا خمسين من خرافهم في إحدى الغارات الجوية على جلال آباد.
ويقول شينوار إن جهل شعبه وعدم معرفتهم بما يجري جعل منهم هدف وفريسة سهلة لأعضاء القاعدة وعلى الرغم من هذا كله فإن أفراد قبيلته سيستمرون في تقديم الدعم لكل مسلم يلجأ إليهم.
ويضيف قائلا: «نحن كالعميان فنحن لا نرى الطريق التي أتينا منها والطريق التي سنعود إليها مشيرا بذلك إلى طريق طويل يعجب وفود من قبائل الكوتشي بلباسهم التقليدي حيث تقوم النساء بلباس الغطاء الأزرق التقليدي ويسير الجميع باحثين عن أماكن جديدة للاستقرار. ويضيف قائلا: لايستطيع كائن كان أن يسرق منا خرافنا حتى لو كان من أذكى الناس، ولكنك يمكنك ان تسلب قلوبنا لو كنت رجلا مؤمنا».
إضافة إلى حماية المستجير فان القبائل تتمسك أيضا بمبدأين أساسيين آخرين وهما: أولا: «الناناواتي» والتي تطلب من القبيلة إن تعفو عن الدخيل حتى لو ثبت انه مذنب وقاتل وذلك إذا اعتذر عن فعلته لعائلة المغدور وطلب منهم معاقبته. ثانيا: «التيغا» والتي تطلب حل مشكلات القبيلة الداخلية من رئيس القبيلة، علاوة على ذلك فإن الكثير من مظاهر الثقافة الكوتشية لا تزال لديها التأثير الساحر على جميع مناحي الحياة لديهم، فلا يزال الكثيرون يؤمنون انه من الخطأ تسليم أي رجل يقوم بالاحتماء بهم، وانه يتوجب عليهم مساعدة المستجير حتى لو كلفهم ذلك حياتهم.
وقد صرح مسؤولون عسكريون أفغان الأسبوع الماضي: أن مثل هذه العادات والتقاليد أبقت على حياة (أيمن الظواهري) الطبيب المصري الذي يعتبر الساعد الأيمن لأسامة بن لادن عندما تواجد بالمنطقة الشهر الماضي، وقد قيل إن الرجل الأفغاني الذي كان يرافق أيمن الظواهري برحلته ينتمي إلى عشيرة (ناكازادان) وكونه يتمتع بصلة قرابة مع رئيس مقاطعة بكتيا (زاكيم خان) فقد سمح للظواهري بالمرور عبر نقاط التفتيش التي يسيطر عليها زاكيم خان وذلك بعد انتهاء عملية (آناكوندا).
ويعلق على هذا الموضوع العقيد نواز موندزاي المستشار العسكري لحاكم ولاية خوست قائلا: «إن شعبنا ساذج جدا ويجب علينا معالجة هذا الأمر، إن أهم عاداتنا العشائرية هي حسن الضيافة، فكل من يأتي إلى القرية وخاصة من هو في خطر يجب عليك حمايته ومرافقته من قريتك إلى أي مكان آمن، حتى لو كان هذا الشخص عدوك فإذا استجار بنا فلن نخذله أبدا ولن نقوم بقتله ويعتبر في حمانا إلى إن يغادرأراضينا».
كريستيان ساينس مونيتور خاص |