أشد ما يواجه الوعي الإنساني من معوقات، ومثبطات، وعيوب هو ما يتجسد في الفهم الخاطىء لكنهه المتطور والمتجدد الذي يرفض النمطية والتكرار، في وقت نكون فيه نحن بحاجة لمثل هذه التحولات النوعية للوعي من أجل ان نقطف ثمار، ونتائج حضوره في العقلية الواعية .. تلك التي تقدم لنا الفكرة تلو الأخرى مبنية على أسس حقيقية وحاجة ماسة لإنجاز مثل هذه الطروحات الإنسانية.
مما سبق أود أدلف إلى فكرة تأخذ شكل الاقتراح، ومناقشة رؤية قد تكون ممكنة إذا ما تسلحنا بالوعي ذاته، وحاولنا ان نفصل بين العقل والعاطفة في فهم هذه المطارحة التي لا يعدو كونها أولاً فكرة قابلة للنقاش، وثانياً ربما يؤخذ بها أو ترد.
تتلخص فكرتي هذه بأن يتم تجنيد الكوادر «العمالية» في القطاع الحكومي، والتي تحمل صفة عامل أو مستخدم للاستفادة من قدراتهم في تحقيق بعض الإنتاج الذي يعود على المؤسسة الحكومية بالفائدة، ويحقق أهداف ومرامي هذه الوظيفة التي يمارسها هذا الموظف أو ذاك، فالأمر لا يمكن أن يكون معيباً، أو مخلاً إذا ما حولنا عمل نظام عملي فاعل يقوم به العامل أو المستخدم من أجل ان يكون محققاً للمردود المالي، والذي سيوفر كثيراً في عقود الصيانة.
فمن أجل ان تكون هذه الخطوات فاعلة ومثمرة علينا إدراك ضرورة تأهيل هذه الكوادر عن طريق عقد دورات بسيطة وميسرة داخل المصلحة للتعامل مع هذه الأعمال التي توكل إليهم مثل صيانة المباني، والأثاث، وإصلاح الكهرباء والأجهزة الإلكترونية التي يقدمها كل جهاز حسب تخصصه وأدواره.
ولا نطالب هنا بعمل إنتاجي وافر يسعى به إلى الربحية إنما الاكتفاء الذاتي وتحقيق أهداف هذه الوظائف والمسميات التي لا تمثل واقعها بأي حال من الأحوال. فقد يواجه هذا الأمر صعوبة في فهمه وتقبل منطلقاته، لكن مع المحاولات الجادة، والوعي الذي أشرت إلى ضرورته نستطيع ان نؤسس منطلقات مناسبة ومفيدة، لكننا قد نجد على الطرف الآخر من المعادلة أن هناك من هو دون الحماس، وأن هناك من لم يكترث لأمر كهذا لكن علينا ان نفعل.. ربما تحقق فكرتنا بعض النجاح وتكون فرصة عظيمة ومناسبة لبناء أيد عملية وطنية ترعى شؤون المصلحة العامة وتسهم في نمو الإنتاج وتوفير المال، وستحقق هذه الممارسات الحضارية العديد من الأهداف الإنسانية الأخرى التي ستنعكس على حالة العطاء لتحقق نوعية من الموظفين والعاملين الذين سيخدمون وطنهم، وسيصبحون ركيزة تنطلق منها العديد من الطروحات الحضارية التي نحن في حاجة إليها اليوم.
إشكالية «العيب» ستعاضد معادلة الرافضين لمثل هذه الأعمال التي يجد البعض أنه غير معني بها إلا أن هذه الأمور ستنحصر في نقطة الخيارات الصعبة نريد أو لا نريد، فالوعي الذي يتسلح به الإنسان هو الذي سيغلب الرؤية والمثالية التي ستحقق له العديد من الحوافز الجديدة لنجاحه، والإسهام في بناء مستقبله العملي والوظيفي المتميز.
فصدام التردد والحذر والخوف مع أي جديد قادم أمر وارد لكن الأجدر ان نجعل هذا الاختلاف والرفض في إطار ضيق لنتمكن من تقديم الأفضل بإذن الله، فالاعتماد على الوعي مطلب مهم سيسهم في بناء مشروعنا الحضاري، فكلما كنا مسلحين بالوعي سنكون أقوى من التحديات، وأعمق من الشكليات، وأكثر تأثيراً بالأجيال القادمة التي تنتظر منا تراكماً مناسباً من الوعي لتعد دورها بعناية وفاعلية.
الوعي من أهم مقومات المجتمعات المتقدمة، بل انه سلاحها القوي في وجه أعدائها ربما ليس أدل على ذلك من تجربة المجتمع الياباني الذي ترك السلاح والحرب وراء ظهره وانصرف نحو بناء حياته من خلال الوعي حتى رأينا حضارة اليابان في أقل من خمسة عقود تسود العالم، وتسيطر على مقومات الاقتصاد العالمي جنبا إلى جنب مع الدول العظمى، لتتأكد في هذا السياق قدرة الإنسان في بناء حضارته من خلال الوعي، فما أحوجنا إلى مثل هذه القيمة الرائعة للوعي لعلنا نحقق بعض هذه الأفكار التي ستخدم المصلحة العامة، وتسهم في صيانة منشآتها ولنكون قدوة لمن سيأتي من بعدنا.
|