أظهرت لنا الحرب والهجمة الصهيونية الشبيهة بالهجمات النازية ومحاصرة الرئيس ياسر عرفات، كم هو الانسجام التام والمتطابق في المواقف والتوجهات الأمريكية والصهيونية ضد الشعب والقيادة الفلسطينية. الولايات المتحدة قررت منذ بداية تولي الرئيس الابن بوش رئاسة الولايات المتحدة ان تنحي جانباً دورها كراعية للسلام ووسيط له في الشرق الاوسط، وهذا واضح من المواقف لهذا الرئيس ومن يسمون بالصقور في حكومته منذ توليهم السلطة.
نسمع دائماً بعد قدوم رئيس لأمريكا ورحيل آخر، أن الخطوط العريضة للسياسة الامريكية لا تتغير بتغيّر الرؤساء الأمريكيين او الأحزاب الامريكية الحاكمة وبالذات السياسة الخارجية.
والحقيقة أن هذا صحيح إلى حد كبير ولكن طرق التعبير عن تلك السياسات من قبل الرؤساء الأمريكيين ومجلس الشيوخ الامريكي وصناع القرار تختلف. لم يختلف جميع الرؤساء الأمريكيين على أن الكيان الإسرائيلي المحتل لأراضي فلسطين هو صديق الولايات المتحدة.. والحقيقة انه صديق مدلل في السياسة الأمريكية بشكل عام ولو ان هناك الكثير من الرؤساء الأمريكيين يعتبرون اليهود المتنفذين في أمريكا وفي الكيان الصهيوني أعداء ويكرهونهم من الداخل ولكن لا يجرؤون على إعلان ذلك الكره الذي مهما بلغ لن يكون له ذلك التأثير على السياسة الخارجية والأطر العامة تجاهها.. ورغم ذلك يحصل أن يكون بعض الرؤساء ذو شعبية عارمة داخل الولايات المتحدة وينجح في تنفيذ بعض السياسات الداخلية الجيدة وبالذات ما يتعلق بالاقتصاد والصحة والتعليم كما حدث في عهد الرئيس كلنتون، مما يجعله يمارس بعض الضغوط على الحكومة الصهيونية لإجراء بعض التنازلات هنا أو هناك في بعض الاتفاقات مع الفلسطينيين. ولذلك فإن العرب والفلسطينيين ومحبي السلام يترحمون على عهد كلنتون ويعتبرونه أفضل السيئين في تعامله مع الفلسطينيين والعرب بشكل عام لأنه استقبل الرئيس عرفات في العديد من المناسبات وزار أراضي السلطة الفلسطينية مرتين. أما الرئيس بوش الابن فيبدو أنه يركز على السياسة الخارجية بشكل أساسي ويدرك انه لن يحقق نجاحا في الناحية الاقتصادية في الداخل واستغل احداث الحادي عشر من سبتمبر استغلالا كبيرا وأعلن ان احداث الحادي عشر من سبتمبر ستغير العالم بحيث يصبح العالم بعد سبتمبر عام 2001 مختلفا كما كان قبل سبتمبر.
إن من يتمعن المواقف الامريكية والتصريحات للمسؤولين الامريكيين سواء كان الرئيس بوش أو وزير الدفاع او مسؤولة الأمن القومي منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر يتخيل له أن هذه الحكومة كأنها فرحة بما حدث في ذلك اليوم الذي يبدو أن نتائجه ستغير مجرى التاريخ. إن أحداث ذلك اليوم فتحت الباب على مصراعيه للولايات المتحدة لتمارس سلطتها كدولة عظمى وتمارس هذه السلطةبطريقة فظة وتهديدية وتوعدية، بعيدة عن الدبلوماسية والسياسة والحوار واول من بدأ ذلك هو الرئيس بوش الابن الذي اعلن الحرب على الإرهاب والإرهابيين وربط بين الإسلام والإرهاب بقصد او بغير قصد بزلة لسان أو بتوجيه لسان وتبعه الكثير ممن زلت ألسنتهم وزلت أقلامهم.
لم يدع الرئيس بوش وإدارته فرصة للحوار وتبادل الآراء والنقاش مع الدول الصديقة حسب التوزيع الأمريكي لدرجات العلاقات مع الدول والتي أقربها أوربا ومن بعدها بعض الدول التي تربطها مصالح اقتصادية مشتركة وهامة مثل دول الخليج.
أعلنت الحكومة الأمريكية الحرب على أفغانستان لكونها تضم طالبان وقواعد القاعدة وهم المتهمون بالتفجيرات حسب ما توصلت إليه قناعة الولايات المتحدة الأمريكية لوحدها. لم تقتنع الدول الأوربية جميعها بما قالته الولايات المتحدة ولم تبرز دليلا واحدا قاطعا على من قام بهذا الدور ومن خطط له بريطانيا حليف تقليدي وحليف دائم للولايات المتحدة منذ زمن طويل وازداد قوة هذا التحالف أثناء حشد الحشود على العراق الذي ألبت عليه وبشدة مارجريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا آنذاك وكانت تظهر اشد تحمساً من الرئيس بوش الأب آنذاك الذي قاد التحالف ضد العراق الذي كان لابد من إخراجه من الكويت وبمباركة من الدول العربية.
بريطانيا بحكم هذا التحالف لم تطالب بدليل من أجل الانضمام للتحالف في الحرب ضد أفغانستان، كما ان الدول الأخرى القريبة من الأحداث أسقط في أيديها بحكم التهديد والوعيد والترغيب والترهيب الذي شنته الولايات المتحدة في حملتها الإعلامية لحشد التحالف.
وشاع الاصطلاح الذي أطلقه الرئيس بوش وهو من لم يكن معنا في حربنا ضد الإرهاب فهو ضدنا، ومن يكن ضدنا فستناله مخالب العدالة.
لقد اتضح منذ اليوم الثاني لأحداث سبتمبر كيف فكر القانونيون مع السياسيين والإعلاميين في كيفية استغلال هذا الحدث في فرض السيطرة واستعادة الهيبة بل ترسيخ الهيبة للولايات المتحدة وذلك من خلال جعل عناوين الصحف والبرامج والأخبار هي (الحرب على أمريكا) بينما وقانونياً هو ان ذلك الحدث كان عملا جنائيا إجراميا له طرق مختلفة تماما للمعالجة عما اتبعته أمريكا في معالجته.. كان بالإمكان اتباع الطرق الدبلوماسية والضغوط على الأطراف ذات الشأن دبلوماسيا وإذا لم يتم التوصل الى نتيجة فإن التأييد سيكون أكثر للولايات المتحدة الأمريكية في حربها ضد الإرهاب. الولايات المتحدة يتضح فعلا وكأنها كانت تترقب مثل ذلك الحدث الكبير الذي هز نيويورك وواشنطن لتظهر للعالم بأنها القوة الوحيدة التي يجب أن تطاع وأن تقبل كل دولة بتواجدها بأي طريقة من الطرق سواء تواجد عسكري أم اقتصادي أم استشاري أم علاقات صداقة ودفاع. لم تكن أمريكا بحاجة إلى كل ذلك فهي تستطيع أن توجد مثل تلك العلاقات ولكن من خلال القنوات التي تحفظ للدول ماء وجهها وتبقي للولايات المتحدة نوعا من الاحترام.
ثبث أن الولايات المتحدة ليس هدفها ضرب الإرهاب كما تدعي في أفغانستان ولذلك فهي قبل أن تبدأ الحرب قالت إن بقاءها في أفغانستان سيطول. وكما ذكرت في مقالة سابقة فإن أمريكا ستستمر في مقاتلة طواحين الهواء في أفغانستان وتتذرع بأن رؤوس الفتنة ما زالوا طلقاء وسيظلون طلقاء كما تشتهي أمريكا. إذا ما توا فلن تعجز الولايات المتحدة في أن تظهر لنا أسماء جديدة تم تدريبهم ليصبحوا الجيل الثاني بعد الجيل الأول للقاعدة لتتم مطاردتهم فترة زمنية أخرى.
أحداث الحادي عشر من سبتمبر استغلها الحاقدون على العالم الإسلامي والعربي بما فيهم الحكومة الصهيونية لتوسيع دائرة الانتقام الأمريكية. أصبح في السياسة الأمريكية في حربها ضد ما تسميه الإرهاب ترتيب، والحقيقة أصبحت جلية وواضحة وهي أن الحرب هي على الدول الإسلامية والعربية التي تعارض سياسة أمريكا والتي لديها طموح لتطوير قدراتها العسكرية للدفاع عن نفسها ضد الكيان الصهيوني وليس لتطوير قدراتها للهجوم على أمريكا.
وهي بهذا الأسلوب تستفز وتستثير الدول العربية والإسلامية التي تربطها صداقة بالولايات المتحدة حيث إن هذه الدول سترفض مبدأ معنا أو ضدنا وتتخذ موقف الرفض لضرب دول إسلامية وعربية. وهذا بالفعل ما حدث حيث وقفت كل الدول العربية ضد ضرب العراق وستقف ضد ضرب ايران أو أي دولة عربية أخرى. وهذا ما لمسه دك تشيني نائب الرئيس الأمريكي عند زيارته للمنطقة.
الولايات المتحدة لم تراع مصالح العرب التي تمثل سوقا ومصلحة اقتصادية للولايات المتحدة أكثر من اليهود ومن عدد كبير من دول العالم على الأقل بالتزام جانب العدل أو على الأقل الميل قليلا بدل الوقوف بشكل كامل وبتأييد كامل للسياسات الصهيونية. تشيني لم يراع مشاعر العرب ولا محنة الفلسطينيين حيث قدم ليجمع الحشد والتأييد لضرب العراق في الوقت الذي تضرب فيه القوات الصهيونية المدن والقرى الفلسطينية وتهدم المنازل وتجرف الأراضي وتقتل بغير وجه حق وتجاهل رمز السلطة الفلسطينية الرئيس ياسر عرفات ولم يقابله وهذا يعني أنه قدم لمباركة ما يقوم به شارون والتأكد من أنه ينفذ الخطة المتفق عليها في الحرب ضد من يعتبرونهم إرهابيين.
تواجد الولايات المتحدة في اليمن والصومال وباكستان وأفغانستان وقطر والبحرين والكويت والمملكة العربية السعودية والفلبين بدأت الشعوب العربية والإسلامية تنظر إليه بعين الشك والريبة وبدأت الأصوات ترتفع بالطلب منها أن ترحل لأن دورها بدأ يتغير. وبدأت الولايات المتحدة تستخدم تواجدها بشكل لا يتناسب مع مصالح الدول العربية أو الإسلامية التي بها ذلك التواجد الأمريكي وهذا بالفعل ما حدث حين حاولت الولايات المتحدة الأمريكية استخدام تواجدها العسكري المحدود في المملكة للهجوم على أفغانستان حيث رفضت المملكة ذلك رفضا قاطعا أثار ضجة إعلامية كبيرة ضدها في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد أكدت المملكة ذلك الرفض لتشيني بأنها ضد ضرب العراق ولن تسمح بانطلاق الطائرات من أراضيها لضرب العراق أو أي بلد آخر.
إن الشعوب العربية والإسلامية والقيادات بدأت تتوفر لها القناعات بوجود تناغم وانسجام في السياسة الأمريكية والصهيونية وبأن هناك توجهات عدوانية تستهدف العالمين العربي والإسلامي وذلك لترسيخ التواجد الصهيوني والهيمنة الأمريكية.
لقد اتضح من خلال عزف كل من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني على وتر محور الشر الذي أطلقه بوش وبالذات الجزء المتواجد في العالم العربي والإسلامي المتمثل في ايران والعراق حسب تصنيف الولايات المتحدة.
وعلى كل حال هذا المحور اتسع ليشمل سوريا ولبنان، وقد بدا ذلك واضحا في تصريحات القادة الصهاينة حين وجهوا تحذيراً لكل من سوريا وايران من مغبة دعمهما للإرهاب قاصدين بذلك حزب الله. ولم يطل الأمر كثيرا بالرئيس بوش الابن حين حذر هو أيضا سوريا والعراق وايران ونعتها بالدول المساندة للإرهاب وحذرها من التورط في حرب ضد اسرائيل هذه الأيام. أي انسجام وتناغم أكبر مما هو عليه في السياسة الأمريكية والصهيونية من هذا الانسجام؟ أي دليل أوضح من هذا الدليل بتحيز السياسة الأمريكية للكيان الصهيوني ولخططه ضد الشعب الفلسطيني وقيادته؟ الأمر لم يعد تناغماً ولا انسجاماً في السياسة والمخططات بين أمريكا والكيان الصهيوني بل تعداه إلى درجة المشاركة فيما يحدث للفلسطينيين.
الولايات المتحدة أصبحت ضليعة بشكل مباشر فيما يحدث للشعب الفلسطيني من قتل ومن تدمير للمنازل ومن حصار للرئيس ياسر عرفات.
الطائرات طائرات مصانع الولايات المتحدة الأمريكية والدبابات والصواريخ والمدرعات. ثم ان السياسات والمشاورات تسدى كلها من قبل تنت ومتشل وزيني لمصلحة الكيان الصهيوني. تنت رئيس المخابرات وزيني عسكري متمرس يأتيان ليشيرا على الكيان الصهيوني ويعدلا في الخطط لكي تصبح في النهاية فارغة المحتوى ويصعب على الفلسطينيين القبول بها. وهذا ما حصل عندما جاء زيني إلى المنطقة ليساعد في تنفيذ مخطط شارون. قام بالتعديل تعديلا جوهريا على خطة تنت فرفضها ياسر عرفات والقيادة الفلسطينية، عندها أوعز بوش بالضغط على السلطة من خلال الاجتياح للمدن الفلسطينية في الضفة الغربية وحصار الرئيس ياسر عرفات. هدد شارون بقتله وعزله ونفيه ولكن ذلك لم يجعل عرفات يستسلم. لم يصغ شارون الى مناداة زعماء أوروبا وغيرهم وقال من يعطف على ياسر عرفات فعليه أن يأتي ويأخذه بطائرة هليكوبتر ويخرجه بحيث يكون خروجاً بلا عودة حسب قوله «تذكرة ذهاب فقط». قمة السخرية والاستهزاء.
الولايات المتحدة من خلال مبعوثها زيني حاولت جس النبض مع الرئيس ياسر عرفات مرة أخرى ومحاولة الحصول منه على توقيع على التعديل على خطة تنت وميتشل ولم يسمح بأن يكون معه أحد من مساعديه.
عرفات طلب تشكيل فريق عمل من معاونيه لدراسة الأمر ولكن حتى كتابة هذا المقال زيني وشارون يرفضان. حيث وجه الجيش الصهيوني الرشاشات الى مقر إقامة عرفات كنوع من الضغط بعد رفضه التوقيع على مقترحات زيني.
أعتقد أن عرفات سيستمر في الرفض وربما يموت شهيدا وهو الأفضل له من أن يوقِّع على اتفاقية تكبله وليس هناك فيها أي نوع من ضمان حقوق الفلسطينيين ولا ضمان لحياته أو عدم قتله أو عزله أو نفيه كما أنه ليس هناك ضمان بتنفيذ ما يوقع عليه بل قد يكون الأمر مجرد الإمعان في الإهانة والإذلال.
الفلسطينيون يدركون حجم هذه المشاركة الأمريكية في العدوان ضدهم، ولكنهم يؤمنون بإرادتهم وبحقوقهم وبعدالة قضيتهم ويؤمنون بأن الصراع طويل وأن الحق لن يضيع طالما وراءه مطالب ومستعد للثبات والتضحية من أجل الوطن. وهذا هو ما يجب أن يدركه العرب والمسلمون بالإضافة الى الحاجة الى أن يغيروا ما بأنفسهم لكي يتم تغيير الواقع بأفضل .
قال تعالى {إنَّ پلَّهّ لا يٍغّيٌَرٍ مّا بٌقّوًمُ حّتَّى" يٍغّيٌَرٍوا مّا بٌأّنفٍسٌهٌمً} [الرعد: 11] .
|