Tuesday 9th April,200210785العددالثلاثاء 26 ,محرم 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

شدو شدو
لاجديد.. لاقديم (1 - 2)
د.فارس محمد الغزي

إن كنت تعتقد بأن (لاجديد تحت الشمس) فعليك الاعتقاد أيضاً بأن لاقديم تحت السديم، فالحياة سلسلة من الأطوار جمع طور متراكمة المحتويات، متصلة النهايات والبدايات، متعاقبة الأدوار، متراتبة التوقيت وصولا ومغادرة، فالأمس ليس بالقديم مثلما ان اليوم ليس بالجديد، والطائرة التي هبطت للتو لايعني انها قديمة كما ان الطائرة التي على وشك الهبوط ليست بالجديدة، والحياة (اقلاع وهبوط)، ونزول وارتحال، عبر سلسلة من الازمان الملتحمة، فكل زمن سابق يدفع برحله وحمولته في (شنطة قطار!) الزمن الذي يليه، ومن مضامين ذلك ان وجود الاشياء تحدده تأثيراتها لا تعبيراتها، إذن فالجديد لايزيح القديم او يحل محله، من حيث انه ليس هناك قديم ليزاح اصلا، فما نسميه (القديم) يلجأ حين يحس بقرب وصول مانسميه (الجديد) الى جمع عفشه (ويندس!) في إحدى الزوايا على متن القطار الزمني متواتر السير، وهذا يعني ان ليس للقديم انتفاء، ويكفي من الادلة على صحة هذا القول مانتداوله وعيا او بدونه من عبارات هي للقديم شهادات حياة لا وثائق وفاة، من قبيل (قديمك نديمك لو الجديد أغناك).. و(اللي ماله أول ماله تالي) وخلافهما.
هنا أكون قد وصلت إلى الفكرة التي مَهَّدتُ بما سبق قوله للوصول اليها، فمنذ بدء الخليقة والزمن محور التفكر الانساني، وما أعيا فكر الانسان مثل تفكُّره بالزمن، فمن خصائص الزمان ما يتمثل في استحالة إعادته للوراء، حيث ان الزمن لايقبل النكوص، فهو ذو اتجاه واحد الى الامام فقط، وعلى الرغم من قدم هذه الفلسفة الزمنية، فلم يبدأ الإيمان بها إلا حديثا (جدا)، حيث بدأ الإقرار (علميا) بأن للزمن سهم وجهة سيره الحتمية نحو الأمام بإذن الله، أو مايعرف الآن ب(The Arrow of Time)، وهذا الاعتراف العلمي المتأخر ليس إلا إقرارا بالعجز، ومن مضامينه (المنهجية) العديدة هو ان القوانين العلمية ولاسيما الشائعة منها في العلوم الانسانية والاجتماعية هي مجرد امكانات (Possibilities) لايقينيات (Certainties)، حيث اعتاد العديد من العلماء في السابق الايمان تبجحا بفكرة يقينية وثبات قوانين الاجتماع الانسانية مما يعني ايمانهم كذلك بقدرة العلم حيثما شاء على التدخل والتحوير والتغيير.
إن من مضامين فكرة الإقرار المذكورة آنفا هو اعتراف العلم بأن مايؤثر في حاضرك من ماضيك يؤثر كذلك في مستقبلك، مما يجعل من قديمك جزءاً رئيسا لامن منظومة حاضرك فحسب بل من مستقبلك ايضا، او كما قال احد العلماء في كتاب قرأته حديثا في اللغة الانجليزية «ان التاريخ تحدده عوامل قهرية لاطاقة للإنسان على تحويرها طالما لم يع فيستكنه هذا الانسان أبعاد وحقائق هذه العوامل، أما حين يفقه ويستقرئ هذا الانسان هذه العوامل فهذا قمين بمده بالقدرة على تحديد نوعية (ماضي مستقبله) القادم»، بمعنى آخر فمجرد وعيك بمشكلات ماضيك المؤثرة في حاضرك يمدك بإذن الله بالقدرة على السيطرة لاعلى الحاضر والمستقبل فحسب بل على ما سوف يتبلور من المستقبل ليضحى ماضيا.
ختاما فوعي الإنسان بزمنه بطريقة شمولية كفيل بجعله يدرك الغاية من خلقه ابتداء، فلا غرو ان يقسم الله سبحانه بكافة «أقسام» الزمن ومناطقه الحياتية / الإنسانية مفردة من فجر وليل ونهار وضحى..، ولا غرو كذلك ان يقسم سبحانه بهذه المناطق الزمنية كتلة واحدة يجمعها الدهر او العصر كما ورد ذلك في اماكن متفرقة من كتابه الحكيم.
..تستكمل شدو إن شاء الله الموضوع ذاته (بالصيغة الخميسية) المعتادة لغوياً وفكرياً لدى قراء شدو الخميس..

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved