* باريس خدمة الجزيرة الصحفية :
انتشرت رياح الغضب المرير من الشرق الأوسط إلى أوروبا، بل إلى أبعد من ذلك إلى بنجلاديش وإندونيسا، كما أدت المعارك المستمرة بين قوات الجيش الإسرائيلي والقوات الفلسطينية إلى اشتعال شرارة العنف ضد الأهداف اليهودية في فرنسا وبلجيكا، كما أخرجت العديد من المتظاهرين الذين تجمعوا خارج سفارات الولايات المتحدة وإسرائيل حول العالم.
وأدت الاعتداءات الإسرائيلية على السلطة الفلسطينية ورموزها في الوقت الحالي إلى اندلاع اضطرابات واسعة النطاق في الشرق الأوسط، وقد أدت إلى مزيد من تذبذب الأسواق العالمية، التي تنتابها حالة من عدم الاستقرار بالفعل نتيجة القلق بشأن إمدادات البترول العالمي.
وفي ثلاث مبادرات متفرقة اجتمع دبلوماسيون في كل من لوكسمبورج ونيويورك والقاهرة من أجل التوصل إلى حل من شأنه أن يمنع تطور الصراع في الشرق الأوسط، وقد قام وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي بعقد اجتماع طارئ ليلة الأربعاء لحث إسرائيل بالالتزام بقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة والتي تدعو إسرائيل إلى الانسحاب الكامل من المناطق الفلسطينية التي قامت باحتلالها، وهذا الاجتماع هو الأول من نوعه منذ أحداث 11 سبتمبر، مما يعكس مدى مخاوف الأوربيين من المخاطر التي قد ينجم عنها الموقف الحالي.
وقال رئيس المفوضية الأوروبية رومانو برودي للصحفيين في بروكسل أمس: «من الواضح أن جهود الوساطة الأمريكية قد فشلت، ونحن بحاجة إلى تدخل من نوع جديد»، كما عقد وزراء الخارجية العرب في القاهرة اجتماعاً طارئاً، وأعقبه اجتماع لمجلس الأمن في نيويورك.
هذا ولم تبد أية مؤشرات تفيد بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون قد يلتفت إلى أي من الضغوط الدولية المتزايدة من أجل سحب قواته من المناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، التي وصفها بأنها معقل الإرهاب الذي لا بديل عن استئصاله تماماً.
وقد انتشر العنف هذا الأسبوع في أوروبا، عندما تم مهاجمة كنيس يهودي ومحل جزار يهودي يبيع ذبائح طبقًا للشريعة اليهودية، وأهداف يهودية أخرى، في أسوأ موجة من معاداة السامية منذ سنوات. وقال مالك بوتيه رئيس مؤسسة SOS لمكافحة العنصرية ان الهجمات ضد اليهود في أوروبا والتي طالما كانت ملجأ للجماعات اليمينية المتطرفة، يقوم بها غالباً شباب عاطل جاء من ضواح فقيرة في المناطق التي يقطن فيها العائلات المهاجرة من شمال أفريقيا، وأضاف قائلاً: «إن أحداث الشرق الأوسط قد أشعلت شيئا في رؤوسهم، وهم يستغلون ما يحدث من أجل القيام بأفعال معادية للسامية».
وقد تجمع الكثير من المؤيدين للفلسطينيين خارج سفارات الولايات المتحدة وإسرائيل في أثينا، وبرلين وباريس وكوبنهاجن وأسلو وروما.
ضغوط على الحكومات العربية
أما في العالم العربي فقد أصبح ياسر عرفات رمزًا من رموز التصميم والصمود، في الوقت الذي يشتعل فيه الرأي العالمي مما يقلص من الخيارات المطروحة أمام قادة المنطقة، كما يشعر الزعماء العرب أنفسهم بحالة من الإحباط وذلك لشعورهم بالعجز والتجاهل الظاهر للولايات المتحدة بشأن كبح جماح رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون.
وفي القاهرة سمح الرئيس المصري حسني مبارك بمظاهرات لم يسبق لها مثيل، وسار المتظاهرون نحو السفارة الإسرائيلية وطالبوا الحكومة المصرية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وبالرغم من تمكن السلطات المصرية من حجز المتظاهرين عن مبنى السفارة نفسه، فإن الصحافة المصرية قد قامت بعمل تغطيات واسعة للمظاهرات، في خطوة تبدو وكأن الحكومة المصرية تريد أن تسمح بالتنفيس عن الشعور الغاضب لدى المواطنين. وفي إشارة إلى مدى انعكاس الغضب الشعبي في مصر وصف التليفزيون المصري الذين قاموا بعمليات التفجير الاستشهادية والتي قتلت 40 إسرائيليًا في الأسبوع الماضي بأنهم «أبطال ضحوا بأرواحهم»، كما صرح مفتي مصر أحمد الطيب في تعقيبات نشرت الاثنين الماضي ان «الهجمات الاستشهادية التي يقوم بها الفلسطينيون ضد المستوطنين الإسرائيليين هي من أعلى درجات الشهادة». وقالت يمني سماحة من أبرز المعلقين السياسيين للإذاعة المصرية: «إن الشعب المصري يشعر بالغضب العارم ضد الحكومة، وقد أرسلوا رسالة واضحة إلى الحكومة من خلال هذه التظاهرات مفادها أنهم يتوقعون المزيد من التحرك، ولكن ما الذي يستطيع أن يفعله مبارك؟، كما شكك محللون عرب من أن تقوم مصر أو الأردن، الدولتان العربيتان اللتان ترتبطان بعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل، من استطاعتهما من قطع تلك الروابط في أحلك الظروف، حتى في حالة مقتل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات.
وقال د. مازن غرايب رئيس معهد الدبلوماسية الحكومي في العاصمة الأردنية عمان «إن إبقاء العلاقات الدبلوماسية حتى ولو على أقل درجاتها سوف يكون أكثر فائدة من قطعها تمامًا، فعلى الأقل سوف تعطي الأردن في بعض اللحظات العصيبة القدرة على التخاطب مع بعض الإسرائيليين».
وقد قامت كل من مصر والأردن بسحب سفرائهما من تل أبيب منذ بدء الانتفاضة الثانية في سبتمبر 2000، كما قامت التليفزيونات العربية بإذاعة لقطات يومية للفلسطينيين الذين تقبض عليهم السلطات الإسرائيلية، وتعرض صورًا للجثث الفلسطينية في أكياس داخل المشرحة، مما يغذي جوًا من الغضب الشعبي والذي لم يسبق له مثيل منذ عدة سنوات.
كما وصلت الأمور إلى ذروتها في لبنان والتي تحد إسرائيل من الشمال، وهي من أكثر الدول التي تعاني من خطر تطور الوضع ووصوله إلى حافة الاشتعال، فقد أطلقت جماعة حزب الله صاروخين على إسرائيل من مواقع في جنوب لبنان في الأيام الأخيرة، وأطلقت الجماعات الفلسطينية المسلحة ثلاثة صواريخ أخرى، مما حدا بوزير الخارجية الإسرائيلي شمعون بيريز بالشكوى إلى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان يطلب منه وقف هذه الهجمات، والذي حذر فيها «أن ذلك قد يكون له عواقب خطيرة على استقرار المنطقة».
جبهة أخرى
ويخشى الكثير من اللبنانيين أن تقوم إسرائيل بفتح جبهة أخرى في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بتطور المشكلات الخطيرة الكامنة، وذلك للظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها لبنان في الوقت الحالي. وقد تعهد وزير الدفاع اللبناني خالد هراوي هذا الأسبوع بأن «شيئاً لن يحدث قد يؤدي إلى فتح جبهة ثانية، وأن الحكومة اللبنانية تتخذ كافة التدابير اللازمة من أجل عدم اندلاع حرب، وأن الأمور تحت السيطرة الكاملة».
وقد أدت مأساة الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى استدرار تعاطف شعبي كبير بين اللبنانيين، وقامت مظاهرات عارمة في بيروت خرج فيها المسلمون والنصارى على حد سواء. ولكن يتحفظ الكثيرون بشأن خوض لبنان وحدها مواجهة مع إسرائيل في أرض المعركة في الوقت الراهن.
وقال شبلي الملط أستاذ القانون الدولي بجامعة القديس يوسف ببيروت ان وضع لبنان، بعكس الجبهات العربية الأخرى التي تحوط إسرائيل، حرج للغاية، وأضاف «بعكس الأردن ومصر وسوريا إلى حد ما، فإن المناورات الدبلوماسية اللبنانية بينها وبين إسرائيل معدومة تماماً، فالخطوة الوحيدة التي يمكن أن تخطوها لبنان هي التصعيد العسكري الذي يمكن أن يكون له تداعيات خطيرة». وأعرب عن قلقه من موقف لبنان الحالي، وذلك لأن الاقتصاد اللبناني ممزق وعليه دين محلي يصل إلى 28 مليار دولار، وإذا ما سمحت لبنان بفتح جبهة أخرى عن طريق حزب الله والمقاتلين الفلسطينيين، فإن النتيجة سوف تكون الحرب. وأضاف الملط «أعتقد أنه لا توجد أية نية من أجل الخوض في حرب مع إسرائيل». ويقول محللون ان القرار لا يقتصر على الحكومة اللبنانية فقط، فلجارتها سوريا سياستها المهيمنة على لبنان، ودمشق سوف يكون لها القرار النهائي الذي سوف يحدد مستوى النشاط العسكري بطول الحدود مع إسرائيل.
وقال فريد خازن أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت «لا يوجد موقف لبناني، هناك فقط موقف سوري بشأن التطورات على طول الحدود، إنها لعبة محسوبة بدقة والتي لم تخرج عن السيطرة بعد، ولكنها في غاية الخطورة، وذلك لأن لا أحد يعلم ما الذي يمكن أن يقدم عليه شارون».
كريستيان ساينس مونيتور خاص |