دلفت المدرسة وأنا نافش ريشي كديك، أخترق الآن كتل الغبار الرابضة فوق عتبة الباب الداخلي، بحثت عيناي المنتشية عن غرفة المدير، دخلته وآذاني تصد ضجيج الطلاب، استقبلني المدير، لعله هو، ربما هو، عرفته بنفسي، اتضح أنه هو، ما زالت النشوة تطن في أعصابي، سجلت اسمي في المربع المخصص له بامتعاض شديد، أحسنت أن هذا المربع يضغط على نشوتي، استلمت الجدول وخرجت صاعداً أبحث عن سادس «ب» الحصة الثالثة رياضيات، ريشي يعبث به الهواء المتدفق. تعثرت آذاني بعواء الطلاب يتقاطر من الفصل، نفشت ريشي، هززت عرفي الأحمر القاني، اقتحمت الفصل، وصوبت نظراتي كالرصاص، هبط صمت إلا وشوشة طالب نظرت إليه فإذا رأسه ووجهه يفوقان زملاءه، هددت بالوعيد، يا ولد بلا صوت، ازدادت الوشوشة، اشتد احمرار عرفي. يا ولد بلا صوت، قذف كلمة أحرقت جمجمتي زعقت: يا وقح، قم، قام، يا إلهي طوله مذهل، الأولى أنه الآن في ثالث ثانوي. دحرجت ريقي في قصبة حلقي بقوة، صرخت بالطالب قريب الباب: بسرعة عصا بسرعة.
قفز الطالب وأنا أغرز نظراتي الحادة في وجه الطالب القمحي، وصل الطالب، ناولني العصا، أخذت أضرب كف هذا الطالب الأحمق مرة وأخرى، لم يحرك ساكناً أشتعلت غضباً، شممت رائحة احتراق ريشي، استجمعت قواي، وضربته بعنف أنزلقت الضربة إلى ذراعه، فصرخ بقوة وأخذ يتلوى من الألم، تراجعت منتصراً، وتراجع هو باكياً، عدلت عقالي المائل، لا أعلم أعتدل أم لا. ألقيت بعد ذلك قنابل من الوعيد ثم خرجت نافشاً ريشي، في الممرات الطلاب يلامسون الريش، أنهرهم بنظراتي. وفي الحصة الخامسة، جذبني أحد المعلمين لا أعرفه بل لا أعرف أحداً لأني جديد، قال لي وعيناه تبرقان:
ماذا حدث للطالب عافت في الصف السادس «ب».
رفعت رأسي بتثاقل، لذا لم يهتز عرفي ثم قلت: ماذا حدث؟
لقد انتفخت يده بشكل مخيف.
اضطرب باطني برجفة حادة، أنا غريب الدار وأهلي على بعد 450 كم اللهم سترك، قلت وأنا أدفع الرجفة التي تعبث بجسدي:
صحيح !؟
نعم، وإن هو ذهب إلى أهله فسوف تكون نهايتك.
أحسست بأن ريشي بدأ يتساقط فقلت:
يا لطيف.. ما العمل؟
لابد من حيلة.
كدت أقبِّل يده استعطافاً وأنا أقول له:
أرجوك عجِّل.
هبطت عليَّ حيلته كطوق نجاة، إذن شعاع النجاة بيد أخيه في الثانوية المجاورة. هرولت نحوه وأنا أشاهد تطاير ريشي في الشارع، مرق طائر فوق رأسي، خطف ريشة وحلق بعيداً، دخلت المدرسة الثانوية، مباشرة صعدت إلى الدور الثاني أبحث عن ثاني طبيعي، وصلت الفصل وأنفاسي تلهث خلفي
تكاد أن تتمزق، أخرجته من الفصل، شاربه الكثيف يفزع الطير لكن صوته هادئ، ونظراته مستقرة. قلت له وأنا أشعر بأن جلدي قد تعرى تماماً من الريش:
أخوك عافت هل تريد له النجاح، المفروض الآن أنه في صفك.
طأطأ رأسه، استرددت بعض ريشي وقلت:
لابد من الضغط عليه حتى ولو بالضرب.
قال بعجلة غير متوقعة:
لكم الجلد واللحم والعظم.
اكتمل التصاق الريش بجلدي، كدت أقفز فوق جدار الممر فرحاً لكن أنفاسي التصقت بالأرض وقلت:
نعم الأخ أنت، لابد أن هذا هو رأي الأهل.
هز رأسه بفرح طفولي وقال:
كل الأهل، بل كل القبيلة، ثم رمقني بعين صقر وقال:
لكن بشرط.. النجاح.
قلت وأنا أخترق كتل الهواء السميكة:
طبعاً .. ولو...
هبطت إلى الأرض وعيناي تتلمس مكان مواقف السيارات، بحثاً عن سيارتي التي سوف تغرسني في أحضان أهلي.
|