* جدة الجزيرة:
المخرج المسرحي أمير الحسناوي يحمل وهو يعمل على خشبة المسرح فلسفته الخاصة المبنية على تجارب متراكمة وثقافات متعددة.. لذلك نجد ان كل صغيرة وكبيرة في فضائه المسرحي تحمل افكاراً ومعاني.. انه يحمل العرض بكل ما يحتاجه من نسب الجمال وتعدد الدلالات بصورة مكثفة يختصر بها الزمان والمكان.
الحسناوي كانت له لمساته الواضحة جداً على مسرح جامعة الملك عبدالعزيز وجمعية الثقافة والفنون بجدة.. حيث نقل بأسلوبه النخبوي ذلك المسرحيين الى فضاءات أكثر إبداعاً وأكثر قرباً من حقيقة المسرح. وأعدّ نخبة من المسرحيين الشباب ساروا على نهج المسرح الجاد فكان لهم حضورهم المثمر في المهرجانات المحلية والعربية.
المخرج أميرالحسناوي الذي يحمل سجلاً حافلاً بالإنجازات المحلية والعربية التقيناه ليحدثنا عن مسرحيته «حكاية بيت» التي حصل بها على أفضل عرض في مهرجان الجنادرية المسرحي الماضي التي قدمتها جمعية الثقافة والفنون بجدة. وعن فلسفته في بنائية العرض.
* ما نوع التلقي الذي يحتاجه المتفرج ليتواصل مع مسرحية «حكاية البيت».. هل يتلقاها بالوعي المثقل بالهموم أم باللاوعي.. حيث المكان ارحب والزمان أوسع؟
في كل خطاب نصي.. وفي كل خطاب صوري هنالك طاقة غير محدودة يمكن تفجيرها حسياً وعبر وسائل عديدة.
وعلي هذا الأساس يمكن ان يتحول ما هو يومي.. مادي الى ما هو طقسي شمولي فالساعة على سبيل المثال تحولت في تكوينات سلفادور دالي الى رموز حلمية لا حدود لطاقتها ودلالاتها الفكرية.
ان التناول الفني لما هو يومي.. لا يعني استعراضه حسب أطر ايدولوجية او قراءات محدودة مسبقاً.. فاليومي ما هو إلا انعكاس لتركيبات متناهية في الدقة من الافكار والصراعات وما هو إلا صيرورات كثيرة لتراكمات جدلية ممتدة في عمق التاريخ.. يقابلها السعي الحثيث لرسم صورة المستقبل في تركيب الفكرة المراد التعبير عنها.
ويلعب التكوين المادي والطاقة الحلمية والإرادة على ايجاد الفعل الدرامي وتطويره جماليا وفكريا.. واذا كان واقع الحياة هو الفعل.. فمن العبث ان يكون الخطاب الفني هو رد الفعل المباشر.. انما استدعاء مكونات الفعل تاريخيا وجمالا للخروج بلحظة ابداعية.. يكون الحدث اليومي احد مكوناتها ومحفزات نموها.
وعلى هذا الأساس كنا نطرح بشارة صغيرة لما هو يومي حاملا دلالاته الشمولية.. ثم نطلق العنان لأحصنة المخيلة التي يشترك فيها فريق العمل لإيجاد خطاب تلك اللحظة ومن هنا يمكن قراءة مشهد الاجتماع والمصافحة ويمكن قراءة استدعاء الشخصيات التي تغادر صناديقها المغلقة لتعلن عن وجودها.
ومن جوانب أخرى نحن نستعرض شخصيات مهووسة.. برغبة تنظيف او تطهير المكان المفترض من آثار الجريمة، مع التأكيد على كونها عمياء تتحرك بلا اتجاه.. تحمل ادواتها التقليدية معتقدة انها بذلك يمكن ان تكون قادرة على تغيب تلك الآثار التي تثبت كواقع على مر السنوات.. وهي بهذا تؤسس لنفسها خطاباً حلمياً معتمداً على الدلالات الصورية ان الوعي حاضر باعتباره عنصراً للتفاعل لا باعتباره عنصراً لقمع المخيلة الإبداعية.
* هل جاءت قضية فلسطين التي قي مسرحية «حكاية بيت» لتؤسس وعيا ام هي منبر للتحريض ام لحظة للتأمل أم مادة للبحث؟
القضية بحد ذاتها منبر تحريض واقعها وتاريخها في ذواتنا ومستقبلها.. كل ذلك يؤكد قدرتها على ايجاد المحفز التحريضي.. وعلى هذا الأساس فالتحريض يكمن في كينونتها، كما ان الوقائع والحوادث تؤسس الوعي المعرفي المراد.. اذا كان المقصود بالوعي هو المعرفة.. أما تأسيس الوعي الشمولي الذي تكون المعرفة جزءا منه.. فهو ما نسعى لتأمله في عرضنا.. المبني على طقس مغلف بالرموز والدلالات.
* كيف ترى مسرح الجنادرية وهو يبني فضاء للمسرحيين ويؤسس ميلاد نجوم.. هل هو كذلك أم أننا نتفاءل «فحسب»؟
المهرجانات المسرحية مؤشر حقيقي لتطور العملية الإبداعية في أي فرع من فروع الابداع المعرفي والجمالي، الأدبي والفني.
وعلى أساس هذه القاعدة فان مهرجان الجنادرية قد اتاح الفرصة أمام العديد من المبدعين لاستشفاف الواقع الجمالي والفني لخطابهم المسرحي.
ان تأسيس الخطاب المسرحي في غاية الأهمية ويقابله بهذه الأهمية او يشاركه فيها وجود المتلقي الحاضر الذهنية والقادر على التأويل والقراءة من قبل الآخر وخصوصاً انك في مهرجان فني.
لقد تلمسنا قراءات في غاية الوضوح والدقة طرحها العديد من الاخوة حول أعمال عديدة ومنها مسرحيتنا «حكاية بيت» سواء كان المعقبون مؤلفين أم مخرجين ام ممثلين ام مهتمين. وكم كان ضرورياً ان تتسع اشارات الإبداع لجوانب أخري في البنائية المسرحية.
* هل لمست بعد مسرحية حكاية بيت نواحي ذوقية وجمالية وفلسفية عند الجمهور.. أم ان الأمر لا يعدو كونهم «يصفقون»؟!.
التلقي هو احتواء الخطاب فكريا والتفاعل معه لإنتاج صيرورات أخرى وإلا سيكون الخطاب غير مكتمل.. بل ويفتقد الى التكامل الذي ينتجه المشاهد.. المتلقي.. وكلما تطورت المقدرة على القراءة الفنية انعكس ذلك على نوعية المنتج الفني.. وهو ما يجعل بعض الفرق مطالبة بتطوير ادواتها وخطابها جمالياً وفلسفياً.
لقد كانت الاشارات الدقيقة من قبل أغلب الحضور مؤشر النجاح الحقيقي «لحكاية بيت» التي كتبتها وأخرجتها في ايصال رسالتها..
تصور حين عرضنا مسرحية الهشيم في المهرجان الدولي للجامعات والتي حصدت اول جائزة دولية مسرحية صعد العديد من مخرجي وممثلي فرق اجنبية وأخبروا فريق العمل بأنهم فهموا خطاب المسرحية دون ان تكون لهم أية دراية في اللغة العربية. ان هذا يعني ان الخطاب الفكري.. الجمالي واسع ومتعدد الوسائل..
وقد تلمسنا هذه القراءات المسرحية في طروحات العديد من الاخوة المعقبين وغيرهم فيما بعد وهذه وقد اسعدتني المداخلات التي تلت عرض المسرحية.. واستمرت طيلة وجودنا في المهرجان.
ان هذا الجهد الابداعي الذي قدمه فريق العمل هو جزء لا ينفصل عن مجموع ابداعات متواصلة يقدمها العديد من المبدعين في اماكن اخرى من المملكة.. وهي تستحق الاشادة والدعم.. وبالوقت الذي اشير به الى رعاية جمعية الثقافة والفنون لفريق العمل.. اشير الى مصباح ما زال متوهجاً اوقده الاخوة اعضاء جمعية الطائف المسرحية حين حضروا وكرموا فريق العمل أثناء حفل التكريم الذي اقامته الجمعية بجدة لفريق العمل.إننا بحاجة الى ان نتوحد ابداعياً ونتكامل في التجارب ونتناول ما هو قيم فكريا وجمالياً لتعزيز التجربة ابداعياً.
|