تطرقت في مقالتي السابقة إلى الشاب الذي عانى من عنف عائلي في محيط أسرته، حتى وصل به الأمر إلى الشعور بالإحباط.. وانحداره لمستوى نفسي لا يحسد عليه.. وإيضاح الدكتور/ عبدالله الفوزان أستاذ علم الاجتماع المشارك بجامعة الملك سعود بعضاً من العوامل التي أسهمت في ارتفاع معدلات الجريمة والعنف العائلي في المجتمعات العربية.. ونواصل اليوم التطرق لباقي العوامل، وهي الهجرة المتزايدة، وعدم القدرة على توفير مسكن مما يدفع إلى الاضطرابات النفسية للأفراد، وتدب الخلافات الأسرية، وتعاطي المسكرات والمخدرات للهروب من مشكلات الحياة العصرية المتسارعة، بجانب تأثير الثقافات الأخرى على الثقافة المحلية من خلال القنوات الفضائية والعاملة الوافدة.. وقد بينت دراسة أن قرية كندية عندما دخلها التلفزيون زاد العنف وقل الأداء الدراسي، كذلك يشكل تدني المستوى الثقافي والتعليمي، دوراً في تفشي ظاهرة العنف العائلي بالإضافة إلى النزاعات حول المواريث.
وقد بين الدكتور طلعت حمزة الوزنة استشاري أمراض المخ والتأهيل، ومدير عام الخدمات الطبية بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية إنه في دراسة إحصائية اتضح ان أكثر من يعانون من العنف العائلي هم: الطفل المعوق، الطفل الصغير الحجم أو الوسيم، والطفل الذي فقد أحد والديه أو كليهما (كما هو الحال في الشاب الآنف الذكر) أيضا الطفل مجهول الهوية .. ولعل في ظاهرة بيع الأطفال في الشوارع شكل من أشكال العنف العائلي من حيث لا يدركه أهله.
العنف الذي أفرز لنا شبابا مهزوزي الشخصية، فاقدي الثقة بالنفس، عاطلين عن العمل، فاشلين دراسيا، بل ومرتكبين لأعتى الجرائم وأبشعها في حق النفس انتحاراً، وفي حق الوالدين عقوقا.. والأذى النفسي أو الجسمي الموجه ضد أي فرد من أفراد الأسرة ليس شرطا أن يكون آتيا من أب، أو أم تجاه أبنائهم.. فربما يأتي من ابن تجاه والديه من جراء بعض من العوامل السابق ذكرها التي ذكرها الدكتور/ الفوزان.. كذلك قد تأتي من الابن تجاه إخوته بما في ذلك من تسلط بعض الإخوة على الأخوات لمجرد أنه ذكر وقد يكون فاشلاً وأخته أكثر نجاحاً منه، ولكن لأن المجتمع أبرز دور الذكر فقد استغل هذا البروز استغلالاً خاطئاً مفاده التسلط.
ولن نغفل دور الإعلام المقروء في تفشي ظاهرة العنف.. والعنف العائلي بالذات عندما يركز على الجريمة ويفرد لقصصها الصفحات، والزوايا بهدف تسويقي لا أكثر.. كجرائم الشرف، وغسل العار، واسترداد الحقوق والانتحار في الوقت الذي نطلب من الإعلام، المقروء أن ينظر للجريمة كوجه من أوجه العنف، والعنف العائلي فتطرح كقضية تناقش، وتدرس، ربما يتم إيجاد الحلول لها والمخارج التي تحمي المجتمع من تفشيه، وانتشاره .. أو تقلل منه على أدنى تعبير.
إذاً العنف العائلي كظاهرة موجودة في مجتمعنا العربي والسعودي بالذات.. لكن الدراسات المتخصصة عنه غائبة، حيث لابد من وجود هيئات ومؤسسات تعنى بالأسرة والطفولة والمجتمع ككل حتى تمتد بعنايتها إلى المدارس والجامعات والمستشفيات والدوائر الحكومية.. أيضا تهتم بتثقيف وتوعية وتأهيل المرشدين الطلابيين بدلا من حالة التخلف الذي نعيشه ونعاني منه.. ولن أغفل الأهم وهو متابعة ظاهرة العنف العائلي ضد الزوجات الآتي من الأزواج.. والضرب بيد من حديد على من تسول له نفسه التعدي على زوجته باليد أو اللسان أو ما شابه ذلك.. حيث إن الشرع الإسلامي وضع حدود التعامل معها من قبل الزوج.. إما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.. لكيلا ينال الزوجات ما نال والدة ذلك الشاب من جراء القهر الذي ألبسها إياه زوجها.
ص.ب: 10919 الدمام 31443 فاكس 8435344 03 |