ونستكمل حديثنا حول قرار معالي وزير الشؤون البلدية والقروية بمنع الأغاني في اللوحات الاعلانية بالشوارع ولماذا انا مسرور من هذا القرار وبينت في الجزء الأول من هذا المقال ان ذلك بسبب عدم تحقيق التوازن حيث ان المطربين غالباً للأسف لا يتقاعدون ولا ينقرضون مثل المثقفين فكم من مثقف الان لم يعد له ذكر حيث انزوى في بيته بعد ان واجه الاحباط والخذلان في المجتمع فلا احد يقرأ ما يكتب في الصحف وليس هناك الكثير من الفعاليات الثقافية الحقيقية وغالب ما هنالك هي فعاليات تقيمها بعض المؤسسات الحكومية للدعاية والاعلان وليس لخدمة الثقافة، كما أن المثقف يعاني من عدم تسويق كتبه فدور النشر تأخذ نسبة كبيرة مقابل التسويق الذي لا يتم بشكل جيد فيبقى مدة بلا قراء، لذلك انحسر المد الثقافي لهم فانحسروا حتى تلاشوا من المجتمع ومن بقي فهو «يصارع» من اجل البقاء مستمداً قوة بقائه من وجوده موظفاً ويظل مثقفاً كهواية. أما المطربون فهم اول من طبق نظام الاحتراف لا يعترفون بوظيفة ولا بدوام من الصباح حتى بعد الظهر وهو سبب رئيسي للانهاك الابداعي لدى المثقفين فهو في الصباح موظف يتلقى المراجعين وفي المساء مطلوب منه ان يطرح ثمار الابداع ومن جهة أخرى فلو وزعنا دخل المطربين السنوي على الموظفين لزهد الكثير من الموظفين بوظائفهم!!.
والمطربون متجددون وليس لديهم مانع «اذا وجدوا عدم الرواج» ان يستخدموا أي أسلوب بعد ان شعروا منذ فترة ان كلماتهم التي يغنونها ليست كالسابق بقوتها ورصانتها وجمال معانيها لهذا فليس لديهم مانع من استخدام كل السبل من اجل الوصول الى المشاهد من خلال «الفيدو كليب» الذي يعتمد على الاجساد غير المحتشمة والصور والمواقع المتعددة للتصوير والمخرجين السينمائيين ومع ذلك يسمونها اغنية! وهم الآن في سباق مع بعضهم.. مَنْ يصل أكثر للمشاهد؟ وليس مهماً الأسلوب فهم يتبعون اسلوب «اللي تكسب به ألعب به». والمطرب تتولاه مؤسسات إنتاج فنية ضخمة تتعاقد معه لعدة سنوات بالملايين بينما المثقف المطلوب منه ان يتبنى نفسه وان ينتج ويبدع وكذلك يطلب الرزق لاولاده! ولو وجدت مؤسسة ثقافية تتبناه فهي تفعل ذلك لكي تجمل صورتها به ولكي يقوم بتسويقها الى الأعالي!.
وبعد هذه الاتهامات التي «أغلبها» صحيح والتي «كلتها» للطرب والمطربين ارجو من معالي الوزير كما أصدر قراراً بمنع الاغاني في اللوحات الإعلانية في الشوارع ان «تهيب» الوزارة بالشركات الإعلانية ان تخفض رسوم الاعلان عن الفعاليات الثقافية بما فيها المسرح والثقافة، والثقافة والمسرح لم يصدر بهما أي قرار وزاري يفيد انهما لا يتفقان مع تقاليدنا بل الذي اعرفه انه من اجل الثقافة بنت الدولة وانشأت ايدها الله العديد من المباني الضخمة والكثير من المسارح في الأندية والعديد من فروع الأندية الأدبية وفروع جمعية الثقافة والفنون ولذلك اتمنى ان يصدر قرار بحث المؤسسات الإعلانية بالنهوض بالثقافة من خلال تخفيض قيمة الاعلان اذا كان يروج لكتاب او محاضرة او ندوة او «مسرحية» او امسية شعرية «فصحى» لان شعراء «الشعبي» لا يحتاجون إلى أي دعم!! ولا أريد أن أزيد لأن «عداوة الشعراء شر المقتنى»!!.
وإذا لم ينفع ان تهيب الوزارة بأصحاب الإعلانات بان يخفضوا رسومهم اذا كان الاعلان عن نشاط ثقافي وهذا مؤكد فمتى كان القطاع الخاص يدعم الثقافة؟ فعلى الوزارة نفسها وهي تمثل الدولة ان تعمم الثقافة بان تتنازل عن شيء من الرسوم التي تحصلها من شركات الاعلان ولعل يؤازرها في ذلك وزارة الإعلام من خلال وسائلها المتعددة وفي ذلك دعم للثقافة التي ما عادت تستطيع المقاومة في ظل تخاذل المؤسسات التي تعنى بالثقافة وتلك التي تدعي ذلك، والتي بسببها اصبحت الثقافة غريبة عن حياتنا. ان ممارسة الثقافة رسمياً تأتي دوما موسمية او ضمن فعاليات مناسبة، اما تفعيل الثقافة فهي مقصورة على المثقف نفسه فهو يعتمد على جهوده الفردية، لذلك أتمنى من وزير البلديات دعم الإعلان عن الفعاليات الثقافية بقرار يعفيها من الرسوم او يخفضها خاصة وان الثقافة الآن تتنازعها الكثير من الجهات وليس لها وزارة خاصة تعنى بشؤونها وتشد من أزرها.
|