تسببت الظروف الصحية لأحد المخرجين ان يغادر بلده قبل ان يتم أحد أعماله المسرحية وكان قد أوشك على ان ينهيه أو يكاد، فاتجه إلى مساعده الشاب الذي لمح فيه حماسا للمسرح وللعمل بخطاب كتبه قبل ان يغادر بلده جاء فيه: اكتب لك خطابي هذا وأنا على وشك مغادرة الوطن.. ويحز في نفسي ان أنصرف لعمل دون ان أنجز ما قبله.. ولكن حياتنا تفرض علينا أشياء وأشياء دون ان يكون لنا أكثر من خيار، فقد كنت أحلم بمسرحية (....) ليل نهار.. وأعتقد انها ولدت بعد شيء من الجهد والعرق والسهر ولكنها لم تتم، وتمنيت ان أتم ما قدمته برفقة فريق العمل ولكن أجد الظروف تقف سدا يمنع المرء ان يدرك ما يتمنى. فها أنا يابني أضع المسرحية (ابنتي) بين يديك مؤمناً بقدرتك على المضي بها نحو بر الأمان.. لا يداخلني أدنى شك في ذلك، ولكن اسمح لي ان أوصيك بعدد من الوصايا البسيطة.
1 اعتن بنصك جيداً ياسيدي.. اقرأه لتقرأه ثم اقرأه لتقترب منه ثم اقرأه لتتعرف عليه ثم اقرأه لتحبه ثم اقرأه لتفهمه ثم اقرأه لتنفذه وعندما تبدأ خطواتك التنفيذية لا تغفل قراءته بين الحين والآخر.
2 اعتن بالممثل.. وأعنه على ان يجتهد في عمله.. واحرص على ان يفهم قبل ان يحفظ، ويحفظ قبل ان يؤدي ويؤدي بإخلاص وصدق كما أكد على ذلك قسطنطين ستانسلافسكي.
3 الممثل سيد الخشبة.. وهو العنصر المهم في المسرح، لا ترهقه ولا تحمله ما لا يطيق.. ولا تكله لنفسه فيهلك.. وتذكر دائماً شعرة معاوية.
4 الحركة المسرحية للممثلين لم ترسم ارتجالاً أو عبثاً بل رسمت وفقاً لمناطق المسرح (القوة والضعف) ووفقاً للتكوين الجمالي وتأكيدا للمعاني التي يحملها الحوار.. ولتعطي المشاهد انسجاما حينا وتناقض حينا آخر وستلمس في الحركة تأكيدا على تمييز البطل وأهميته وتهميشا للسلطة.
5 ستجد بين ممثليك أنواعا مختلفة من البشر هي وليدة أكثر من بيئة فاحرص على ان يختلف أسلوبك معهم، فمنهم من يحتاج لشيء من الاطراء ومنهم من يحتاج لشيء من العناية، ومنهم من يحتاج لشيء من الحزم والشدة.. اهتم بذلك جيداً.
6 المخرج ياسيدي آخر من يغضب وأول من يغضب.. الأخير عندما يغضب الآخرون فواجبه امتصاص غضبهم ومحاولة الاستفادة من ذلك لصالح العمل، وعدم تصعيده أيا كان الغضب، والأول عندما يلمح تراخيا واستهتارا في العمل.
7 احرص ياسيدي على ان تأتي للبروفة مبتسما متفائلاً، واهتم بالسؤال عن صحة الجميع، ومعرفة مالديهم، لأن ذلك يمنحهم شيئا من الاطمئنان كما أنهم يتفاءلون بتفاؤلك واحرص على ان لا تظهر قلقك وضيقك علناً.
8 اهتم ياسيدي بزمن البروفة واجعلها تسير بين قليل من الجد وكثير من المرح.. عندما ترى في فريقك الهمة والنشاط امض بهم نحو الجد والنشاط، وأرحهم عندما تلمح بصيصا من التعب.. كن معهم بين مقبل ومدبر.
9 عندما لايعجبك ياسيدي مشهد معين أو حركة ترى من الأنسب تعديلها فلك مطلق الحرية في ذلك، ولكن أرجو ان تتريث، وعندما تعود لبيتك اجلس مع النص واعمل قلمك في عشرات من الأوراق حتى تصل إلى الشكل المرضي لك ثم قم بتعديله مباشرة في اليوم الآخر، لا تلجأ ياسيدي لارتجال حركة معينة أو اخراج مشهد معين فان ذلك (من وجهة نظري) مدعاة لظهور عمل مسطح، وحاول ان تكون حركة ممثليك مزيجا بين الفن والجمال والمعنى فالمعنى ثم المعنى.
10 عندما تقدم العرض المسرحي على خشبة أخرى لم تعتد عليها فكيف العمل عليها.. واحذف ما شئت ودع ما شئت.. واعلم ان مخرجا مسرحيا جرب ان يختصر في العمل ويحذف شيئا منه دون ان ينتبه انه حذف سطرا أو مشهدا أودى بعمله إلى الهلاك.
11 احرص ياسيدي على ان تكون في مسرحك قبل موعد البروفة بقليل ولاتتهاون في مسألة الوقت والتأخر.
12 اعتن بمظهرك.. وأت مبتسما مشرقا هادئا.. وكن اكثر أفراد الفريق هدوءا وثقة حتى وان كنت قلقا.. واهتم بنفسيات ممثليك قبل العرض مازحهم داعبهم، وأوصهم قبل العرض بما شئت دون ان يكون في كلامك شيء من القلق أو التخويف.
13 أثناء العرض المسرحي احرص على ان تتجه للخشبة إذا سمح لك الوقت لتمنحهم شيئاً من الدفء والطمأنينة.
14 عندما ينتهي العرض المسرحي بارك لهم وهنئهم واحدا واحدا.. وانس خطأ من أخطأ.
انتهت الوصية ونجح الشاب في تقديم مسرحية مخرجه رفقة ممثليه، وفي اللحظة التي أقبل الجمهور فيها يهنئ الممثلين على نجاحهم، وقد أبهر بعرض المسرحية كان المخرج المسرحي ينازع فيها سكرات الموت خارج وطنه وفاضت روحه..
|